نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
الدول الأوروبية تنظر في إعادة فرض الخدمة العسكرية الإلزامية, اليوم الأحد 16 مارس 2025 03:01 مساءً
نشر بوساطة أ ف في الرياض يوم 16 - 03 - 2025
تواجه الدول الأوروبية اليوم معضلة أمنية كبرى، دفعتها إلى إعادة التفكير في إعادة فرض الخدمة العسكرية الإلزامية، وذلك لتعزيز قدراتها الدفاعية في ظل تصاعد المخاوف من تهديد روسي محتمل، وهذه الخطوة تأتي وسط تغيرات جذرية في المشهد الجيوسياسي، خاصة مع استمرار الحرب الروسية الأوكرانية التي دخلت عامها الثالث، وتزايد القلق من إمكانية تراجع الولايات المتحدة عن التزاماتها الدفاعية تجاه القارة الأوروبية.
المخاوف تتصاعد والتهديدات تتزايد
كان قرار الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بغزو أوكرانيا في عام 2022 بمثابة صدمة لأوروبا، حيث كشف عن مدى هشاشة النظام الأمني الأوروبي. اليوم، يقر المحللون العسكريون والحكومات الأوروبية بأن الخطر الروسي لم يتراجع، بل إنه بات أكثر واقعية من أي وقت مضى.
ألكسندر بوريلكوف، الباحث في معهد العلوم السياسية بجامعة هايدلبرغ، يؤكد أن الجيش الروسي أصبح اليوم أقوى وأكثر تجهيزًا مما كان عليه عند بدء الغزو، مضيفًا أن موسكو لديها نوايا عدائية واضحة تجاه دول البلطيق والجناح الشرقي للاتحاد الأوروبي، وتشير دراسة أعدها بوريلكوف بالتعاون مع مركز بروغل البحثي ومعهد كيل، إلى أن أوروبا قد تحتاج إلى 300 ألف جندي إضافي لتعزيز دفاعاتها، فضلًا عن 1.47 مليون عسكري يخدمون حاليًا في جيوشها.
إحياء الخدمة العسكرية الإلزامية: خيار أم ضرورة؟
من باريس إلى وارسو، بدأ القادة الأوروبيون في زيادة الإنفاق الدفاعي، مدفوعين بتحذيرات الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، الذي شدد على ضرورة أن تتحمل أوروبا مسؤولية أمنها بنفسها، ومع ذلك، فإن العديد من الدول الأوروبية، بما في ذلك فرنسا وبريطانيا، تواجه صعوبة في تجنيد الأفراد والاحتفاظ بهم في الخدمة العسكرية، ما يجعل خيار إعادة فرض التجنيد الإجباري مطروحًا على الطاولة، رغم صعوبته السياسية والمجتمعية.
وفقًا لاستطلاع رأي أجرته مؤسسة "يوغوف"، فإن غالبية المواطنين في فرنسا (68%) وألمانيا (58%) يؤيدون إعادة الخدمة العسكرية الإلزامية، في حين أن الإيطاليين والبريطانيين منقسمون بشأنها، بينما يعارضها غالبية الإسبان بنسبة 53%. لكن المفارقة أن الدراسات تظهر أيضًا أن نسبة كبيرة من الأوروبيين غير مستعدين للدفاع عن بلدانهم في ساحة المعركة.
الخبيرة الفرنسية بينيديكت شيرون تشير إلى أن المجتمعات الليبرالية باتت أكثر حساسية تجاه فرض القيود العسكرية، مؤكدة أنه في غياب تهديد مباشر بالغزو، يصبح من الصعب سياسيًا فرض عقوبات على الرافضين للخدمة العسكرية.
نظرة على تجارب الدول الأوروبية
بعد الحرب الباردة، ألغت معظم الدول الأوروبية الخدمة العسكرية الإلزامية، باستثناء تسع دول حافظت عليها، وهي: اليونان، قبرص، النمسا، سويسرا، الدنمارك، إستونيا، فنلندا، النرويج، وتركيا، لكن بعض الدول قررت إعادة العمل بالتجنيد الإجباري، مثل ليتوانيا التي أعادته عام 2015 بعد ضم روسيا لشبه جزيرة القرم، والسويد التي تبنّت القرار عام 2017، ولاتفيا في 2023.
