نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
النقد الأدبي الثقافي بين الثوابت المنهجية والأمانة الفكرية, اليوم الأربعاء 19 مارس 2025 12:37 صباحاً
نشر بوساطة عبد الله الزازان في الوطن يوم 19 - 03 - 2025
كثيرًا ما نقرأ -لدى البعض من النقاد- تقييمات أدبية أو ثقافية أو فكرية، تحد من قدرات وإمكانات وطموحات بعض المواهب أو أي قدرات إبداعية، وتأخذ طابع الإدانات والأحكام الذاتية القاطعة، في أن هذا الشاعر مثلًا لا يمتلك المقدرة على الإبداع، أو أن تلك الرواية ليست جديرة بالفن الروائي.
الناقد الذي يقول لي إن هذه الرواية سطحية، أو أن هذه القصيدة لا روح فيها، لا يقول لي شيئًا ذا قيمة، لأن هذا كلام معمم يدفعنا إلى موقف مستاء، فالمفترض أن الناقد أوسع ثقافة، من أن يحصر نفسه في تعميمات قاطعة، فالفن لا يحتمل الأحكام القاطعة.
ولكن أتوقع منه كناقد، أن يقول لي تناولت الرواية أو القصيدة أو أي فن أدبي ما يلي، معددًا الأشياء التي يريد التعليق عليها، وتعليقي على ذلك هو ما يلي، موردًا ملاحظاته الموضوعية، شافعًا إياها بتقييمه المحدد الذي أكسبته إياه مهاراته في التحليل الموضوعي هذا ناقد حقيقي.
ليس الهدف أن أجادل في دوافع أحد، وليس القصد -طبعًا- أن أدين أحد، ولكن أن أشرك القارئ الكريم معي في الوقوف بقوة ضد نوعية من التفكير، ونوعية من النقد، أصبح فيها النقد الأدبي - الثقافي معزولًا عن غايته الأساسية، وتعلق بمشجب تضخيم الذات، فالنقد كفيل بأن يصنع موهبة أو ينهي موهبة.
هذه القراءات النقدية، التي نقرؤها - رغم قسوتها وتعميماتها القاطعة، تعطي فكرة دقيقة عن تلك العقليات الناقدة، ربما نتيجة لعدم إدراكهم الكامل لتلك التجارب، أو قد تكون لأسباب شخصية أو نفسية أو ثقافية، أو ربما من قبيل الاستعلاء الفكري كمنظرين كبار، ولكن ليس المقصود إدانة كل النقاد ولا معظمهم.
لنأخذ القضية من زاوية أخرى خارج نطاق الأدب فأحيانًا ما تكون قدرات وإمكانات شخص ما كما يقول أنتوني روبنز أكبر مما يتراءى للآخرين.
فالناجح عادة ما يكون غير منطقي وواقعي بمقاييس الآخرين، ولكنه بمقاييسه الخاصة دقيق ومنطقي وواقعي في وصوله إلى هدفه.
فعندما ننظر مثلًا إلى شخصية الزعيم الهندي غاندي بمقاييس الآخرين، نراه رجلًا خجولًا زاهدًا متواضعًا بائسًا يائسًا بسيطًا ومترددًا، يرتدي ملابس بالية ولا يحسن الحديث عن نفسه، فكيف لمثل هذه الشخصية أن تحرر شبه القارة الهندية من الاستعمار البريطاني؟، ولكنه بمقاييسه الخاصة ذكي، وقوي، وشجاع، وصبور، ومحنك، وقائد تحويلي لديه القدرة الذاتية، واليقين القوي، والقناعة الراسخة في تحرير بلاده من الاستعمار البريطاني. وقد نجح في مشروعه الجبار وحققت الهند استقلالها، وأصبح اليوم من الشخصيات البارزة في تاريخ البشرية، والزعيم الروحي الذي يبهرك بعمقه وبساطته وإنسانيته وحركة كفاحه.
ف«غاندي» زعيم استثنائي ورمز عالمي للسلام والتسامح، قاوم الظلم والعنصرية عن طريق العصيان المدني السلمي وحركة اللا عنف، قائلًا: «لا يوجد طريق للسلام، فالسلام هو الطريق». العبارة المحفورة على قاعدة تمثاله المنصوب في الأمم المتحدة، وهو تمثال من البرونز أهدته الحكومة الهندية إلى «الأمم المتحدة»، وكان من صنع النحات الهندي الشهير «رام فاتجي سوتار».
وقد كُتب بجانب التمثال بغرض التعريف: «كان السيد غاندي محاميًا هنديًا وخبيرًا في الأخلاقيات السياسية، وكان ملتزمًا بإيمانه بالمقاومة السلمية لتحقيق التغيير الاجتماعي والسياسي، وقاد حملات سلمية على الصعيد الوطني ضد الفقر وعدم المساواة بين الجنسين والاستعمار.
في عام 1947 حصلت الهند على استقلالها من الحكم الاستعماري...»
وفي عام 2007 أقرت الجمعية العامة للأمم المتحدة يوم ميلاد غاندي يومًا عالميًا لنبذ العنف.
يُلقب غاندي في الهند ب«أبي الأمة»، ويحظى بتقدير كبير على مستوى العالم. وقد تأثر بأفكاره كلٌ من «مارتن لوثر كينج» و«نيلسون مانديلا». كما سعى إلى إضفاء الروحانيات على السياسة لتوحيد الأفكار المختلفة لدى السياسيين، وقد وهب حياته لنشر فلسفة اللا عنف أو المقاومة السلمية، وذلك على مدى 50 عامًا، والتي تُعرف ب«الساتياراها»، وهي مجموعة من المبادئ تقوم على أسس دينية وسياسية واقتصادية.
وقد مر غاندي في رحلته نحو اللا عنف بعدة مراحل، فقد كان في أول الأمر يدعو إلى تحقيق العدالة عن طريق اللا عنف، ثم صار يفكر في حالة المجتمع الهندي، حيث تبين له أنه لن يجد الإنصاف من الاستعمار البريطاني. وكانت هذه إحدى القضايا المهمة التي شغلت حياته، وعمل جاهدًا على تحقيق الاستقلال من الاستعمار البريطاني الجاثم على الهند. وقد بدا له أن سياسة اللا عنف أو المقاومة السلمية هي أفضل الوسائل، حيث دخلت على حياته الفكرية أفكار أثرت في تركيز تفكيره على فكرة «اللا عنف»، خاصة نشيد «الطوباوي»، وهو عبارة عن ملحمة شعرية هندوسية كُتبت في القرن «الثالث قبل الميلاد» واعتبرها غاندي بمثابة قاموسه الروحي.
كما تأثر بكتاب «حتى الرجل الأخير» للفيلسوف الإنجليزي جون راسكين وكتاب الشاعر الأمريكي هنري ديفيد تورو «العصيان المدني».
وكتاب «الخلاص في أنفسكم» للأديب الروسي تولستوي.
انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.
0 تعليق