اليوم الجديد

زيارة ترمب للمملكة.. تعميق للشراكة الاستراتيجية وتعزيز للتعاون الاقتصادي

نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
زيارة ترمب للمملكة.. تعميق للشراكة الاستراتيجية وتعزيز للتعاون الاقتصادي, اليوم الثلاثاء 13 مايو 2025 01:05 صباحاً

زيارة ترمب للمملكة.. تعميق للشراكة الاستراتيجية وتعزيز للتعاون الاقتصادي

نشر بوساطة خالد رمضان في الرياض يوم 12 - 05 - 2025


تعكس الزيارة المرتقبة للرئيس الأميركي دونالد ترمب إلى دول الخليج، السعودية وقطر والإمارات، تحولًا نوعيًا في طبيعة العلاقات الخليجية الأميركية، بالشكل الذي يخدم مصالحهما بشكل استراتيجي ومستدام، وستكون هذه الزيارة التاريخية فرصة لترمب لتقديم رؤيته الاستراتيجية بشأن انخراط الولايات المتحدة في الشرق الأوسط وتحديد أهداف سياسته في المنطقة، حيث تبرز الرغبة الأميركية في إعادة ضبط أسعار الطاقة عالميًا، وتحصين الشراكة الدفاعية، وموازنة العلاقة مع الصين وروسيا، بينما تسعى السعودية إلى تعظيم موقعها كقوة إقليمية فاعلة تتقاطع مصالحها مع مصالح واشنطن في ملفات عديدة.
وبالنسبة لقطر، فإن الزيارة تؤسس لمرحلة جديدة من الشراكة المركبة، التي تتجاوز الأمن والغاز لتلامس ملفات الوساطة السياسية والدبلوماسية الرمادية، وتعتبر قطر حجر الزاوية في منظومة العسكرية الأميركية في الشرق الأوسط، من خلال قاعدة "العديد" الجوية، وبالنظر إلى تحولات البيئة الأمنية في المنطقة، فإن إدارة ترمب تسعى إلى تجديد التفاهمات الدفاعية مع قطر، وتوسيع نطاق التعاون العسكري، ليس فقط على مستوى تمركز القوات، بل في المجالات المتقدمة كالذكاء الاصطناعي العسكري، الأمن السيبراني، ومن المتوقع أيضاً أن تشكل الزيارة فرصة لإعادة تفعيل الشراكة في قطاع الطاقة، ضمن رؤية تستهدف تنسيق استراتيجيات تصدير الغاز لمواجهة الهيمنة الروسية في أوروبا، وجذب الاستثمارات القطرية في قطاع الطاقة الأميركي، خصوصًا في مشروعات الغاز الطبيعي والبنية التحتية، والاستفادة من الخبرة القطرية في إدارة شبكات الإمداد الغازي المتطورة.
وفي الإمارات، توظف الزيارة لتكريس نموذج الشراكة متعددة الأبعاد، التي تعتمد على تداخل الاستثمارات، والصناعات الدفاعية، والنفوذ في إفريقيا، مع أجندة تحقيق السلام والاستقرار الإقليمي، وتسعى إدارة ترمب، عبر الزيارة إلى تعزيز تدفق الاستثمارات الإماراتية نحو القطاعات الأميركية الحيوية، خاصة التكنولوجيا المتقدمة، الطاقة، والفضاء، والذكاء الاصطناعي، والأمن السيبراني، بالإضافة إلى دعم الولايات المتحدة للمشاريع الإماراتية في الأسواق الناشئة، خصوصًا في إفريقيا ودول جنوب شرق آسيا، من خلال شراكات ثلاثية تعرقل النفوذ الصيني في هذه الدول، وفي مارس الماضي، أعلن البيت الأبيض أن الإمارات تعتزم استثمار 1.4 تريليون دولار في البنية التحتية للذكاء الاصطناعي، وأشباه الموصلات، والتصنيع، وإنتاج الغاز الطبيعي في الولايات المتحدة على مدى العقد المقبل.
