اليوم الجديد

الأخبار المضلّلة... حرب نفسية خفيّة والإعلام أحد الحلول الرادعة لها

نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
الأخبار المضلّلة... حرب نفسية خفيّة والإعلام أحد الحلول الرادعة لها, اليوم الثلاثاء 22 أبريل 2025 08:13 صباحاً

إن المقالات المنشورة في خانة "مقالات وآراء" في "النشرة" تعبّر عن رأي كاتبها، وقد نشرت بناء على طلبه.

في الفترات التي تتخللها اضطرابات وأزمات، لا سيما في زمن الحرب، قد تتحول المعلومات إلى أداة وسلاح في آن معاً، حيث يُستخدم التضليل الإعلامي من خلال الأخبار المغلوطة للتأثير على الرأي العام والتحكم بالتصورات والمفاهيم حول العالم، فيصبح الإعلام سلاحاً ذا حدين. إذ تُستخدم المعلومات الزائفة لتوجيه الرأي العام وتشويه الحقائق، وتعكس التحديات المتمثلة في الأخبار المضللة خلال النزاعات المسلحة تأثيراً مباشراً على المدنيين والصحافيين على حدّ سواء، مما يعزّز الفوضى ويشكّل ضغطاً نفسياً على المجتمع.

الحرب النفسية والإعلامية والتضليل من قبل اسرائيل كانت أحد أخطر الأسلحة التي تُستخدم بالتوازي مع الآلة العسكرية ضدّ لبنان، وقد انتشرت خلال الحرب عدة أنواع من الأخبار المضللة، وجميعها صبت في إطار زيادة الضغط النفسي وحالات الهلع لدى المواطنين، على سبيل المثال نشر تهديدات لم ينشرها الجيش الاسرائيلي، اتصالات غير صحيحة لإخلاء مناطق، الحديث عن أرقام مرتفعة جداً من الشهداء والضحايا، وانتشار أخبار زائفة عبر صفحات تدعي أنها تستند إلى "مصادر عبرية" أو "إعلام عبري"، من دون أي توضيح أو سند فعلي والتي سببت إرباكاً وضغطاً نفسياً قاسياً للمواطنين خاصة وأن الأخبار كانت يتم تناقلها عبر وسائل التواصل الاجتماعي بشكل سريع.

حاجة لمصادر الرسمية

مع تزايد وتيرة انتشار الأخبار المضلّلة، يُصبح دور الصحافيِّين أساسياً في التحقيق والتقصي، خصوصاً في ظلّ غياب الرواية والمصادر الرسمية. المنصات الرقمية توفّر سرعة الوصول إلى المعلومات، لكنّها أيضاً تمنح الجميع القدرة على نشر المحتوى من دون رقابة كافية.

وفي هذا الإطار، يشير الصحافي محمد زناتي الذي كان يدير مجموعة "واتساب" تضمّ مئات الإعلاميين اللبنانيين والعرب والأجانب وكانت تتابع يوميات الحرب لحظة بلحظة، إلى صعوبة في مواجهة الشائعات، لا سيما مع بعض الإعلاميين الذين يأخذون الأخبار دون التحقق من صحتها وبذل جهد إضافي لمتابعتها.

ويلفت إلى أن العمل في المجموعة على مكافحة الأخبار الزائفة كان سريعاً وشاقاً، إذ كان يتمّ التحقق من صحة الخبر عبر تقاطع المعلومات مع أبناء المنطقة التي حصل بها الحدث ومع المعنيين على الأرض والأجهزة الأمنية والإسعافية. إلاّ أن الأمر لا يخلو من التحديات، فبعض الأخبار كان من الصعب التأكد من صحتها، لعدم وجود مصادر قريبة من الحدث.

وبرأي زناتي، هناك فروقات كبيرة في ثقافة الإعلاميين في التعاطي مع الأخبار المضلّلة، وهناك تفاوت كبير في الخبرات وتقدير الموقف بين الإعلاميين. وشاركت صحافة المجتمع إلى حدّ ما في نشر الأخبار الزائفة، كما المؤثرين على وسائل التواصل الذي يوجهون الرأي العام.

تضليل وخروقات تقنية

وخلال الحرب، تلقّى اللبنانيون رسائل مجهولة المصدر تصل إلى هواتفهم المحمولة، تحمل تهديدات، أو دعواتٍ لإخلاء البيوت في مناطق محدّدة، كما وصلت رسائل على "واتساب" من أرقام أجنبية على هواتف المستخدمين تحذّرهم أو تطلب منهم إخلاء مبانٍ سكنية محددة، وتحدثت معلومات عن اختراق إسرائيل لموجات الراديو، وبثّ رسائل تحذيرية، وقد مارس الاحتلال الإسرائيلي هذا النوع من بثّ الذعر "في إطار الحرب النفسية التهويليّة".

