اليوم الجديد

مع الشروق : ... ولكن في الهزيمة كالغزال !!

نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
مع الشروق : ... ولكن في الهزيمة كالغزال !!, اليوم الثلاثاء 15 أبريل 2025 10:52 مساءً

مع الشروق : ... ولكن في الهزيمة كالغزال !!

نشر في الشروق يوم 15 - 04 - 2025


قديما قال شاعرنا العربي الكبير ابن سودون المصري (1407 1463 بالقاهرة) بيتا خالدا جاء في سياق قصيدة حماسية رائعة، جاء فيها:
«وفي الهيجاء ما جرّبت نفسي * ولكن في الهزيمة كالغزال»
وهي قصيدة أرادها تشهيرا بالتخاذل وبالقعود عن القتال ذودا عن حياض العشيرة ودفاعا عن الحقوق وعن الشرف.. ويبدو أن الكثير من القادة العرب قد فهموا هذا القصيد الرائع وهذا البيت الجميل على عكس مقاصد الشاعر، هذا ان كان بينهم أصلا من قرأ هذا القصيد أو سمع بهذا الشاعر... فقد اعتبروا هذا البيت دعوة الى الهروب من ساحات الوغى، ودعوة الى التخاذل والقعود عن محاربة الأعداء ودعوة الى الانسحاب من ساحات النزال حين يشتد الوغى وتتكسّر النصال على النصال.. لذلك نجدهم لا يتخلّفون فقط عن نصرة اخوانهم في قطاع غزّة المحاصر والمدمّر والمجوّع والذي أصبح ساحة للإبادة الجماعية وعنوانا للقتل وللجريمة الصهيونية.. ولا يتخاذلون فقط عن نجدة اخوانهم ومساعدتهم على الصمود في وجه تتار ومغول العصر الحديث.. بل على العكس من كل هذا نجدهم ينصرون عليهم عدوّهم ويمدّونه بأسباب استكمال جريمته من الامداد بالمؤن والأغذية والخضر إلى التزويد بالأسلحة وبالطيّارين للمساهمة في تسوية القطاع بالأرض علاوة على فتح خزائن أموالهم لمساعدة بني صهيون على استكمال مهمّتهم القذرة في إبادة وترويع سكان القطاع ودفعهم دفعا إلى الهجرة إلى الصحراء المصرية وإلى الأردن وإلى أي مكان ليسلموا مفاتيح القطاع إلى الرئيس الأمريكي ترامب لإقامة مشروعه الاستثماري الكبير.
هؤلاء العرب لا يقاتلون ويكيدون لمن يقاتل.. هؤلاء العرب يهربون من ساحات النزال دفاعا عن الشرف العربي وعن الأرض وعن الحقوق الفلسطينية ويطعنون في الظهر من يقاتل ويصمد ويذيق الصهاينة كأس الهزيمة والانكسار في ساحات المعركة . هؤلاء العرب لا يعادون عدو أمتهم ومستبيح حقوقهم ويطعنون في الظهر من يقاتله ويدفع ضريبة الدم دفاعا عن الأمة وعن شرف الأمة.. لكأن الشاعر بن سودون المصري قد قال قصيدته الشهيرة في عرب هذا الزمان الذين لا يكتفون بالتخاذل ولا يقبلون بالهزيمة فقط.. بل ويتجرّؤون على طعن المقاومين في الظهر.. مصرّين بذلك على استعراض مهاراتهم في الانكسار وفي الهرب من ساحات القتال كالغزلان وفق الصورة التي رسمها شاعرنا العربي الكبير قبل قرون.
آخر ما جادت به قريحة هؤلاء أو ما وافقوا عليه الصهاينة والأمريكان تضمّنته الورقة الأخيرة التي قدمها الجانب المصري إلى حركة «حماس» في قالب مبادرة جديدة للتوصل إلى تهدئة وتبادل للأسرى وإدخال المساعدات. والمقترح تضمّن مخاتلة عظمى تسير في سياق قصيدة ابن سودون لأنها تمكّن هؤلاء العرب من الهرب من ساحة الوغى كالغزلان.. حيث تضمّنت الورقة مقايضة رخيصة لهذه التهدئة بنزع سلاح المقاومة. وهو الهدف الذي عجز الصهاينة عن تحقيقه بالقوة المفرطة والثمن الذي تطلبه الادارة الأمريكية مقابلا للتهدئة ووقف القتال. أما الدماء الفلسطينية الطاهرة الزكية التي سالت دفاعا عن الأرض.. وأما الأرواح التي أزهقت ذودا عن شرف الوطن والأمة العربية.. وأما معاناة ملايين البشر وعذابات شعب بأسره مشتّت بين قهر الاحتلال وذل المنافي.. وأما الحقوق الكونية وفي طليعتها حقّ الشعوب في النضال والكفاح المسلّح من أجل استرداد حريتها وحقوقها فكل ذلك لم يعد موجودا في قواميس بعض العرب تماما كما أنه غير موجود في قاموس الصهاينة وحلفائهم الأمريكان.
لم تعد العقدة في الاحتلال الصهيوني وفي الغطرسة الصهيونية وفي الانحياز الأمريكي الأعمى. ولم تعد العقدة في جرائم الابادة الجماعية التي تقترف على مرآى ومسمع الجميع. ولم تعد العقدة في شرعية دولية تداس تحت جنازير الدبابات ولا في قانون دولي تدكه الصواريخ والقنابل وتسوّيه بالتراب.. بل أصبحت العقدة في سلاح من يقاوم الاحتلال. في سلاح من يصرخ ليقول لا لاستعباد البشر ومصادرة الحقوق وفي طليعتها الحق في الحياة. العقدة لم تعد في المحتل بل في سلاح الخاضع للاحتلال. لذلك نجد الصهاينة والأمريكان يلوذون بكل الألاعيب والبهلوانيات وينخرط مع عرب التخاذل في التآمر على سلاح المقاومة سواء في غزّة أو في جنوب لبنان وكأنما كان الإشكال في سلاح المقاومة الاسلامية في غزة، وفي سلاح حزب الله في جنوب لبنان وليس في الاحتلال الصهيوني الذي يمضي في تنفيذ مخطط إقامة ما يسمى إسرائيل الكبرى الذي سيشمل أجزاء كبيرة من لبنان والأردن وسوريا والعراق ومصر والسعودية إضافة الى الضفة والقطاع.
ألا يعلم الساعون الى تمرير مؤامرة نزع سلاح حماس وحزب الله أنهم يطلقون الرصاص على أقدامهم في واقع الحال لأن المقاومة تقاوم نيابة عنهم ولأن مخططات الصهاينة تشمل السيطرة على أجزاء هامة من أرضهم.. فإن لم يكونوا مع المقاومة فكيف لا يكونون مع أنفسهم على الأقل؟ أم تراهم يصرّون على أن تتجسّد فيهم قصيدة ابن سودون وهم في «الهزيمة كالغزال»؟!
عبد الحميد الرياحي

انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.




أخبار متعلقة :