نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
تعليق الحياة ليوم واحد, اليوم الخميس 15 مايو 2025 01:09 صباحاً
نشر بوساطة بدر بن سعود في الرياض يوم 15 - 05 - 2025
الصمت ممارسة تعمل على خفض ضغط الدم، وترفع المناعة والقدرة على التركيز، وتساعد في تهدئة الدماغ، وموازنة هرمونات الجسم، وتقلل من إفراز هرمون التوتر المعروف باسم الكورتيزول.. الصمت في المواقف المستفزة وغير المرغوبة يعبر عن نضج انفعالي، وهو ليس سهلًا أبدًا..
الناس يحتاجون الى الصمت أكثر من الكلام، وهذه العبارة ليست مجانية وإنما تستند الى حقائق علمية، فقد قامت منظمة الصحة العالمية في 2011، بقياس التكلفة الصحية التي تدفعها أوروبا بسبب الضوضاء، ووجدت أن 430 مليون شخص في أوروبا الغربية يفقدون في كل عام نحو مليون عام من الحياة الصحية، وذلك نتيجة للضوضاء والصخب، وكلاهما، في رأيها، يمثلان السببب الأساسي لوفاة ثلاثة آلاف أوروبي بأمراض القلب سنوياً، لأنهما يؤثران على الصحة الجسمانية والنفسية للأشخاص، وبصورة لا يمكن تصوّرها.
في تقرير تسويقي وطني صدر في فنلندا عام 2010، وشارك فيه قرابة 100 خبير في مجال التسويق، لوحظ أن انشغالات الناس التي لا تحتمل في المجتمع المعاصر، تجعل من الصمت مصدراً مهما ًيمكن تسويقه في المستقبل القريب، وبأسلوب المنتجات الاستهلاكية، وما قيل تعيشه فنلندا هذه الأيام، فهناك من يدفع مئات الدولارات لشراء سماعات كاتمة للصوت، أو قد يلتحق بحصص تأمل، لا تقل تكلفتها الأسبوعية عن آلاف الدولارات، حتى أن ساعات (رونكو) الفنلندية، ترافقها عبارة: ساعات يدوية الصنع من عمق الصمت الفنلندي، وكلها تشير لدور الصمت الحيوي في حياة المجتمعات على اختلافها.
بالإضافة لما سبق يوجد في السياسة ما يعرف بالاستراتيجية الصامتة، وتحديداً في المواقف من الملفات الساخنة على مستوى العالم، وهو أسلوب عملت عليه الصين والهند واليابان والسويد، ومعها الدنمارك والمجر والدول الإسكندنافية، بتركيزها على أمورها الداخلية، والابتعاد عن الصراخ السياسي، الذي لا يفيد في معظم الأحيان، واستطاعت الصين من خلاله أن تتفوق على أميركا اقتصادياً منذ 1827، علاوة على إخراجها اليابان من عجزها بعد الاستبداد النووي في 1945، لتأخذ مكانها في صدارة العالم المتقدم، وفي أكثر من مجال، بينما في المنطقة العربية مازال المشهد يؤكد ما قاله المفكر الراحل عبدالله القصيمي، منذ زمن، وبالأخص في كتابه "العرب ظاهرة صوتية"، في المقابل ذكرت مجلة هارت الأميركية، في دراسة نشرتها عام 2005 أن دقيقتين من الصمت تحقق استرخاءً بدرجة أكبر، عند مقارنتها بالاستماع الى الموسيقى الهادئة، بمعنى أن اللاصوت أفضل من الصوت ما دام طبيعياً وغير مصنوع.
فقد قامت وكالة ناسا الأميركية بتصميم ما يعرف بالغرف الصامتة، منذ خمسينات القرن العشرين، لتعويد رواد الفضاء على الهدوء، والأكيد أن الأمير سلطان بن سلمان قد جربها في التجهيز لرحلته كأول رائد فضاء عربي مسلم عام 1985، وهذه الغرف هدوؤها قاتل، ولا يسمع فيها شيء على الإطلاق، لأن سماكة جدرانها تصل ل100 سنتيمتر، وعلى أسطحها الداخلية ألياف زجاجية وفولاذ وإسمنت، لمنع ارتداد الموجات الصوتية، وحدوث الصدى، لدرجة أن الشخص العادي فيها يسمع دقات قلبه وصوت معدته ورئتيه، ولا يستطيع الجلوس بداخلها لأكثر من 45 دقيقة، وهذا النوع من الصمت ممرض، فانعدام أصوات الطبيعة تماماً يؤدي إلى إضعاف الوعي والإدراك الحسي.
الرسول الكريم عليه الصلاة والسلام كان طويل الصمت، وقبل البعثة النبوية، مارس صمته وتأمله في غار حراء، ومعه مريم بنت عمران، عندما حملت بالمسيح عليهما السلام، وزكريا عندما بُشّر بيحيى عليهما السلام، وهذه الممارسة تعمل على خفض ضغط الدم، وترفع المناعة والقدرة على التركيز، وتساعد في تهدئة الدماغ، وموازنة هرمونات الجسم، وتقلل من إفراز هرمون التوتر المعروف باسم الكورتيزول، وبخلاف ما سبق، الصمت في المواقف المستفزة وغير المرغوبة يعبر عن نضج انفعالي، وهو ليس سهلاً أبداً، والدليل ما كتبه الروائي الأميركي ارنست همنغواي، وفي رأيه، الإنسان يحتاج عامين ليتعلم الكلام، و60 عاماً ليتقن الصمت، ووجدت دراسة أجريت في 2016 بأكاديمية نيويورك للعلوم، أن التحرر العقلي للأشخاص لا يحصل إلا إذا توفرت ثلاثة أمور: الأول الجلوس في مكان مريح وهادئ، والثاني الابتعاد عن المشتات كالجوال، والثالث إغماض العينين والصمت التام.
اللافت هو يوم الصمت في جزيرة بالي الأندونيسية، والذي تم تحديده في السابع من مارس سنوياً، وفيه يصوم أهل الجزيرة عن الكلام لمدة 24 ساعة، ولا يغادرون بيوتهم، ويعتبر يوم إجازة رسمية لهم، لا يستخدمون فيه الجوالات والراديو والالكترونيات، وكل ما يصدر صوتاً إجمالاً، والمناسبة خاصة بالهندوس، ولكن أتباع الديات الأخرى يشاركونهم بحكم العادة، وحتى السياح الأجانب يلتزمون به، وهم يعتقدون ءن الأرواح الشريرة تنزل إلى الأرض في هذا اليوم، ويكون الصمت لحمايتهم، ولإظهار الجزيرة وكأنها خالية، ورغم أن سكان أندونيسيا مسلمون في غالبيتهم، والهندوس لا يمثلون إلا 2 % من الإجمالي، إلا أن نسبتهم في بالي، التي يسكنها أربعة ملايين شخص، تصل الى 83,5 %، وبعيداً عن المرجعية الهندوسية للاحتفال، فإنه، في اعتقادي، يقبل التعميم العالمي بشكله المجرد، وبما يمكن الناس والإعلام والشوارع من أخذ إجازة رسمية يتفرغون فيها للصمت وحده، والأجمل تطبيق ذلك على كل أماكن الصراع والنزاعات بدون استثناءات، وتعليق صخب الحياة بالكامل ليوم واحد.
انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.
أخبار متعلقة :