الاستثمارات الخليجية الأميركية تركز على الدفاع والطاقة والتكنولوجيا الفائقة
التحضير للزيارة
من أجل التحضير للزيارة المرتقبة، زار واشنطن في 21 أبريل 2025، كلاً من: وزير المالية السعودي محمد الجدعان، ورئيس الوزراء القطري محمد آل ثاني، والملياردير الإماراتي حسين سجواني، وشارك وزير المالية السعودي، في اجتماع الطاولة المستديرة بغرفة التجارة الأميركية، بحضور سفيرة المملكة لدى الولايات المتحدة الأميرة ريما بنت بندر، وناقش الاجتماع فرص تعزيز الشراكة الاقتصادية بين السعودية والولايات المتحدة، بالإضافة إلى الفرص الاستثمارية في ظل رؤية 2030.
اقتصادياً، وضمن الأعمال التحضيرية للزيارة، زار وزير الطاقة الأميركي كريس رايت، السعودية في أبريل الماضي، وصرح للصحفيين بأن طلب الرياض الحصول على دعم الولايات المتحدة للمساعدة في فحص وإنشاء برنامج للطاقة النووية للمملكة لا يزال على المسار الصحيح، وأكد وزير الطاقة الأميركي بأن الرياض وواشنطن سيوقعان مذكرة تفاهم في وقت لاحق من هذا العام بموجب المادة 123 من قانون عام 1954 الذي ينظم الدعم الأميركي لبرامج الطاقة النووية الأجنبية.
في ذات السياق، استبق الزيارة حدثين مهمين، الأول، إطلاق مؤسسة ترمب، الملوكة لأسرة الرئيس الأميركي، مشروع فندق وبرج ترمب الدولي في دبي، بالتعاون مع شركة دار جلوبال السعودية، والحدث الثاني هو إعلان وزارة الخارجية الأميركية، يوم الجمعة، أنها وافقت على بيع صواريخ جو-جو متوسطة المدى، للسعودية بقيمة 3.5 مليارات دولار، وأفادت وزارة الدفاع الأميركية في بيان أن: "هذه الصفقة المقترحة ستدعم أهداف السياسة الخارجية وأهداف الأمن القومي للولايات المتحدة من خلال تحسين أمن دولة شريكة تساهم في الاستقرار السياسي والتقدم الاقتصادي في منطقة الخليج".
السعودية ثاني زيارة خارجية لترمب
لولا وفاة البابا فرنسيس بابا الفاتيكان، وذهاب ترمب لحضور مراسم جنازته، لكانت السعودية أولى زيارات ترمب الخارجية، كما كانت الأولى خلال ولايته الأولى في عام 2017، وصرح ترمب للصحفيين عقب تنصيبه رئيساً للولايات المتحدة في يناير، عن اختياره المملكة لتكون أولى زياراته الخارجية، وفي 23 يناير 2025 أجرى الأمير محمد بن سلمان ولي العهد، اتصالا هاتفيا بالرئيس ترمب، مؤكداً رغبة المملكة في توسيع استثماراتها بنحو 600 مليار دولار في الولايات المتحدة خلال فترة رئاسة ترمب الحالية.
اعتزاز ترمب بالسعودية
يعكس اختيار ترمب المتكرر والمفضل للسعودية، خلال الولايتين الأولى والثانية، وجهة نظره الإيجابية للغاية عن المملكة وإيمانه بقدرته على تعزيز الاستثمارات السعودية في الاقتصاد الأميركي، ووصف ترمب زيارته الأولى إلى المملكة في مايو 2017، بأنها ناجحة للغاية، ليس فقط لأن خطابه في الرياض أمام رؤساء الدول العربية والسعودية لاقى استحسانًا، بل أيضًا لأنها أدت إلى توثيق العلاقات الأميركية السعودية، بما في ذلك زيارات لاحقة للأمير محمد بن سلمان ولي العهد، ومسؤولين سعوديين رفيعي المستوى إلى واشنطن، وفي مارس 2018، عرض ترمب، أمام الكاميرات، رسمًا بيانيًا كبيرًا يظهر حجم الاستثمارات السعودية الجديدة في الصناعات الدفاعية الأميركية، ليخبر الرأي العام الأميركي أن العلاقات الوثيقة مع الرياض تؤتي ثمارها.
ليس من المستغرب أن يكون أحد أول الخطابات الرئيسة لترمب بعد عودته إلى البيت الأبيض، في قمة مبادرة مستقبل الاستثمار السعودي في ميامي بولاية فلوريدا في 19 فبراير، والتي ضمت محافظ صندوق الاستثمارات العامة ياسر الرميان، حيث أخبر ترمب قادة الأعمال المجتمعين أن "السعودية مكان خاص ومميز بقادة مميزين، وأشكر ياسر الرميان، الجميع يعرفه، رجل عظيم"، وكان الأمير محمد بن سلمان ولي العهد، من أوائل القادة الذين هنأوا ترمب على إعادة انتخابه رئيساً للولايات المتحدة، وفي أوائل أبريل، أكد ترمب أنه سيعود إلى السعودية "لخلق فرص عمل هائلة" في الولايات المتحدة، في إشارة إلى وعود الاستثمار السعودية البالغة 600 مليار دولار، وفي 3 نوفمبر 2025، وعقب توقيعه أمراً تنفيذياً بإنشاء صندوق الثروة السيادي الأميركي، صرح ترمب بأن السعودية تمتلك صندوق ثروة سياديا ضخما، وأن الولايات المتحدة ستسعى لمواكبة هذا الصندوق من خلال صندوقها السيادي، وقال في إشارة إلى صندوق الاستثمارات العامة السعودي: "في النهاية، سنلحق به".
أهداف الزيارة
ذكر مسؤولون أميركيون، أن زيارة ترمب ستركز على القضايا الثنائية، وخاصة الاستثمارات ومبيعات الأسلحة والتعاون في مجال الذكاء الاصطناعي، وبشكل عام، فإن الزيارة تهدف إلى إعادة ترتيب أولويات السياسة الخارجية الأميركية، وفق منطق النفوذ والتوازن والمصالح المتبادلة، حيث تعتبر حدثاً استراتيجياً له أبعاد تتجاوز الطابع البروتوكولي، لتلامس عمق التحولات الجيوسياسية في الإقليم، في ظل تفاقم التحديات الأمنية، واشتداد التنافس الدولي على الخليج كمنطقة استراتيجية حيوية، وسيصل ترمب إلى الخليج في الوقت الذي تتفاوض فيه الولايات المتحدة على اتفاق نووي محتمل مع إيران، وتدعم دول المنطقة هذا الاتفاق وتأمل مواصلة الضغط من أجله.
بالإضافة إلى ذلك، تنطوي الزيارة على مجموعة من الأهداف السياسية والعسكرية والاقتصادية، التي تسعى من خلالها إدارة ترمب إلى إعادة تثبيت الحضور الأميركي في المنطقة، في الوقت الذي تتطلع فيه الدول الخليجية إلى استثمار الحضور الأميركي في ملفات الأمن، والتكنولوجيا، والتنمية، والطاقة، ومشروعات التحول الوطني.
دلالات التوقيت
تتزامن زيارة ترمب إلى دول الخليج مع لحظة تتسم بتعقيدات جيوسياسية بالغة، على المستويين الإقليمي والدولي، فبينما يشهد النظام الدولي موجة من التعددية القطبية غير المستقرة، تتزايد حالة السيولة في العلاقات الدولية، ويتسارع التنافس بين القوى الكبرى على النفوذ في مناطق الطاقة والعبور الاستراتيجي، وعلى رأسها منطقة الخليج، فالولايات المتحدة، التي تراجع حضورها نسبيًا في الشرق الأوسط خلال السنوات الماضية، لصالح الصين وروسيا، تعود اليوم بمقاربة أكثر واقعية، وأشد براغماتية، بهدف استعادة زمام المبادرة في الإقليم، ليس من منطلق التدخل المباشر، وإنما من منطلق "إعادة تعريف التحالفات" وفق معادلة تقوم على تبادل المصالح الصلبة، الأمن مقابل الاستثمارات، والتكنولوجيا مقابل الطاقة، ومن هنا، فإن الزيارة تُعد اختبارًا فعليًا لقدرة ترمب على تجديد العقد الاستراتيجي الأميركي-الخليجي.
الخليج كأولوية متجددة
رغم الخطاب الذي ساد في العقد الأخير عن "انسحاب أميركي تدريجي من الشرق الأوسط"، إلا أن معادلات الواقع الاستراتيجي كشفت حدود هذا الانسحاب، فموقع دول الخليج الحيوي كمنطقة عبور للطاقة، وكمحور توازن في الصراع مع إيران، وكمجال مفتوح للمنافسة الصينية- الروسية، يجعل من هذه المنطقة أولوية استراتيجية لا يمكن التفريط بها.
