نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
المملكة وتحديات المنطقة العربية, اليوم الأحد 13 أبريل 2025 01:28 صباحاً
نشر بوساطة تركي فيصل الرشيد في الرياض يوم 13 - 04 - 2025
تموج المنطقة العربية هذه الآونة بأحداث وتحديات كبرى قد تكون غير مسبوقة، إذ يقف العالم العربي عند مفترق طرق، تبرز خلاله المملكة العربية السعودية كفاعل رئيسي وصانعة سلام في مواجهة هذه التحديات التي تحيط بالمنطقة، ما بين خطط التهجير الجارية في غزة بالتزامن مع تفاقم الأزمة الإنسانية بها وصم الآلة العسكرية الإسرائيلية أُذنيها عن الاستماع لدعوات العودة إلى اتفاق الهدنة داخل القطاع، والضربات الاسرائيلية المتلاحقة على بلدين عربيين هما لبنان وسورية، إضافة إلى الملف الإيراني وما يشكله من خطورة على المنطقة، وفوق ذلك كله جاءت التعريفات والرسوم الجمركية التي فرضها ترمب على الواردات إلى السوق الأميركي من مختلف دول العالم ما شكّل قنبلة نووية اقتصادية وضربة قاسية للتجارة الحرة والعولمة والتي ستمس المواطن العربي بشكل مباشر، لما لهذه الحرب التجارية من تأثير سلبي على النمو الاقتصادي للدول العربية، ولكون كثير من الدول العربية ترتبط عملاتها بالدولار، وكثير منهم شركاء تجاريون رئيسيون للولايات المتحدة.
لحظات استثنائية
وبذلك فالمنطقة العربية الآن تعيش لحظات استثنائية يحتاج تجاوزها بسلام إلى معجزة حقيقية، فإسرائيل الآن في معرض تنفيذ عمليات شاملة على عدة جبهات، وترى أن هذه فرصتها التي لن تُعوض للقضاء على كل المحاور التي تشكل تهديداً لها، فهي تضرب الآن في عدة دول عربية في التوقيت نفسه ما بين غزة والضفة ولبنان وسورية غير مبالية بقانون دولي أو إعلام ينتقدها، وقد تكلم نتنياهو مراراً عن المرحلة المقبلة ويحلم باستمرار هذه الحرب وعدم توقفها، كون وقفها يضر به شخصياً في الداخل الإسرائيلي، ويستغل في ذلك التأييد المطلق من الرئيس الأميركي دونالد ترمب الذي تحدث عن فتح "أبواب الجحيم" في الشرق الأوسط، وتلا ذلك تسليم الولايات المتحدة لإسرائيل مزيدًا من السلاح ومنظومات الدفاع الجوي مؤخراً وتحريك القطع البحرية الأميركية لتتواجد بكثافة في المنطقة مع تكثيف أعداد عسكرييها، وقبل أكثر من أسبوع صرح ترمب لشبكة (إن بي سي) أنه إذا لم تتوصل إيران لاتفاق معهم فإنها ستتعرض لقصف لا مثيل له، ثم صرح الاثنين الماضي خلال لقائه نتنياهو بالبيت الأبيض أنه تجري محادثات على أعلى المستويات مع إيران وستستكمل خلال أقل من أسبوع وأنه إذا لم تنجح المحادثات مع إيران فستكون في خطر كبير.
