اليوم الجديد

كيف أصبح “ماسايوشى سون” المستثمر الأجنبى المفضل لدى ترامب؟

“سون” يرى أن قربه من السلطة بأمريكا ضروري لتحقيق طموحه في قيادة البشرية عبر الذكاء الاصطناعي

في ظل تاريخهما المناهض للمؤسسة، وتاريخهما الحافل بالخسارة والكسب لثروات طائلة، لا غرابة أن يرى الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ورجل الأعمال الياباني ماسايوشي سون، الأمور من زاوية واحدة.

لكن الأشهر الثمانية الماضية عمقت هذا التقارب، ورفعت الرهانات المالية بالنسبة للولايات المتحدة واليابان، وخلقت قناة دبلوماسية غير رسمية بين مؤسس “سوفت بنك” والرئيس الأمريكي.

تحولت “سوفت بنك” إلى مستثمر أجنبي محوري في الولايات المتحدة، إذ يواصل العملاق الياباني زيادة حصته في “أوبن إيه آي”، وضخ 2 مليار دولار في “إنتل”، بينما يراقب الاستحواذ على أعمال المسابك الخاصة بالشركة المتعثرة في صناعة الرقائق.

وتعتزم الحكومة الأمريكية الحصول على حصة 10% في “إنتل”، ما سيجعل الروابط أوثق، إلى جانب خطط “سوفت بنك” الطموحة لإنشاء مجمع ضخم للروبوتات والذكاء الاصطناعي في ولاية أريزونا، بحسب صحيفة “فاينانشيال تايمز” البريطانية.

رغم الترحيب بحملة صفقات سون في واشنطن، وتجنبه الشكوك التي يواجهها مستثمرون أجانب، إلا أنه يحتاج للحفاظ على علاقته مع ترامب إذا أراد السيطرة على أصول حساسة سياسياً ومرتبطة بالقدرات الصناعية.

محاولة “نيبون ستيل” المعقدة للاستحواذ على “يو إس ستيل”، والتي أوقفها في البداية الرئيس السابق جو بايدن، لم تتم الموافقة عليها إلا من قبل ترامب بعد منحه “سهم ذهبي”.

قال جوشوا ووكر، الرئيس التنفيذي لجمعية اليابان غير الربحية في نيويورك: “في واشنطن، مع ترامب، ومع المحيطين به أصبح ماسا الرجل المرجعي في شئون اليابان الجميع يريد لمشروع ماسا واليابان أن ينجح، لكن حين تُختزل علاقة مهمة بهذا الحجم في شخص واحد، يصبح الأمر خطيراً، وإذا انهار، فقد تكون التداعيات واسعة”.

يعمل سون، على تعزيز علاقاته مع ترامب منذ ولايته الأولى، إذ زار البيت الأبيض مراراً، وشارك في جلسات الجولف، وأطلق وعوداً بخلق وظائف واستثمارات عبر إعلانات عامة ضخمة تجذب الرئيس الأمريكي.

وقال مسئول تنفيذي أمريكي عمل مع كلا الرجلين: “سون صانع صفقات لا يخشى المخاطرة، وليس مختلفاً كثيراً عن مطور عقارات ضخم.. كل ما يفعله ترامب له عنصر تجاري هائل: هل هذا سيكون جيداً لأمريكا مالياً؟ ماسا فهم ذلك مبكراً جداً”.

بدأت مساعي سون في ديسمبر 2016 بتعهده باستثمار 50 مليار دولار من “سوفت بنك” في برج ترامب، ثم وعد بضخ 100 مليار دولار أخرى بعد ما يقرب من عقد عند إعادة انتخاب ترامب.

وبعد أسابيع قليلة، وقف سون بجانب سام ألتمان من “أوبن إيه آي” ولاري إليسون من “أوراكل” ليعلن عن قيادة مشروع مراكز بيانات للذكاء الاصطناعي بقيمة 500 مليار دولار تحت اسم “ستارغيت”.

وقال أحد المقربين من الملياردير: “في الولايات المتحدة، ومع كل هذه الخطط، من الصعب كبح جماحه”.

وأوضح أشخاص مقربون من سون أنه تعلم أن القرب من السلطة في أمريكا ضروري لتحقيق طموحاته، بما في ذلك هدفه المتكرر بأن يكون الرجل الذي يقود البشرية نحو مرحلتها التالية عبر الذكاء الاصطناعي.