رغم ذلك، فإن الدول الخمس الأكثر إنفاقًا عسكريًا في حلف الناتو – فرنسا، ألمانيا، المملكة المتحدة، إيطاليا، وبولندا – لا تزال مترددة في جعل الخدمة العسكرية إلزامية مجددًا، نظرًا للتكاليف السياسية والاقتصادية المترتبة عليها.
بدائل للخدمة الإلزامية
في بولندا، التي ألغت التجنيد الإجباري عام 2008، كشفت الحكومة عن خطط لتقديم تدريب عسكري سنوي لمئة ألف مدني ابتداءً من عام 2027، على أن يكون هذا البرنامج اختياريًا ويعتمد على "نظام الحوافز"، وفق ما أعلنه رئيس الوزراء دونالد توسك.
أما في ألمانيا، فقد أبدى المستشار العتيد فريدريش ميرتس دعمه لإعادة فرض "سنة إلزامية" للخدمة العسكرية أو المدنية. وفي بريطانيا، حيث تم تسريح آخر جنود الخدمة الوطنية عام 1963، لا تفكر الحكومة في إعادة التجنيد الإجباري، لكنها أعلنت عن زيادة كبيرة في الإنفاق الدفاعي.
وفي فرنسا، التي ألغت الخدمة الإلزامية عام 2001، يسعى الرئيس إيمانويل ماكرون إلى إيجاد طرق جديدة لتشجيع الشباب على الخدمة العسكرية، لكنه أقر بأن البلاد تفتقر إلى "البنية التحتية اللوجستية" لإعادة فرض التجنيد الإجباري، واعدًا بالكشف عن خطط جديدة لتعبئة المدنيين في الأسابيع المقبلة.
دروس من دول البلطيق والدول الاسكندنافية
ويرى الباحثون أن دول أوروبا الغربية يمكنها الاستفادة من تجارب دول البلطيق وشمال أوروبا، خاصة فنلندا والسويد، اللتين تمتلكان أنظمة تجنيد قوية. فنلندا، التي تتشارك حدودًا طويلة مع روسيا وتعرضت للغزو السوفيتي عام 1939، لديها واحدة من أكبر قوات الاحتياط في أوروبا، ما يعكس إدراكها لضرورة الاستعداد الدفاعي المستمر.
المستقبل الدفاعي لأوروبا
يؤكد ألكسندر بوريلكوف أن أحد التحديات الرئيسية يكمن في إقناع المواطنين الأوروبيين بالتطوع للخدمة العسكرية، وهو ما يتطلب حملات توعية واسعة. ويضيف أن هناك علاقة مباشرة بين مدى ثقة الناس بقدرة جيوشهم على تحقيق النصر واستعدادهم للخدمة العسكرية، مما يجعل تحسين القدرات الدفاعية الأوروبية أولوية قصوى.
من جهته، يرى المؤرخ العسكري الفرنسي ميشال غويا أن الأوروبيين يدركون الآن مدى هشاشتهم وضعفهم دفاعيًا، خاصة مع تراجع الدعم الأمريكي. ويشير إلى أن العديد من الدول الأوروبية باتت تعترف بأنها "مكشوفة عسكريًا"، ما قد يدفعها إلى اتخاذ قرارات صعبة في المستقبل القريب.
في ظل تزايد التحديات الأمنية، تبدو أوروبا اليوم أمام مفترق طرق: إما تعزيز قدراتها الدفاعية عبر إعادة فرض التجنيد الإجباري، أو البحث عن بدائل فعالة لتقوية جيوشها. وبينما تبقى القرارات النهائية رهينة للحسابات السياسية والاقتصادية، فإن الحاجة إلى جيش أوروبي قوي لم تعد خيارًا، بل ضرورة وجودية.
انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.
0 تعليق