ولذلك، تأتي زيارة ترمب في إطار، إعادة التموضع العسكري المرن، وذلك عبر مراجعة تموضع القواعد الأميركية في الخليج وتحديث اتفاقيات الدفاع المشترك، بالإضافة إلى ضمان استمرار تدفق النفط بأسعار معقولة تدعم النمو الأميركي.
تحالف الرياض واشنطن
البعد الاستثماري: من بين أبرز أهداف زيارة الرئيس الأميركي دونالد ترمب إلى السعودية، الدفع باتجاه تحول استراتيجي في طبيعة العلاقة الاقتصادية بين الرياض وواشنطن، حيث يقوم هذا التحول على نقل مركز الثقل من نموذج "النفط مقابل الأمن"، الذي ساد لعقود، إلى نموذج جديد أكثر تعقيدًا وتداخلًا، عنوانه الأبرز: "الاستثمارات الخليجية مقابل التمكين السياسي والتكنولوجي والعسكري".
تحوّل بنية العلاقات الاقتصادية السعودية الأميركية يعكس هيكلةً شاملةً لتحالف تقليدي
في هذا السياق، يسعى ترمب إلى اجتذاب استثمارات سعودية بمليارات الدولارات خلال السنوات القادمة، في قطاعات حيوية تشمل: التكنولوجيا المتقدمة، الذكاء الاصطناعي، البنية التحتية، الصناعات الدفاعية، والطاقة النظيفة، ويُعد هذا التوجه امتدادًا لرؤية ترمب في إعادة تنشيط الاقتصاد الأميركي من خلال رؤوس الأموال الأجنبية، وبخاصة من دول الخليج ذات الفوائض المالية الكبيرة.
وبينما تعكس هذه الرؤية الأميركية توجهًا براغماتيًا لتعويض الإنفاق الداخلي وتقليص العجز في الميزانية الفيدرالية، فإنها تتلاقى أيضاً مع المصالح السعودية في إطار رؤية المملكة 2030، والتي تهدف إلى تعظيم النفوذ الاقتصادي السعودي في الأسواق العالمية، واكتساب حصة أوسع في صناعة القرار المالي والتكنولوجي الدولي، وبالتالي، فإن زيارة ترمب تعد منصة تفاوضية رفيعة المستوى لعقد حزم من الاتفاقيات الكبرى، قد تشمل على سبيل المثال، استثمارات سعودية في شركات أميركية مثل تسلا، وأمازون، وإنتل، وجنرال إليكتريك، بما يحقق للولايات المتحدة تدفقات مالية هائلة واستثمارات استراتيجية، وفي الوقت نفسه، يضمن للسعودية مقعدًا أكثر تقدمًا في سلاسل القيمة العالمية.
يعكس هذا التحول في بنية العلاقات الاقتصادية بين البلدين إعادة هيكلة شاملة لتحالف تقليدي، يطمح لأن يتحول إلى شراكة مالية واستراتيجية متعددة الأبعاد، تقوم على التوازن في المصالح والتأثير، دون المساس بالبُعد الأمني والعسكري، الذي لا يزال يحتفظ بدوره كمحور جوهري في هندسة العلاقات السعودية - الأميركية، ومن المرجح أن يكون هناك اتفاق كبير في بعض المجالات، ولكن بالتأكيد ليس في جميعها، وعلى سبيل المثال، فإن ترمب سيحاول استقطاب الاستثمارات الخليجية الموجهة للصين إلى الولايات المتحدة، والاصطفاف مع واشنطن ضد بكين في الحرب التجارية الراهنة، إلا أن السعودية ودول الخليج تربطهم علاقات جيدة بالصين، ومن المرجح أنهم سيحافظون على توازن العلاقات بدلاً من الانحياز إلى طرف دون آخر، حيث يعتمد مجلس التعاون الخليجي على واشنطن في الأمن، بينما يعتمد على بكين في التجارة.
الاستثمارات السعودية في أميركا
في عام 2024، بلغت ⁠واردات المملكة من أميركا 72.5 مليار ریال، أما صادرات المملكة الى أميركا فوصلت إلى 47.8 مليار ریال، بمعنى أن الميزان التجاري يميل لصالح الولايات المتحدة، وفي أواخر يناير 2025، صرح وزير المالية محمد الجدعان خلال المنتدى الاقتصادي العالمي في دافوس بسويسرا، بأن "السعودية لديها استثمارات تفوق 770 مليار دولار في الولايات المتحدة"، وقد بلغ إجمالي الأصول الأجنبية للمملكة قرابة 1.5 تريليون دولار بنهاية الربع الثالث من عام 2024، وبالتالي، يشير الرقم الذي أعلنه وزير المالية، البالغ 770 مليار دولار، إلى أن حوالي نصف الأصول الأجنبية للسعودية مستثمرة في الولايات المتحدة، وهذا أمر منطقي، بالنظر إلى الصلة الوثيقة بين الاقتصادين الأميركي والسعودي.
تحتل السعودية المرتبة 17 بين أكبر حائزي سندات الخزانة الأميركية، حيث دأبت الولايات المتحدة على الاعتماد عليها تاريخيًا في شراء السندات، ورغم انخفاض حيازة السعودية من السندات في فبراير 2025، مسجلة انخفاض بنحو 500 مليون دولار مقارنة بشهر يناير، إلا أنها حيازات فبراير وصلت إلى 126.4 مليار دولار، ومن المرجح أن تزداد مشتريات السعودية من السلع والخدمات الأميركية خلال السنوات الأربع المقبلة، مع سعي المملكة المستمر لتنويع اقتصادها وتعزيز قدراتها العسكرية، وستجد الشركات الأميركية سوقًا متنامية في السعودية في قطاعات الدفاع، والتكنولوجيا، والبناء، والمالية، والسياحة والترفيه، والصحة، والتعليم.
رسائل مطمئنة للصين
بخصوص الصين، التي تخوض حرباً تجارية طاحنة مع الولايات المتحدة، فإن السعودية تطبق سياسة متوازنة لا تنحاز لطرف دون طرف إلا بقدر ما يحقق مصالحها، وتحقق المملكة فوائد كبيرة من استثماراتها مع الصين، التي تعد أحد أكبر زبائن الخام السعودي في آسيا، والمملكة، مثلها مثل دول الخليج، تريد تأمين رهاناتها وتنويع اقتصادها بعيداً عن الاعتماد على الولايات المتحدة، وألا تضع كل بيضها في سلة واحدة، وفي الأسبوع الماضي كان هناك عدة رسائل سعودية مطمئنة للصين قبل زيارة الرئيس الأميركي.
* يوم الاثنين، 28 أبريل أعلنت شركة سينوبك الصينية العملاقة للنفط المملوكة للدولة عن اتفاق مع نظيرتها السعودية أرامكو لتأسيس مشروع مشترك برأس مال مسجل قدره 28.8 مليار يوان (3.95 مليارات دولار)، وستسهم سينوبك وشركتها التابعة بمبلغ 7.2 مليارات يوان (987 مليون دولار) و14.4 مليار يوان (1.97 مليار دولار) نقدًا على التوالي، بينما ستسهم شركة أرامكو السعودية بنسبة 25 % المتبقية من رأس المال.
* يوم الأربعاء 30 أبريل، منحت السعودية مشروعًا صينيًا مشتركًا آخر عقدًا بقيمة 4.225 مليارات ريال (1.13 مليار دولار) لنقل مرافق ومكاتب إدارة جامعة الملك سعود بالرياض إلى الدرعية، وقد أرست شركة الدرعية العقد على تحالف مشترك يضم فرع الشركة الصينية لإنشاءات السكك الحديدية السعودية المحدودة، ومجموعة الصين لبناء السكك الحديدية، وشركة البناء البسيط المركزية المحدودة.
ملف الطاقة
تحتل موضوعات النفط والغاز حيزًا محوريًا في زيارة ترمب إلى السعودية، خاصة في ظل سعي إدارته إلى خفض أسعار النفط العالمية، بما يخفف من حدة التضخم في الداخل الأميركي، ويمنح واشنطن ورقة ضغط في مواجهتها مع روسيا وإيران، من هذا المنطلق، تريد واشنطن من السعودية زيادة إنتاج النفط، وهو ما يعني عمليًا تخفيض الأسعار عالميًا.
تدرك السعودية أهمية استخدام ورقة النفط كأداة تفاوضية مع واشنطن، بما يضمن مصالحها الأوسع في ملفات أخرى، وبالفعل، اتفقت 8 دول من تحالف "أوبك+"، السبت، بقيادة السعودية على زيادة إنتاج النفط بمقدار 411 ألف برميل يوميًا خلال شهر يونيو القادم، وبالمقابل، تأمل الرياض أن يؤدي تجاوبها مع واشنطن في هذا الملف الحيوي إلى تحقيق مكاسب استراتيجية، تشمل الدعم الأميركي في مشاريع الطاقة المتجددة.
