حين ماتت الإنسانية في حضن «العالم المتحضّر»

سعورس 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ

نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
حين ماتت الإنسانية في حضن «العالم المتحضّر», اليوم الأربعاء 28 مايو 2025 02:57 صباحاً

حين ماتت الإنسانية في حضن «العالم المتحضّر»

نشر بوساطة طلحة الأنصاري في الرياض يوم 28 - 05 - 2025

2134341
في مشهد تختنق فيه الكلمات، وتتهاوى فيه كل تفسيرات العدل والإنسانية؛ وقفت آلاء النجار، وهي تضم بين ذراعيها أجسادًا صغيرة ملفوفة بالأكفان، لم يكن هذا مشهدًا من رواية مفجعة أو مشهدًا سينمائيًا يستدر الدموع، بل كان واقعًا حقيقيًا، جرى في أحد مشافي غزة، حيث ودّعت أمٌ مكلومة أطفالها التسعة الذين سقطوا ضحايا قصف إسرائيلي دمّر بيتها فوق رؤوسهم. احتضنت آلاء أجساد أبنائها كأنها تحاول إحياءهم بالحب أو استرداد لحظة أخيرة من الزمن الجميل الذي سرقه الموت.. غاب الصراخ وكان الصمت أشد قسوة من كل الأصوات، صمت الأم الثكلى، وصمت العالم المتحضر الذي يدّعي الدفاع عن حقوق الإنسان.
كانت هذه اللحظة كفيلة بأن تُخلّد في الذاكرة الجمعية للبشرية، لا بوصفها مأساة فحسب، بل كدليل دامغ على الانهيار الأخلاقي للمجتمع الدولي الذي اختار أن يغلق عينيه عن العدوان، فالذي قصف أطفال آلاء النجار ليس فقط الطائرات الإسرائيلية، بل أيضًا صمت العواصم الغربية، وميوعة مواقف الأمم التي لم تعد تُحرّكها دماء الأبرياء.
لقد وُلد الأطفال التسعة في حضن أمٍ صابرة، وقضوا شهداء في الحضن ذاته، كانت تحلم لهم بمستقبل مليء بالفرح، والتعليم، والنجاح، لكنها بعد اليوم ستزورهم في مقابر جماعية! تحت تراب لم يبرد بعد من لهب الحرب، متسائلة: من منهم كان يشكل "تهديدًا أمنيًا"؟ من منهم كان مسلحًا؟ أي ذريعة يمكن أن تبرر تحويل منازل الآمنين إلى ركام؟ وقفت آلاء باكية، لا تسندها سوى جدران المستشفى الباردة، نظرتها تقول ما عجزت عنه المنظمات الحقوقية، ودموعها تحمل من الاتهامات ما لا تحمله تقارير لجان التحقيق، من خلفها، يرقد أطفالها بسلامٍ لم يعرفوه في حياتهم القصيرة، فقد عاشوا في حصار، وماتوا تحت القصف، وودّعوا عالمًا لم يمنحهم سوى الخوف.
وما يزيد الفاجعة قسوة، هو أن هؤلاء الأطفال كانوا حتى لحظاتهم الأخيرة ينتمون إلى عالم الطفولة، يلهون، ويضحكون في حضن أمهم، لم يكن بينهم من يعرف معنى الاحتلال، ولا من أدرك سياسات التهجير والاستيطان، كانوا فقط "أطفالًا"، لكنهم أصبحوا في نظر آلة الحرب أرقامًا قابلة للطمس والتفاوض!
لقد قالت الفاجعة كلمتها: إن موت آلاء النجار تسعة مرات هو عارٌ أخلاقي على جبين العالم، فحين تُباد عائلة كاملة، ويصمت المجتمع الدولي، فإن الحديث عن القانون الدولي وحقوق الإنسان يصبح مجرّد لغوٍ مفرغ من المضمون.
كل ما فعلته آلاء هو أنها وُلدت في غزة، وكل ما فعله أطفالها أنهم حلموا بالحياة، لكن يبدو أن الحلم ذاته صار جريمة في ظل الاحتلال، وأن الأمومة تحوّلت إلى عار في حضرة الجغرافيا المغتصبة.
هذه ليست قصة موت فقط، بل قصة حياة خذلتها الضمائر، إن مشهد آلاء النجار وهي تضم فلذات أكبادها الميتة، يجب أن يُعرض في قاعات الأمم المتحدة، لا بوصفه دليل إدانة للاحتلال فحسب، بل كمرآة لانهيار القيم الغربية التي لم تجد في كل هذا الألم سببًا لوقف القتل.
الرياض - طلحة الأنصاري

انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.




إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق