نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
مع الشروق : حين تتحوّل المجاعة إلى سلاح حرب, اليوم الخميس 14 أغسطس 2025 01:18 صباحاً
نشر في الشروق يوم 13 - 08 - 2025
في مشهد يعجز الضمير الإنساني الحرّ عن استيعابه، ارتفع عدد شهداء المجاعة في قطاع غزة إلى 235 شهيدا من بينهم 106 أطفال، في جريمة موثقة بالأرقام والصور، تضاف إلى سلسلة الفظائع التي يرتكبها الاحتلال الصهيوني منذ بدء حرب الإبادة الجماعية على القطاع المنكوب، في سياق حصار خانق يمنع الغذاء والدواء ويحوّل الجوع إلى أداة قتل جماعي.
منذ الأشهر الأولى للحرب، حوّل الاحتلال الصهيوني الحصار إلى استراتيجية عسكرية، عبر إغلاق المعابر ومنع دخول المساعدات الإنسانية واستهداف قوافل الإغاثة، في خطوات متعمدة تهدف إلى ترك سكان غزة دون أدنى مقومات الحياة، حتى أن الأمم المتحدة وفي توصيف نادر في قاموس الديبلوماسية الدولية وصفت ما يجري بالمجاعة المتعمدة، بما يعكس خطورة الوضع الذي شاهده العالم بأسره من خلال الصور التي تظهر الأجساد الهزيلة والعيون الغائرة، في مشاهد أعادت للأذهان أبشع كوارث المجاعات في التاريخ الحديث.
فوفقا للقانون الدولي الإنساني، فإن تجويع المدنيين كوسيلة حرب يُعدّ جريمة حرب مكتملة الأركان كما نصّت عليه المادة 54 من البروتوكول الإضافي الأول لاتفاقيات جنيف، لكن الاحتلال الغاشم يتصرف وكأنه فوق القانون مستفيدا من حالة العجز التي تسيطر على المؤسسات الدولية ومن الدعم السياسي والعسكري الذي يتلقاه من بعض القوى الكبرى.
والمفارقة أن هذا الإصرار على استخدام المجاعة كسلاح حرب لم يؤدّ إلى كسر صمود الفلسطينيين، بل ساهم في توسيع عزلة الاحتلال دوليا، فمنذ إعلان أرقام شهداء المجاعة ازداد عدد المظاهرات الحاشدة وارتفع حجم المشاركين فيها في عدة عواصم أوروبية وأمريكية، حاملين فيها صور الأطفال الضحايا ومطالبين حكوماتهم بوقف الدعم للكيان الغاصب وفرض عقوبات عليه.
وحتى في الدوائر السياسية الغربية، فقد بدأت اللهجة تتغير، في ظل ما شهده عدد من البرلمانات الأوروبية من نقاشات حادة حول "التواطؤ" غير المقبول مع الاحتلال، وازدادت جرأة عديد المواقف الرسمية من حكومات مثل إسبانيا وايرلندا وبلجيكا ونيوزيلندا في انتقاد جرائم الحصار والتجويع.
التحولات الأهم تأتي من الشارع الغربي، حيث باتت الجامعات والنقابات والمؤسسات الإعلامية المستقلة أكثر انخراطا في حملات التضامن، وحملات المقاطعة الثقافية والاقتصادية والضغط من أجل فرض عقوبات تعكس جميعها وعيا متزايدا بأن ما يجري غزة مأساة إنسانية وجريمة حرب مكتملة الأركان، كما لعبت وسائل التواصل الاجتماعي من ناحيتها دورا حاسما في فضح الجرائم الصهيونية من خلال انتشار مقاطع مصورة لأطفال أبرياء يموتون جوعا، بما أثار موجات غضب عالمية لا يمكن للآلة الإعلامية الإسرائيلية احتوائها.
فما يجري في غزة اليوم هو اختبار أخلاقي للعالم بأسره، وما المجاعة التي يفرضها الاحتلال إلا أداة قتل ممنهج تستهدف المدنيين الأبرياء العزّل وخاصة منهم الأطفال، فالدماء التي تسفك جوعا والصور التي تهز الضمير الإنساني قد تتحول إلى وقود لحركة عالمية أوسع تفرض على الحكومات الغربية إعادة النظر في سياساتها، وتضع الكيان الصهيوني أمام جدار عزلة لا يمكن تجاوزه بالشعارات والدعاية الكاذبة.
وقد يعتقد الكيان الغاصب أن بإمكانه قتل الفلسطينيين بالجوع كما يقتلهم بالقصف، غير أن كل روح تزهق وكل طفل يرتقي إلى ربه ضحية لهذه المجاعة يضيف سطرا آخر في سجل الجرائم ضد الإنسانية التي يرتكبها المحتل، ويدفع بموجة جديدة من الغضب الدولي التي تقترب يوما بعد يوم من كسر دائرة الحصانة التي تمتع بها لعقود.
هاشم بوعزيز
.
أخبار متعلقة :