الأمن والدفاع
منذ عقود، يعد التحالف العسكري بين السعودية والولايات المتحدة حجر الزاوية في العلاقات الثنائية، واليوم، مع تصاعد التهديدات الإقليمية، تسعى الرياض إلى تعزيز التعاون العسكري النوعي مع الولايات المتحدة، لا سيما في مجال الدفاعات الجوية والتكنولوجيا السيبرانية، ومن أبرز الملفات المطروحة في هذا السياق، إحياء مشروع منظومة "ثاد" الدفاعية (Terminal High Altitude Area Defense)، كما تسعى السعودية إلى الحصول على دعم أميركي تقني في مجالات الطائرات بدون طيار، والمراقبة الفضائية، والقدرات السيبرانية، بما يواكب طبيعة التهديدات الجديدة التي باتت هجينة ومتعددة الأبعاد، وذكرت، وكالة "رويترز"، أن الولايات المتحدة تعرض على المملكة صفقات أسلحة تتجاوز قيمتها 100 مليار دولار، وإذا وافقت السعودية على الصفقة، فسيتم الإعلان عنها خلال زيارة ترمب إلى الرياض.
الملف النووي الإيراني
تدرك السعودية أن الملف الإيراني سيكون حاضرًا بقوة على أجندة ترمب، خاصة في ظل محاولات عقد اتفاق بين واشنطن وطهران بخصوص المشروع النووي، وقد لعبت السعودية دورًا غير مباشر في تخفيف التوترات بين الولايات المتحدة وإيران، ففي 17 أبريل، سافر وزير الدفاع الأمير خالد بن سلمان إلى طهران، حيث عقد اجتماعات مهمة مع المسؤولين الإيرانيين، وقد أعطت هذه الزيارة التي جاءت في وقت قريب من بدء المحادثات الأميركية الإيرانية انطباعاً بأن السعودية تدعم هذه المحادثات، وتعتبر زيارة ترمب فرصة لإعادة بناء جدار ردع إقليمي، عبر تأكيد التزام واشنطن بمنع إيران من امتلاك سلاح نووي، وتوسيع العقوبات عليها، واحتواء نفوذها المثير للقلائل في العديد من الدول العربية.
الملف السوري
بالنسبة لدول الخليج، تمثل زيارة ترمب فرصة مميزة لإقناعه باتباع نهج مختلف تجاه سورية ما بعد الأسد، وبينما لا يزال البيت الأبيض يبدي شكوكه تجاه الحكومة السورية الناشئة، والرئيس أحمد الشرع، تقف جميع دول مجلس التعاون الخليجي الست إلى جوار الأشقاء في سورية، وترغب في ضخ استثمارات، ومساعدة هذا البلد الذي مزقته الحرب على المضي قدمًا في إعادة إعماره وتنميته، لكن استمرار واشنطن في فرض عقوبات قانون قيصر، الذي يعود إلى عهد الأسد، لا يزال يُمثل العقبة الأكبر.
تبقى آمال الشعوب العربية معقودة على أن تؤدي زيارة ترمب المرتقبة إلى السعودية ومباحثاته في المنطقة إلى تغيير في سياسة العقوبات الأميركية تجاه سورية، وأياً ما كان الأمر، فإن إدارة ترمب ستواصل اعتبار دول مجلس التعاون الخليجي شركاء مهيمنين في إدارة الوضع في سورية ما بعد الأسد، وقطع دابر النفوذ الإيراني والميليشيات العراقية الموالية لإيران، في الوقتٍ نفسه، يتوافق هذا التوجه مع رغبة البيت الأبيض في تقليص الوجود العسكري الأميركي في الخارج، وخلال الفترة الماضية، تحدث مسؤولون أمنيون أميركيون لوسائل الإعلام عن بدء انسحاب القوات الأميركية من سورية خلال شهرين، وهذا الأمر ليس مفاجئاً، حيث أعلن الرئيس ترمب منذ تنصيبه عن نيته سحب القوات الأميركية من المنطقة.
