سلطت ورقة تحليلية جديدة الضوء على التوتر المتجدد بين جماعة الحوثي وحزب المؤتمر الشعبي العام – جناح صنعاء، معتبرًا أن ما يجري من اعتقالات وضغوط ليس خلافًا عابرًا بل انعكاسًا لاستراتيجية حوثية ممنهجة تهدف إلى إضعاف أي مكون سياسي قد يشكل تهديدًا مستقبليًا لنفوذ الجماعة.
وأوضحت الورقة التي أصدرها مركز المخاء للدراسات الاستراتيجية أن جذور هذا التوتر تعود إلى سيطرة الحوثيين على العاصمة صنعاء في سبتمبر 2014، حين بدأوا بإقصاء المؤتمر الشعبي العام وتهميش دوره، مستأثرين بالسلطة والموارد. وقد مرّت العلاقة بين الطرفين بمراحل معقدة أبرزها المواجهات التي انتهت بمقتل الرئيس السابق ورئيس الحزب علي عبدالله صالح في ديسمبر 2017، لتتأكد نزعة الحوثيين نحو الانفراد الكامل بالحكم.
ويكتسب التصعيد الأخير رمزية إضافية لتزامنه مع مناسبات وطنية وحزبية حساسة، أبرزها ذكرى تأسيس المؤتمر الشعبي العام في 24 أغسطس، وذكرى ثورة 26 سبتمبر ضد النظام الإمامي، وهي مناسبات يسعى الحوثيون إلى طمسها مقابل ترميز انقلابهم في 21 سبتمبر باعتباره لحظة تأسيس بديلة، في إطار مساعٍ لإعادة صياغة الهوية الوطنية والتاريخ السياسي لليمن بما يخدم مشروعهم الأيديولوجي.
الورقة أشارت إلى جملة من المظاهر والإجراءات التي تكشف عمق الاستهداف الحوثي للمؤتمريين بصنعاء، بدءًا من الضغط المتواصل لفك ارتباط الحزب بأسرة الرئيس السابق صالح، وصولًا إلى إصدار حكم بالإعدام على نجله أحمد علي بتهمة "الخيانة"، في محاولة لقطع الطريق أمام أي إمكانية لإعادة توظيفه سياسيًا على المستوى الإقليمي.
كما تناولت الورقة منع الفعاليات الوطنية والحزبية، حيث أقدم الحوثيون على اقتحام اجتماع للجنة الدائمة للمؤتمر ومصادرة أموال مخصصة لإحياء ذكرى التأسيس، قبل أن يفرضوا إلغاء الفعالية واعتقال قيادات معارضة للقرار.
وثقت الورقة حملة اعتقالات ومضايقات واسعة استهدفت قيادات مؤتمرية بارزة، من بينها الأمين العام غازي الأحول، ومدير مكتبه عادل ربيد، إضافة إلى فرض الإقامة الجبرية على قيادات أخرى ومداهمة منازل شخصيات قيادية في صنعاء ومناطق متفرقة.
كما امتدت هذه الإجراءات إلى مصادرة ممتلكات وأصول الحزب، بما فيها أراضٍ وعقارات ومقرات رئيسية، تحت ذرائع قانونية شكلية، بهدف تجريد المؤتمر من موارده وإفقاده القدرة على التحرك المستقبلي أو الحشد الشعبي.
وفي قراءتها للمآلات المحتملة، طرحت الورقة ثلاثة سيناريوهات رئيسية: الأول يتمثل في إمكانية حل حزب المؤتمر بصنعاء بعد أن استنفدت الجماعة ما تريده منه، رغم المخاوف من ردة فعل شعبية تربك المشهد. أما الثاني فيتعلق بالتوصل إلى حلول وسط، وهو السيناريو الأكثر ترجيحًا بحسب التقرير، يقوم على استمرار الحزب كواجهة شكلية خاضعة بالكامل للجماعة عبر إقصاء المعارضين وتعيين قيادات موالية. فيما يرى التقرير أن السيناريو الثالث المتمثل في تحرك شعبي لمناصرة المؤتمر يظل احتمالًا ضعيفًا نظرًا للوهن التنظيمي وتراجع النفوذ الجماهيري للحزب.
وخلصت الورقة إلى أن المشهد يعكس توجهًا حوثيًا ثابتًا يقوم على تفكيك أي بنية سياسية أو اجتماعية مستقلة، واحتكار المجال العام، وإعادة إنتاج الرواية الوطنية بما يضمن لهم السيطرة المطلقة على الدولة والمجتمع. واعتبر أن مستقبل العلاقة بين الحوثيين والمؤتمر مرهون بقدرة الأخير على الصمود أمام الضغوط أو خضوعه الكامل، وهو ما سيحدد ملامح الخارطة السياسية في صنعاء خلال الفترة المقبلة.
أخبار متعلقة :