اليوم الجديد

قرارات الحكومة حول سلاح المقاومة… بين اللاميثاقية والخيانة الوطنية

تنص الفقرة “ي” من مقدمة الدستور اللبناني على أنه “لا شرعية لأي سلطة تناقض ميثاق العيش المشترك”، وهذه الفقرة، مع بقية فقرات مقدمة الدستور، تُشكّل وحدة متكاملة وركيزة أساسية لمختلف القواعد القانونية والأنظمة واجبة التطبيق في لبنان.

وبالتوازي مع الفقرة السابقة، تنص الفقرة “ب” من مقدمة الدستور على أن “لبنان عربي الهوية والانتماء، وهو عضو مؤسس وعامل في جامعة الدول العربية وملتزم مواثيقها، كما هو عضو مؤسس وعامل في منظمة الأمم المتحدة وملتزم مواثيقها والإعلان العالمي لحقوق الإنسان”.

وانطلاقًا مما سبق، فإن هناك ثوابت وقواعد عامة لا يمكن تجاوزها في العمل القانوني والسياسي في لبنان، ومن ضمنها الحفاظ على الميثاقية عبر التوافق بين مختلف المكوّنات اللبنانية، وصولًا إلى الالتزام بالنصوص القانونية الدولية، وعلى رأسها ميثاق الأمم المتحدة والإعلان العالمي لحقوق الإنسان. وبالتالي، لا شرعية لأي سلطة أو قرار أو نص قانوني يخالف هذه القواعد العامة المنصوص عليها في الدستور، باعتبار أن النصوص الدستورية هي القاعدة الأعلى والأسمى في التسلسل الهرمي للقواعد القانونية، ولا يجوز للقاعدة الأدنى مخالفة ما تنص عليه القاعدة الأعلى.

فالنص الدستوري يعلو ولا يُعلى عليه، أياً كانت السلطة التي تصدر القانون أو القرار. وبالتالي، فإن أي نص قانوني أو مرسوم حكومي أو قرار إداري يخالف ما هو منصوص عليه في الدستور، يستوجب الطعن ومن ثم الإبطال، ضمن الأطر الدستورية والقانونية المنصوص عليها في القوانين مرعية الإجراء.

وفي هذا السياق، برز مؤخرًا ما قررته الحكومة اللبنانية التي يترأسها نواف سلام خلال اجتماعها في القصر الجمهوري برئاسة رئيس الجمهورية جوزاف عون، حول تكليف الجيش اللبناني بوضع خطة لحصر السلاح، وعمليًا لسحب سلاح حزب الله، بما يمثله من مقاومة ضد العدو الإسرائيلي. وقد جاء هذا القرار في ظل رفض واضح من مكوّن طائفي بأكمله، وهو المكوّن الشيعي، حيث انسحب وزراء هذا المكوّن من الجلسة الحكومية التي عُقدت يوم الثلاثاء في 5-8-2025، وكرّروا انسحابهم من الجلسة التالية التي عُقدت يوم الخميس في 7-8-2025، والتي خُصصت للبحث في الورقة الأميركية وإقرارها، لما تشكله من مناقضة لحق المقاومة وتفريط بسيادة لبنان، خلافًا لما يكفله ميثاق الأمم المتحدة، والعديد من القواعد القانونية الدولية والمحلية، والأعراف الدستورية والحكومية التي أكدت على حق المقاومة في مواجهة العدوان، وهو ما التزمه لبنان لسنوات طويلة.

فما هي القيمة القانونية لقرارات الحكومة المشار إليها أعلاه؟ ومدى مخالفتها للدستور اللبناني؟ وهل يمكن للحكومة أن تقرر ما يخالف الدستور، خاصةً فيما ينص عليه من ضرورة الحفاظ على الميثاقية؟ وهل تُعتبر اجتماعات الحكومة وقراراتها قانونية ودستورية في ظل غياب مكوّن بأكمله عن جلساتها؟ وهل قرار حكومي بعينه قادر على نقض عُرف دستوري وقانوني مستمر منذ أكثر من 35 سنة؟

وفي هذا الإطار، نظّم “تجمّع المحامين” في حزب الله ندوة حقوقية ودستورية في نقابة الصحافة، تحت عنوان: “قرارات الحكومة تحت مجهر الميثاقية ومتطلّبات الشرعية الدستورية والدولية”، بحضور حشد من الشخصيات السياسية والثقافية والقانونية، تقدّمهم ممثل عن الرئيس العماد إميل لحود، والوزيران السابقان يعقوب الصرّاف ومصطفى بيرم.