المملكة تعلن بوضوح موقفها الرافض لتهجير أهالي غزة وأن تطبيعها مع «إسرائيل» لن يكون قبل إقامة دولة فلسطينية مستقلة
ولا تقتصر تحديات المنطقة على هذه التحديات الخارجية المنذرة بتوترات قد تعم المنطقة بأسرها ما لم يتدخل عقلاء لوأدها، بل هناك التحديات الداخلية لدولنا العربية والناتجة أيضاً عن رسوم ترمب الجمركية وحروبه التجارية وما يبشر به الاقتصاديون من دخول العالم في مرحلة ركود اقتصادي عالمي جراء التعريفات الجمركية الأميركية والحرب التجارية المشتعلة بين أميركا ترمب والعالم أجمع، فما يفعله جنون، وهو كمن يهدم المعبد على الجميع وعلى رأسهم مواطنوه، وجميعنا تابع حالة الفوضى والهلع التي انتابت الأسواق العالمية والتي تهدد بتقويض ثقة الشركات وإبطاء النمو العالمي، بما اعتُبر نهاية عصر طويل من تحرير التجارة وتخلي أميركا عن دورها كداعم للتعاون الاقتصادي العالمي، والمرجح أن يتزايد هذا التأثير السلبي جراء الرد بالمثل المنتظر من الأطراف الأخرى في مستقبل الأيام, خاصة الصين التي واصلت تحدي ترمب ورفعت الجمارك على الولايات المتحدة بنسبة 84 %، بعد ساعات من زيادة ترمب الجمارك عليها إلى 104 % ودخولها حيز التنفيذ، وما سيستتبع ذلك من تضخم وبطالة وارتفاع كبير في أسعار السلع الأساسية قد لا تتحمله العديد من دول المنطقة، فضلاً عن التهديد المباشر لذلك على المشاريع التنموية لدول المنطقة.
وعلى الرغم مما شهدته السوق السعودية من تأثر خلال الايام القليلة الماضية جراء هذه الإجراءات الأميركية غير المسبوقة شأنها شأن الأسواق العالمية كافة إلا أن المطمئن والمؤمل خلال فترة بسيطة أن يزول هذا التأثير وألا يستمر طويلا، عطفاً على قوة الاقتصاد السعودي وقدرته المستمرة على التعافي من جراء هذه الصدمات العالمية، وإن كان هذا الامر يشمل كذلك الأسواق الخليجية إلا أن عددا من الدول العربية ستكون معرضة لاستفحال أزماتها الاقتصادية.
ولا شك أن المملكة تنظر إلى ما تمر به المنطقة المحيطة بها الآن جاهدة في لملمة هذه الملفات قبل استفحالها، فكل ما يعتري المنطقة بلا جدال وما ستشهده من فوضى جراء ذلك لن يكون في صالح أحد، بل سيعطل المشاريع التنموية التي تتبناها كافة دول منطقة الخليج لصالح رفاه مواطنيها، والقائمة على جذب الاستثمارات الخارجية وتنويع مداخيل البلاد بعيداً عن العائدات النفطية، وبالتالي فإن أي صراعات أو حروب في المنطقة لن تنسجم مع هذه الرؤية.
فها هي المملكة تعلن بوضوح موقفها الرافض لتهجير أهالي غزة وأن تطبيعها مع دولة إسرائيل لن يكون قبل إقامة دولة فلسطينية مستقلة، وطالبت في بيان رسمي لوزارة خارجيتها قبل أيام المجتمع الدولي بتحمل مسؤولياته الأخلاقية والقانونية ووضع حدٍ لآلة الحرب الإسرائيلية ومحاسبة سلطات الاحتلال على جرائمها المتكررة ضد الشعب الفلسطيني، وعقدت اجتماعات عدة مع نظيراتها من الدول العربية لبلورة موقف عربي موحد، كما تساند المملكة الرئيس السوري أحمد الشرع في سعيه للحفاظ على وحدة بلاده ومنعها من التحول إلى دويلات متنازعة، وكذلك تدعم دولة لبنان ورئيسها الذي جاء بعد فترة طويلة من الفراغ الرئيسي لإعادة التماسك إلى الدولة وفرض هيبتها، ويوم الثلاثاء الماضي وصل وزير الخارجية الأمير فيصل بن فرحان في زيارة رسمية إلى واشنطن، للقاء وزير خارجية الولايات المتحدة ماركو روبيو، وبحث هذه القضايا ومستجدات المنطقة، وباعتقادي أن ترمب سيعمل على وقف الحرب بغزة أو على الأقل تهدئتها قبل زيارته للمملكة حرصاً منه على إنجاح الزيارة، فالجميع يعلم مدى أهمية القضية الفلسطينية لدى المملكة حكومة وشعباً وموقف المملكة الثابت تجاه حقوق الإخوة الفلسطينيين.
