فلاديمير بوتين... المايسترو

تورس 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ

نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
فلاديمير بوتين... المايسترو, اليوم الاثنين 17 مارس 2025 04:36 مساءً

فلاديمير بوتين... المايسترو

نشر بوساطة فؤاد العجرودي في الشروق يوم 17 - 03 - 2025

2347608
عندما اندلعت الحرب الأوكرانية لم يكن قادة الغرب الجماعي يدركون أن حفرة عميقة قد انفتحت تحت أقدامهم لن يستطيعوا الخروج منها أبدا.
فالواضح أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين قد حبك عقدة جعلت من الجغرافيا الأوكرانية مدار سباق عالمي جديد لم يقدر المعسكر الغربي على مجاراته فقد احترقت القارة العجوز باشتعال أسعار الطاقة وصارت شعوبها مهددة بفقدان مكتسباتها الاجتماعية وأصبحت حكومات أوروبا تتساقط مثل الذباب بسبب المعادلات المستحيلة التي فرضت عليها فهي لا تقدر على صون المكاسب الاجتماعية وانعاش الاقتصاد وزيادة نفقات التسليح في آن واحد وذلك في ظل أوضاع مزرية للموازنات العمومية تختزلها بوضوح أزمة فرنسا التي تخطت ديونها عتبة 3300 مليار يورو واضطرار الحكومة الألمانية لفرض خمسة ضرائب جديدة على شعبها مثلما اضطرت حكومة العمال في بريطانيا لحرمان 10 ملايين متقاعد من منحة الشتاء لإدخار 1٫5 مليار جنيه استرليني.
وعندما تغرق أوروبا في أوضاعها المعقدة الداخلية سيمضي «طريق الحرير» بيسر في افريقيا التي تمثل خزان الاقتصاد العالمي ويصبح التحرر من استغلال الرجل الأبيض عدوى تتفشى بسرعة بين شعوب القارة السمراء ومن ثمة تضيق السوق أمام اقتصاديات أوروبا وتزداد أوضاعها الداخلية تعقيدا.
أما الولايات المتحدة فلن تقدر على مواجهة تقدم العالم الجديد بمفردها فتتمزق بين التزاماتها تجاه حلفائدها وحتمية إيجاد حل وسط مع الدب الروسي والثعبان الصيني خصوصا أن بلد العم صام يعيش على وقع أزمة مالية متفاقمة فرضت على ترامب طرد مئات الآلاف من الموظفين الفدراليين لإدخار مبلغ تريليون دولار مثلما فرضت عليه زيادة الرسوم الجمركية على سلع حلفائه الأوروبيين والكنديين في تطور لافت يؤكد أن الغرب الجماعي بدأ يتآكل من الداخل والكل يبحث عن النجاة من الطوفان حتى وإن اضطر للدوس على حليفه.
والواضح أيضا أن الرئيس الروسي يدرك جيدا أن ضغط العالم الجديد جعل من الغرب الجماعي كيانا متوترا قابلا للابتزاز والاستفزاز تماما مثل الرجل الأعمى الذي يسير في الظلام المطبق دون عصا أو دليل فأوهمهم أنه تراجع خطوات إلى الوراء بالتفريط في عرش الشام والحال أنه بخروج بشار الأسد سقط سقف سوريا على من فيها عثمانيون وصهاينة وأمريكان ليجد بوتين الطريق سالكة لإقفال البحر الأحمر والقرن الافريقي من خلال تفعيل معاهدة القاعدة العسكرية مع حكومة الخرطوم تنضاف إلى العشرة آلاف جندي صيني الذين يرابطون في جيبوتي لتصبح القوات البحرية اليمنية في موقف أكثر قوة يؤهلها للتحكم في أنشط شريان الملاحة البحرية الدولية ومن ثمة يشتد عود التحالف العسكري الروسي الايراني الكوري جنوبي الذي يمثل أكبر راع للقوة العسكرية الأمريكية.
وحتى عندما حاول الغرب الجماعي إحداث اختراق في التحالف الصيني الروسي بممارسة سياسة الترغيب والترهيب على موسكو من أجل مقايضة أوكرانيا بمحور المقاومة في الشرق الأوسط لم يتأخر الرد كثيرا حيث جاءت المناورات البحرية الايرانية الروسية الصينية الممتدة من سواحل إيران إلى شمال المحيط الهندي دليلا قويا على مدى تماسك هذا الحلف سيؤدي حتما إلى إحباط مساعي الغرب الجماعي الهادف لتحييد الجزائر غربا وطهران شرقا الذي عبر عنه بكل وضوح التصعيد الأمريكي ضد إيران والاستفزاز الفرنسي للجزائر الذي وصل إلى حد تنظيم مناورات بحرية فرنسية مغربية على الحدود الجزائرية.
وعندما تتساقط مخططات الغرب الجماعي لقلب الأوضاع ينفتح أفق أوسع أمام قطار العالم الجديد مدعوما بالضمانة العسكرية الروسية والضمانة المالية الصينية في ظل اختلال واضح لموازين القوة فالمعادلة القائمة تؤكد أن الاتحاد الأوروبي لا يملك لا جيش ولا مال فيما استنزفت الولايات المتحدة باتساع رقعة التهديدات جيوستراتيجية وستظل تمارس التضليل الإعلامي للايهام بأنها لا تزال شرطي العالم حتى يحين الوقت لإعادة تشكيل أدوات النظام الدولي على أنقاض اهتراء مصداقية منظومة 1946 وهو السيناريو الذي استبقه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بإعلان انسحاب بلاده من منظمة الصحة العالمية والمجلس الأممي لحقوق الانسان واتفاقية المناخ بالتوازي مع تدمير مرجعيات منظمة التجارة العالمية من خلال انتهاج سياسة تجارية حمائية بفرض ضرائب على الواردات وصلت إلى 200 بالمائة وهو ما يؤشر لتحوّل نوعي تنتقل بمقتضاه ريادة اقتصاد السوق إلى المارد الصيني.
وبالمحصّلة حبك الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بحرب أوكرانيا والتمدد العسكري في نصف افريقيا عقدة مضادة لعقدة 1917 التي انشأت على مراحل هيمنة ما يسمى «الصهيونية العالمية» معتمدا على تكامل الأدوار مع حليفه الاستراتيجي الصيني وذاكرة شعوب الجنوب التي فقّرها الغرب الجماعي وأحرقها بنار الارهاب وهو ما يؤشر على أن العالم مقدم على تطورات مذهلة ستتجاوز تداعياتها بكثير ترتيبات ما بعد الحرب العالمية الثانية.
إنها لعبة الشطرنج التي اخترعها الفرس (إيران) وتفوّق فيها الشعب الروسي فالغرب الجماعي ما إن يعتقد أنه تجاوز لغما حتى يكتشف أنه عالق في حقل ألغام.

انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.




إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق