اليوم الجديد

خالد صلاح: معاوية لم يكن مجرد رجل دولة أو قائد عسكري بل كان إنسانًا صاغته الأيام

نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
خالد صلاح: معاوية لم يكن مجرد رجل دولة أو قائد عسكري بل كان إنسانًا صاغته الأيام, اليوم الأحد 2 مارس 2025 06:44 مساءً

علق الكاتب والمؤلف خالد صلاح، على ما أثير من جدل حول مسلسل معاوية ، والذي يعرض ضمن مسلسلات موسم دراما رمضان 2025، والذي تولى المعالجة الدرامية له، مؤكدًا أنهم منذ بداية العمل على هذا المشروع، لم تكن غايتهم صياغة قصة تضاف إلى سجل الروايات المتضاربة، أو الانتصار لرؤية على حساب أخرى، مشيرًا إلى أن معاوية روح ساقتها الضرورة إلى الهدى أحيانًا، وإلى الخطايا أحيانًا أخرى، ثم سارت إلى قدرها مثل كل من سبقوها.

وكتب خالد صلاح عبر حسابه على فيسبوك: معاوية، لم يكن مجرد رجل دولة، أو قائد عسكري يخوض معاركه على أسنة الرماح، بل كان إنسانًا، صاغته الأيام كما تصوغ النار الحديد، قاسيًا حين تستدعي الحاجة، ولينًا حيث ينبغي التروي والتدبر حين بدأنا هذا المشروع مع MBC Studios، لم تكن غايتنا أن نصوغ حكاية تُضاف إلى سجل الروايات المتضاربة، ولم يكن قصدنا أن ننتصر لرؤية على أخرى، أردنا أن نقترب من معاوية، لا كخليفة نقش اسمه على دواوين الحكم، بل كإنسان وجد نفسه في قلب زلزال لا يهدأ، وأجبرته الحياة على أن يكون لاعبًا رئيسيًا في صراعات لم يخترها بنفسه، بل ألقتها الأقدار بين يديه.

وأضاف: تأمل معي في ترو ماذا جرى في دراما التاريخ، تصور فتى نشأ في بيت العظمة، تحت سقف أغنى بيوت قريش، ثم فجأة تهتز الأرض من تحته. أخته رملة، الأقرب إلى قلبه، تترك أهلها وتفر مع زوجها إلى الحبشة، تاركة خلفها إرثًا من التساؤلات والوجع، وأمه هند، التي كانت سيدة مكة بلا منازع، تهوي أمام عينيه من قمة الجبروت إلى وادٍ من الخسائر والانكسار. فقدت أباها وأخاها وعمها في بدر، وظلت تحمل جراحها حتى جاء يوم أحد، فتنفست الصعداء بالانتقام المجرم المقيت، لكن الرياح لا تستقر طويلًا، فما لبثت أن وقفت بعد أعوام، وهي التي كانت تملأ الدنيا عنادًا، وقفت أمام النبي محمد بن عبدالله، ترفع صوتها بالشهادة، وتدخل دين من كانت بالأمس تسعى للنيل منه بالدم والنار، كيف يقرأ فتى صغير (آنذاك) في مثل عمر معاوية هذا المشهد؟ كيف يفهم التحولات الجارفة التي جعلت من قريش القوية، قريشًا المغلوبة، ثم من قريش المغلوبة بالأمس إلى القبيلة القائدة للدين الجديد؟.

تابع خالد صلاح حديثه عن شخصية معاوية بن أبي سفيان: لم يكن معاوية رجل سيف كخالد بن الوليد، ولا ناسكًا زاهدا كعلي بن أبي طالب، ولا قارئا حافظا كعبدالله بن مسعود، ولا أقرب للنبي مثل حذيفة بن اليمان أو عمار بن ياسر، لكنه كان رجل التدبر الطويل والانتظار الصامت من طفولته، أدرك أن الانتصارات ليست كلها في ساحات القتال، وأن الحرب ليست دائمًا حلًا، بل أحيانًا تكون الحرب هي المصيدة التي يقع فيها المتعجلون تعلم أن النصر الحقيقي هو أن تصمد حين يسقط الآخرون، وأن تدير المعركة بالعقل لا بالغضب.

وواصل الكاتب خالد صلاح عن مسلسل معاوية : لكن أي حياة يمكن أن تمضي بلا خسائر؟ فقد أحب، وعرف مرارة الفقد رحلت عنه زوجته الأولى، التي كانت أقرب إلى قلبه من كل شيء مات ابنه عبدالرحمن، فانطفأت في داخله شعلة الأبوة، رأى أخاه يزيد ينهار أمامه تحت وطأة الطاعون، ولم يكن في يده سوى أن يشاهد الموت وهو يأخذ منه أحبته واحدًا تلو الآخر. ثم جاء حب آخر، ميسون بنت بحدل، لكن الحب وحده لم يكن كافيًا. لم تحتمل حياة القصور، لم تر في الذهب والحرير ما يغريها بالبقاء، فتركت كل شيء وعادت إلى البادية، إلى حياة البساطة التي لم يستطع معاوية، بكل ما لديه، أن يمنحها إياها.

وأضاف: ثم جاءت الطعنة الكبرى، مقتل ابن عمه وخليفة المسلمين عثمان بن عفان، فجأة، لم يعد معاوية واليًا يدير شؤون الشام من بعيد، بل أصبح الرجل الذي يرى نفسه مسؤولًا عن دم عثمان، عن الثأر، عن تحقيق العدالة كما يراها هو من وجهة نظره، صار هو ولي الدم في عائلة تطالبه بالانتقام من القتلة.. لم يكن الصراع مع على بن أبي طالب خيارًا سهلًا، ولم يكن كرهًا في الإمام العادل، ولكنه وجد نفسه وسط معادلة لم يعد يملك رفاهية الانسحاب منها، معادلة حكمتها السياسة بقدر ما حكمها الدم.

وأشار: حكايتنا في هذا المسلسل ليست عن رجل يبحث عن السلطة لمجرد السلطة، ولم تكن قصة رجل خُلق لينتصر أو يُهزم، بل كانت مسيرة رجل تعلم كيف يتحايل على الريح، كيف لا يواجه العاصفة بعناد المغامرين، بل بحكمة من يعرف أن البحر لا يخضع إلا لمن يتقن فن الإبحار، لهذا كان معاوية شخصية درامية بامتياز، لأنه لم يكن ذلك القائد الذي يحسم الأمور بحد السيف وحده، بل كان ذلك العقل الذي يحسب كل خطوة، ويدرك أن الزمن، في النهاية، هو أذكى اللاعبين.

وتابع خالد صلاح: في معاوية، لم نكتب التاريخ بمنطق المنتصر والمهزوم، لم نبحث عن الحقيقة في صياغاتها الجامدة، بل حاولنا أن نرى الإنسان خلف السياسة، وأن نعيد قراءة القصة بعيدًا عن صخب الروايات المتضادة. لم ننظر إليه كحاكم نقش اسمه في كتب التاريخ، بعض الكتب مجدت سيرته، وبعضها لعنته بلا هوادة، بل رأيناه كروح عاشت، وتألمت، وانتصرت، روح ساقتها الضرورة إلى الهدى أحيانًا، وإلى الخطايا أحيانًا أخرى، ثم سارت إلى قدرها مثل كل من سبقوها، المسلسل ليس عن صراع صحابة تقاتلوا، لكنه عن إنسان خاض صراعه الأول مع نفسه، ثم دارت به طاحونة الصراعات مخيرًا أو مجبرًا حتى نهاية العمر.

أخبار متعلقة :