ومن الجدير بالإشارة أن الدبلوماسية السعودية الآن تتصدر الواجهة وحققت نجاحات لافتة كانت حديث وسائل الإعلام العالمية وباتت تحظى بثقة دولية متزايدة كوسيط مقبول محايد بين أطراف عالمية كما هو حادث في الوساطة القائمة بين دولتي روسيا وأوكرانيا، والاستعداد لاستقبال قمة تاريخية بين الرئيسين الأميركي والروسي، كل ذلك يفتح المجال لتوقع دخول المملكة كوسيطٍ محايد ونزيه في ملفات المنطقة ولربما من بينها الملف الايراني، خاصة بعد دورها في الملف الروسي الأوكراني، رغبةً منها في تعزيز السلام والاستقرار بالمنطقة.
فعالية السعودية في مواجهة التحديات: تبرز خلالها المملكة كفاعل رئيسي وصانعة سلام في مواجهة هذه التحديات التي تحيط بالمنطقة
ودون مزايدةٍ، لا يملك أحد من القادة العرب الآن ما يملكه سمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان من علاقات قوية قائمة على الندِّية مع كل من الرئيس الأميركي ترمب أو الرئيس الروسي بوتين، وكذلك مع الرئيس الصيني، على رغم أن ذلك لم يمنع المملكة من المضي في سياستها القائمة على أن "السعودية ومواطنيها ومصلحتها أولاً"، حتى أن الصحف العالمية تداولت طلباً للرئيس ترمب بتخفيض أسعار النفط، وهو ما لم تستجب له المملكة لتعارضه مع سيرها في تمويل خططها التنموية، حتى مبلغ تريليون دولار الذي وعدت المملكة باستثماره في الولايات المتحدة، وبعيداً عن كيفية إعلان ترمب هذا الخبر لجمهوره، فهو مرهون بما ستقدمه الولايات المتحدة من قدرات وخبرات تكنولوجية وعسكرية ذات فائدة كبيرة للمملكة.
وفي ظل هذه التحديات الداخلية والخارجية التي تواجه دول المنطقة على السواء تأتي تحركات المملكة وتحركات سمو ولي العهد الامير محمد بن سلمان بما يمتلكه من علاقات مع مختلف الاطراف كونه القائد العربي الأقرب للتفاهم مع ترمب وبما يملكه من علاقات مع الصين وروسيا وكذلك إيران التي أكد سابقاً في مقابلة تليفزيونية أنها دولة جارة، وكل ما تطمح له المملكة أن يكون لديها علاقة طيبة ومميزة مع إيران لدفع المنطقة والعالم للنمو والازدهار، على أن تتخلى إيران عن تصرفاتها السلبية الناتجة عن برنامجها النووي ودعمها المليشيات الخارجة عن القانون بدول الجوار.
وخلاصة ما نراه ونلمسه حالياً هو جهود كبيرة وحثيثة من جانب المملكة لتوحيد الكلمة ونزع فتيل التوترات على الساحة العربية مرسخةً موقعها كلاعب عالمي محوري دون تهوين من دورها أو مبالغة فيما يمكن أن تفعله وحدها، خاصة في ظل حكومتين يمينيتين شديدتي التطرف في كل من أميركا وإسرائيل، ترغبان بتطبيق رؤيتهما غير عابئتين بما قد يكلف ذلك المنطقة من خسائر، خصوصاً مع حديثهما المتكرر عن تهجير سكان غزة وهو ما صرح به كلاهما خلال لقائهما الاثنين الماضي وإعلانهما أن هناك دولاً مستعدة لاستقبالهم، لذا فالمملكة عبر دبلوماسيتها النشطة وإن كانت تضع نفسها في موقع الوساطة لحل القضايا العديدة والمعقدة التي تواجه المنطقة اليوم إلا أن الأمر يتطلب تشكيل إجماع عالمي في مواجهة المصالح الفورية لبعض الأطراف المتطرفة مثل اللوبي الإسرائيلي. فالمسار الآن نحو الأمن والاستقرار يمثل اختباراً للعالم الحر بأسره ويحوج دولنا العربية لبناء تحالفات جديدة بما يمكّن من رسم مستقبل مشترك يرتكز على الاستدامة والازدهار للجميع.
*أستاذ زائر بكلية الزراعة وعلوم الحياة والبيئة، قسم الهندسة الزراعية والنظم البيولوجية بجامعة أريزونا، توسان، أريزونا، الولايات المتحدة
إيقاف حرب غزة أولوية سعودية
دعم سعودي للسلام في لبنان
د. تركي فيصل الرشيد
انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.
0 تعليق