وصرح ديفيد جيبسون، المحلل في “إم إس تي فاينانشيال”: “هل كان ماسا سيستثمر بهذه الطريقة في الولايات المتحدة لو لم يكن ترامب موجوداً؟ أعتقد أن معظم ذلك كان سيحدث على أي حال، ماسا يرى الفرصة للاستثمار في واحد من أكبر اللاعبين في البنية التحتية والاستهلاك في العالم وهو أوبن إيه آي، وكذلك الاستثمار في البنية التحتية الحيوية للرقائق الأميركية. هذا يتماشى تماماً مع استراتيجيته”.

حتى الآن، لم تشمل استثمارات سون، السيطرة على الأصول الصناعية الحساسة سياسياً مثل صناعة الصلب، والتي ترتبط بخلق وظائف كثيفة.

وقد سبق أن تعرض سون لانتكاسة في 2021، عندما منعت إدارة بايدن استحواذ “إنفيديا” على “آرم” التابعة لـ”سوفت بنك”، لو تمت الصفقة، لجعلت المجموعة اليابانية أحد أكبر المساهمين في “إنفيديا”.

يرى المستثمرون المستعدون لتجاوز أكبر إخفاقات سون، وعلى رأسها المليارات التي ضاعت في “وي ورك”، أن أبرز نجاحاته مثل “علي بابا” و”آرم” و”بايت دانس”، المالكة لـ”تيك توك”، و”أوبن إيه آي”، هي الأهم.

هؤلاء المستثمرون يراهنون أيضاً على أن المجموعة لاتزال تتداول بخصم يقارب 40% عن صافي قيمة الأصول، وفقاً لأحدث تقرير أرباح، أي أن السوق يقيمها بأقل من مجموع أصولها.

غير أن المتشككين قالوا إن هذا الخصم يعكس صعوبة قياس المخاطر المتعلقة بخطط سون، بما في ذلك تمويل مشروع “ستارجيت”، كما أن “أوبن إيه آي” نفسها عالقة في مفاوضات شاقة مع “مايكروسوفت” للتحرر تدريجياً من جذورها كمنظمة غير ربحية، وهي مفاوضات ستؤثر على استثمار “سوفت بنك”.

بشكل متزايد، يبدو أن خطط سون ستركز على الولايات المتحدة، بدلاً من الصين، حيث مازالت “سوفت بنك” تحتفظ بروابط قوية، منها حصتها في “بايت دانس”.

وقال ديفيد بولينج، المسئول التجاري الأمريكي السابق ومدير شؤون اليابان وآسيا في “يوراسيا جروب” بواشنطن: “سوفت بنك اتخذت قراراً بالانحياز إلى الولايات المتحدة وليست الصين”.

وباعتباره من أصول كورية وتلقى تعليمه الثانوي في كاليفورنيا ودرس الاقتصاد وعلوم الكمبيوتر في بيركلي، صور سون نفسه طويلاً كرجل يقف بين وادي السيليكون واليابان، وهذا ساعده على عقد صفقة مع ستيف جوبز لإدخال “آيفون” إلى اليابان عام 2008، ما منح “سوفت بنك” ميزة حاسمة في سوق الهواتف المحمولة.

أولى خطواته الكبيرة في الولايات المتحدة كانت عام 2013 باستحواذه على مجموعة الاتصالات “سبرينت” مقابل 22 مليار دولار، وهي صفقة آثارت مخاوف أمنية، لكنها اكتملت بعد تعهده بإزالة معدات “هواوي”، ثم بدا أن قربه من ترامب يؤتي ثماره عندما تمت الموافقة على اندماج “سبرينت” مع “تي موبايل” عام 2020.

هذا القرب أصبح مصدر قلق ليس فقط لبعض المستثمرين، بل أيضاً للدبلوماسيين اليابانيين الذين يحاولون بحذر استغلال الوضع لصالحهم، بينما يعارضون وضع سون كحارس للبوابة.

وقال دبلوماسي رفيع المستوى في طوكيو: “كان من المزعج أحياناً أن تُجرى مناقشات على أعلى المستويات دون أن يتم إبلاغ أو إشراك البيروقراطيين والسياسيين الكبار”.

واعترف الشخص نفسه بأنه في بيت أبيض تم فيه كسر أو تغيير قنوات الاتصال التقليدية، تدرك اليابان أن مزايا العلاقة مازالت تفوق أي انزعاج، حتى وإن كان هذا التوازن قد يتغير فجأة.

وقال كويهيكو مياكي، الأستاذ الزائر بجامعة ريتسوميكان في كيوتو والدبلوماسي الياباني السابق: “المعضلة هي أنه إذا لم يكن سون قريباً من ترامب، فلن يكون هناك فائدة، وإذا كان قريباً جداً، فذلك خطير”.

أخبار متعلقة :