وخلال الندوة، اعتبر المدير السابق لكلية الحقوق في الجامعة اللبنانية – الفرع الخامس، وأستاذ القانون العام، الدكتور عقل عقل، في مداخلته بعنوان: “قرارات الحكومة اللبنانية تحت مجهر الميثاقية والدستور”، أن “أي قرار يُتخذ دون تأمين الميثاقية يصبح باطلًا”، وأوضح أن “أي قرار استراتيجي يُتخذ في غياب مكوّن طائفي أساسي، حتى لو توافر النصاب العددي، يفقد مشروعيته الميثاقية ويُصبح معرّضًا للإبطال، لأنه يُخالف مبدأ أساسيًا منصوصًا عليه في الدستور”.

بدوره، رأى أستاذ القانون الدولي والمدير السابق لقسم الدراسات في مجلس النواب، الدكتور خليل الحسين، في مداخلته بعنوان: “حق الشعوب في المقاومة بين قرارات الحكومة اللبنانية وبين القانون اللبناني والقانون الدولي”، أن “قرار الحكومة يحرم لبنان من عناصر قوّته”، ولفت إلى أنه “لا يجوز بأي معنى من المعاني أن تتخذ الحكومة قرارًا بهذا المستوى الخطير في مثل هذه الظروف”، وذكّر بأن “الأخطار المحدقة بلبنان لا يمكن مواجهتها إلا بمزيد من القوّة”، وأشار إلى أن “أعداء الخارج لا يرحمون، فيما نحاول في الداخل تجريد المقاومة من أبرز أدواتها للمواجهة”.

من جهته، دعا أستاذ العلاقات الدولية الدكتور جمال واكيم، في مداخلته بعنوان: “مقاربة قرارات الحكومة من الناحية السياسية والدولية والمحلية”، إلى “تحرير القرار السياسي اللبناني قبل طلب حصرية السلاح”، وقال “لتأمين شروط حصرية السلاح يجب، أولًا: أن يكون القرار السياسي حرًّا وخاليًا من الإملاءات، وثانيًا: أن يتبع نواب الأمة إرادة ناخبيهم لا تعليمات السفارات، خصوصًا في الليلة التي تسبق تسمية المسؤولين”. واشترط “لتحقيق حصرية السلاح أن تكون الدولة قادرة على الدفاع عن الأرض والشعب بالوسائل الدبلوماسية وغيرها”.

وفي السياق نفسه، من المفيد التذكير بكلام الأمين العام لحزب الله الشيخ نعيم قاسم، في كلمته بتاريخ 25-8-2025، حيث لفت إلى أن “الحكومة اللبنانية اتخذت قرارًا خاطئًا بتجريد المقاومة وشعبها من السلاح أثناء وجود العدوان الإسرائيلي”، وأكد أن “هذا القرار غير ميثاقي واتُخذ تحت الإملاءات الأميركية والإسرائيلية”، محذرًا من أن “استمرار الحكومة بهذه الصيغة يعكس عدم أمانتها على سيادة لبنان”، ودعا “الحكومة إلى التراجع عن هذا القرار”.

وقد برز أيضًا موقف متقدّم للرئيس العماد إميل لحود حول قرارات سحب السلاح، حيث اعتبر أن “الكلام عن سحب سلاح المقاومة في هذا التوقيت مستغرَب جدًا، إذ إن تسليم السلاح في خضمّ المعركة يُعدّ خيانة بالمفهوم العسكري”، وتابع “من المُسلَّم به أن يقوم الجيش بمهمة الدفاع عن الوطن، ونحن أكثر من يعرف مناقبيّته ووطنيته، ولكن على الدولة أن تسلّحه، علمًا أنه ممنوع من التسلّح لمواجهة العدو”، وأضاف “حين يوافقون على تسليح الجيش، من دون قيد أو شرط، نقبل بمناقشة تخلّي المقاومة عن سلاحها…”.

ما يطرح تساؤلات جدية: هل ما جرى في الحكومة يندرج فقط في إطار اللاميثاقية ومخالفة الدستور، أم أن الأمر يتجاوز ذلك ليصل إلى مستوى خيانة الوطن في زمن الحرب؟

المصدر: موقع المنار

أخبار متعلقة :