وفي السياق، تروي الصحافية نور الحاج علي، التي تسكن في منطقة المصيطبة، عن الإتصال الذي ورد إلى نازح من الجنوب كان يسكن في مبنى ملاصق للمبنى الذي تسكن به، وهذا المنزل كان مهجوراً قبل الحرب لم يكن يسكنه أحد، وبعد انتشار خبر الإتصال بضرورة الإخلاء حصلت حالة من الارباك في المنطقة وإخلاء جماعي، وأنها قد ركضت مع أهالي المنطقة دون وعي خوفاً من الاستهداف. لتحضر بعدها القوى الأمنية الى المنطقة، وليتبين أن الإتصال مزيف، إلا أنها وعدد كبير من الأهالي لم يعودوا مباشرة إلى المنزل إلا بعد الإطمئنان الكامل.

مدير برنامج الإعلام في منظمة "SMEX" عبد قطايا يشرح أن الرسائل في لبنان متاحة للعموم من شركات الإتصالات، وعليه يمكن للاسرائيلي الحصول عليها بشكل سهل، والسؤال اليوم "لماذا هذه المعلومات متاحة للجمهور وتصل الى الاسرائيلي بكل سهولة، وأين خصوصية المعلومات وحمايتها في لبنان؟".

ومن الأمور التي حصلت خلال الحرب، بحسب قطايا، أن العدو عمد إلى استخدام روبوتات ترسل رسائل الى أرقام هائلة من اللبنانيين بشكل عشوائي، كما تمّ بث الأخبار المضلّلة عبر المجموعات الإخبارية واختراق الارقام. وفيما يخص الإتصالات على الهواتف الأرضية، يعتبر أن موضوع تحديد الأرقام سهل عبر "كودات أوجيرو" (01–07–08) لتحديد المنطقة، أما تحديد رقم المنزل الشخصي تقع ضمن إحتمال التعقب، فالاتصالات كانت تحصل عبر سنترالات صديقة الى لبنان.

ويرى قطايا بأنه كان يمكن أن يقام "FIREWALL" لحماية المستخدمين وكي لا تصل الرسائل بشكل عشوائي، مع الإشارة إلى أن إدارة "أوجيرو" كانت تضع"BLOCK"على السنترالات المشبوهة التي تأتي منها الاتصالات، إلا أن الإتصالات كانت تنتقل سريعاً من سيرفر الى آخر. ويلفت إلى أنه كان هناك تواصلاً مع الأجهزة المعنية بما يخص الأمن الوطني و السيبراني، والتجاوب كان مقبولاً.

ويوضح أنه خلال الإنتخابات البلدية مثلاً، يمكن كشف كل الداتا، فلا يوجد معايير لحماية المعلومات في المواقع الرسمية للدولة، على الرغم من وجود لجنة لحماية البيانات في وزارة الاقتصاد، كما القانون 81/2018 حول المعاملات الالكترونية والبيانات ذات الطابع الشخصي. وبالتالي يوجد أساس يجب الإنطلاق منه.

إلا أن اليوم المسؤولية الأكبر تقع اليوم على عاتق الدولة اللبنانية لا على الأفراد وفق قطايا، كونها الجهة المسؤولة عن حماية البيانات، وتتبّع هذه الاتصالات، ورصدها، ومحاولة معالجة الثغرات، واتّخاذ الإجراءات اللازمة على المستويين المحلي والدولي. علاوة على ذلك، إنّ نظم حماية البيانات ليست الأفضل في لبنان، ما يترك عدد كبير من البيانات الخاصّة بالسكّان مكشوفة أو عرضة للاختراق والتسريب.

العمل الميداني في مواجهة التضليل

الصحافة الميدانية كانت أيضاً في قلب هذه المعركة، ففي ظلّ شح المصادر المعهودة في أوقات الحرب وتسارع وتيرة الأحداث، شكّلت الحاجة إلى المعلومة بيئة خصبة لانتشار الأخبار المضلّلة، ما فرض الكثير من التحديات على الصحافيين الميدانيين في محاولة لمواجهتها والتحقق منها في زمن الحرب.

أمال الخليل، مراسلة ميدانية في الجنوب لصحيفة "الأخبار" منذ العام 2006، وقد واكبت تبعات عدوان تموز 2006 ومسار إعادة الإعمار، وعليه قد بنت لنفسها شبكة علاقات ومصادر للمعلومات من البلديات والدفاع المدني والجيش واليونيفيل والأجهزة الامنية، بالإضافة إلى معرفتها بالجغرافيا، وأسماء الأحياء والمناطق بين القرى، وبالتالي يمكنها أن تجري تدقيقاً ذاتياً للأخبار بشكل أولي إستناداً للمعرفة الجغرافية ومعرفة خصائص القرى.