ملف غزة
من المتوقع أن يكون ملف إبادة الفلسطينيين في غزة، والخطة العربية لإعادة الإعمار، حاضرًا في الزيارة، والموقف السعودي واضح في هذا الاتجاه، حيث ترفض المملكة تهجير الفلسطينيين، لهذا، من المرجح أن تستثمر علاقتها مع واشنطن للضغط على إسرائيل لوقف الحرب وتقديم المساعدات والتسهيلات الإنسانية للمدنيين، وقد أكد مجلس الوزراء السعودي، برئاسة ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، في 11 فبراير 2025، في بيان على مركزية القضية الفلسطينية لدى السعودية، وشدد على أن السلام الدائم لن يتحقق إلا بقبول مبدأ التعايش السلمي عبر حل الدولتين.
ومن المرجح أن يتم خلال الزيارة مناقشة دور السعودية في محادثات وقف إطلاق النار بين روسيا وأوكرانيا، وأن يعرب الرئيس الأميركي عن امتنانه للسعودية على استضافتها المحادثات حول النزاع الأوكراني بين مسؤولين من واشنطن وموسكو في 18 نوفمبر 2025، وستكون رحلة ترمب إلى المملكة فرصة له لشكر السعودية شخصياً على استضافتها المحادثات، وقد عزز هذا الدور الوسيط من مكانة الرياض على الساحة العالمية، كصانع سلام موثوق يتمتع بسياسة خارجية متوازنة.
وحتى نفهم أهمية الدور السعودي في تلك المفاوضات وتأثيره العالمي، فإن المملكة التي تبعد 2000 ميل (3218 كيلومتر) عن أوكرانيا، أي645 ساعة مشي، برزت كوسيط رئيس في أخطر مفاوضات وقف إطلاق النار منذ غزو روسيا لجارتها قبل ثلاث سنوات، وهذه الوساطة السعودية تجسد الدور الدبلوماسي المتنامي للمملكة، وبناء على ذلك، تتصدر الدبلوماسية السعودية في العديد من القضايا الإقليمية الملحة، بما في ذلك الصراعات في غزة والسودان ودعم الدولة السورية الجديدة، وفيما يتعلق بالحرب في أوكرانيا، فإن الدور الوسيط الذي تلعبه السعودية مدعوم بكونها دولة محايدة في الصراع، فقد حافظت المملكة على علاقات عمل وثيقة مع روسيا وأوكرانيا منذ اندلاع الحرب.
السعودية منصة للدبلوماسية
مع وصوله للبيت الأبيض، عبر ترمب عن رغبته في أن يُنظر إليه كصانع صفقات وصانع سلام، لكنه يحتاج إلى مكان محايد يزدهر فيه العمل الدبلوماسي الجاد، والسعودية هي الاختيار الدبلوماسي المفضل لترمب، فبعد أسابيع فقط من تولي الإدارة الأميركية الجديدة السلطة، استضافت الرياض أول اجتماع بين وزير خارجية أميركي ووزير خارجية روسي منذ الغزو الروسي لأوكرانيا في عام 2022، وقد رسخت جولتا الحوار في الرياض، الأولى مع روسيا، والثانية مع أوكرانيا، مكانة السعودية في العملية الدبلوماسية، وأسهمت في تحسين صورتها الذهنية في الإعلام الغربي، في الواقع، والواقع، أن تواصل المسؤولين السعوديون مع المسؤولين الأميركيين بشأن أوكرانيا يعتبر مقدمة لمزيد من التعاون الدبلوماسي، مما يرسخ مكانة المملكة كشريك لا غنى عنه في نظر ترمب.
في ذات السياق، وفي 13 فبراير الماضي، رشح ترمب السعودية لاستضافة قمة للسلام مع نظيره الروسي، فلاديمير بوتين، وفي الماضي، عقد الرؤساء الأميركيون محادثات مع نظرائهم الروس في جنيف، وهلسنكي، وبراغ، وفيينا، وبراتيسلافا، وكلها في أوروبا، وخلال الحرب الروسية الأوكرانية، حافظت المملكة على موقف محايد، وتوقفت عن انتقاد موسكو أو الانضمام إلى الغرب في تطبيق العقوبات، ويتمتع ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، بعلاقات جيدة للغاية مع الرئيسين ترمب وبوتين، لهذا، قال ترمب: "نحن نعرف ولي العهد، وأعتقد أن السعودية ستكون مكانا جيدا للغاية للذهاب إليه".

انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.




أخبار متعلقة :