وتشرح الخليل أنها كانت تعمل على متابعة أي معلومة تصلها مع شبكة العلاقات التي بنتها خلال 17 عاماً، وأنها أصبحت بذلك مصدراً للخبر نظراً لتغطيتها الحرب بشكل مباشر على الأرض. إلا أن فترة تصعيد الحرب بعد 23 أيلول وصولاً إلى نهاية تشرين الثاني 2024 مع شبه إخلاء للمناطق، حملت هامشاً للخطأ في التقدير نظراً لصعوبة إمكانية التدقيق بالخبر حول عدد الإصابات وغيرها وصعوبة الوصول إلى مكان الحدث.

في الجهة المقابلة، توضح الصحافية رشا الزين مراسلة قناة"NBN" ، أنهم واجهوا خلال فترة العدوان الإسرائيلي على لبنان كمّاً هائلاً من الأخبار المزيفة، وبالتالي تحتّم التدقيق في أي خبر يتم نشره، لا سيما موضوع الصور والفيديوهات بعد الغارات التي تنتشر بشكل كبير على مواقع التواصل والتي بدورها باتت مصدراً لوسائل الإعلام.

تأكيد أو نفي أي خبر كان يتطلّب وفق الزين، التنسيق مع المعنيين على الأرض وبشكل متواصل، لا سيما فرق الدفاع المدني البلديات ولجان الطوارئ وعدم تبني المعلومة إلا بعد مقاطعتها مع أكثر من مصدر، أو الوصول إلى المكان المستهدف للتأكد من الحدث بشكل مباشر، وبناء على ذلك تمّ نفي العديد من الاخبار والصور والفيديوهات التي تبين عدم صحتها أو قدمها.

وتضيف رشا الزين "لأن عملنا في التلفزيون يلزمه صورة ويلزمه رسالة مباشرة لمواجهة هذا التضليل، فيكون البحث عن شهود والتوجه إلى المكان لإثبات صحة الخبر هو المعيار الرئيس خلال العمل".

"صواب"... جبهة أخرى ضدّ التضليل

وعلى إثر تدفق المعلومات المغلوطة والمضلّلة، عمل فريق "صواب" خلال الحرب على اعتماد آليات متقدمة تشمل الرصد الآلي واليدوي للمعلومات عبر منصات التواصل الاجتماعي والمواقع الإخبارية.

ويشرح الصحافي حسن شعيتاني من المنصة، أن الفريق قام بتوظيف أدوات لتحليل البيانات وتحديد الصور ومقاطع الفيديو المشبوهة، وتمّ الاستعانة بشبكة واسعة من المتطوعين والمراسلين المحليين لتقصي الحقائق بسرعة. حيث تمّ تقييم المحتوى بناءً على معايير دقيقة، مثل تحليل مصدر المعلومات، والتحقق من الصور والفيديوهات، ومقارنة المحتوى مع المعلومات الرسمية والمصادر الموثوقة.

ويذكر شعيتاني بعض التحديات التي واجهتهم خلال الحرب، وكان أبرزها أن سرعة انتشار المعلومات المغلوطة تفوق سرعة التحقق منها، مما يجعل من الصعب السيطرة عليها، وخلال الأزمات، قد تكون هناك قيود على الوصول إلى المعلومات من الجهات الرسمية، مما يعرقل التحقق السريع. أما البيئة السياسية المشحونة فتجعل من الصعب التأكد من حيادية المعلومات، خاصة عندما تكون معظم الأخبار ذات طابع سياسي أو عسكري.

ويدعو شعيتاني إلى تعزيز القدرات التقنية عبر تطوير أدوات ذكاء اصطناعي لرصد الأخبار الزائفة، والتحقق التلقائي من الصور والفيديوهات والصوتيات، كما تكثيف التعاون والشراكات مع منصات التواصل والمؤسسات الإعلامية لمواجهة الأخبار المغلوطة.

إذاً، إن سرعة الأحداث والأخبار المنتشرة بحاجة إلى جهد مضاعف، إن كان عبر الدولة وتطبيق القوانين وحماية البيانات والخصوصية للمواطنين، أو عبر إيجاد منصة معلومات رسمية تواكب الحروب والحالات الطارئة والأزمات، وتعطي الجمهور بيانات رسمية صحيحة حول آخر التطورات تواكب هذه الأحداث بسرعة.

أخبار متعلقة :