اليوم الجديد

بعد حذف الأصفار: هل يشهد السوريون ليرة أقوى أم أزمة أعمق؟

نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
بعد حذف الأصفار: هل يشهد السوريون ليرة أقوى أم أزمة أعمق؟, اليوم الاثنين 25 أغسطس 2025 08:32 صباحاً

لطالما كانت العملات الوطنية مقياساً للقوة الاقتصادية والاستقرار المالي لأي بلد. وفي ظل التحديات التي تواجه الاقتصاد السوري، يبرز توجه المصرف المركزي لـحذف أصفار من العملة الوطنية كإجراء فني يهدف إلى تسهيل التعاملات النقدية اليومية.

هذا الإجراء، الذي يأتي في سياق محاولات لإعادة هيكلة النظام النقدي، يثير العديد من التساؤلات حول جدواه وتأثيره على المدى الطويل. إنّ هذه الخطوة تضع الاقتصاد السوري أمام مفترق طرق، حيث يرى خبراء أن حذف الأصفار أو إضافتها بحد ذاته لا تأثير له على الاقتصاد بشكل عام، بينما يرى آخرون أنها لن تكون كافية لمعالجة المشاكل الهيكلية.

فبينما تُشير التجارب العالمية إلى أن فعالية هذا الإجراء ترتبط بوجود إصلاحات اقتصادية شاملة، يظل التساؤل قائماً حول ما إذا كانت هذه الخطوة ستنجح في إعادة الثقة بالليرة، أم أنها ستزيد من تعقيد الأزمة.

تأكيداً على توجه المصرف المركزي نحو إعادة هيكلة النظام النقدي، نقلت وكالة الأنباء السورية الرسمية (سانا) عن حاكم المصرف المركزي، عبد القادر حصرية، تصريحات تشير إلى وجود "خطة قيد الإعداد وهي في مراحل متقدمة لطرح عملة نقدية جديدة لسوريا".

وفقاً لتصريحاته، فإن هذه الخطوة تهدف بشكل أساسي إلى تطوير البنية النقدية وتسهيل التعاملات اليومية، وبين حصرية أن الهدف الأساسي هو تحسين جودة الأوراق النقدية المتداولة وضمان تلبية احتياجات السوق، وقال: "سيتم إدخال العملة الجديدة إلى التداول بشكل أصولي وفق أحكام قانون مصرف سورية المركزي رقم 23 لعام 2002، ولن تكون هناك انعكاسات سلبية على قيمة العملة الوطنية.

 وأوضح أن هناك تجارب عالمية ناجحة مشابهة لذلك مثل التجربة الفرنسية في إصدار الفرنك الجديد مع بزوغ فجر الجمهورية الفرنسية الخامسة في العام 1958. وستكون الكميات المطبوعة من العملة الجديدة مدروسة بدقة بما يتناسب مع متطلبات الاقتصاد الوطني وفق الدكتور الحصرية.

وأشار إلى أنه سيتم طرح العملة عبر مراحل، في المرحلة الأولى يتم تداولها بشكل تدريجي إلى جانب الفئات الحالية، دون أن يؤدي ذلك إلى سحب أو إلغاء أي فئات متداولة حالياً، وفي المرحلة الثانية يبدأ التبديل، وفي المرحلة الثالثة يصبح التبديل حصراً عن طريق مصرف سورية المركزي.

وتأتي تصريحات المصرف المركزي لتؤكد ما تم تداوله في تقارير صحفية سابقة، حيث كانت وكالة" رويترز" قد ذكرت قبل أيام، نقلاً عن مصادر مطلعة ووثائق، أن السلطات السورية في مراحل متقدمة لتطبيق إجراء حذف صفرين من العملة.

ميزات العملة الجديدة

تتميز العملة الجديدة وفق خطة المصرف المركزي بمواصفات فنية عالية وتقنيات حديثة مضادة للتزوير، مما يسهم في تعزيز الثقة بالعملة الوطنية، بحسب وكالة الأنباء (سانا)، حيث ستؤدي العملة الجديدة إلى:

  • تبسيط المعاملات
  • مزيد من السيطرة على التضخم وتسهيل التعاملات
  • رفع الثقة بالنظام المصرفي
  • تعزيز الاستقرار النقدي
  • دعم النمو الصناعي
  • تعزيز قوة الدولة وتعزيز ثقة المواطنين بالعملة
  • حماية صغار المودعين
  • التمهيد لإصلاحات اقتصادية أوسع

طباعة الأوراق النقدية

وستُطبع الأوراق النقدية الجديدة لدى مصدرين أو ثلاثة مصادر دولية موثوقة، وباستخدام أحدث التقنيات المضادة للتزوير، مما يعزز موثوقية التداول ويحمي حقوق المتعاملين، وفقاً لحاكم مصرف سوريا المركزي، الذي أكد أن إصدار العملة الجديدة هو إجراء فني وتنظيمي ضمن إطار السياسة النقدية لمصرف سورية المركزي، وهو لا يرتبط بزيادة الكتلة النقدية في السوق، وإنما يهدف إلى تحسين إدارة التداول النقدي وتسهيل عمليات الدفع والشراء، بينما ذكر خبر "رويترز أن شركة روسية ستتولى طباعة العملة الجديدة.

وتاريخياً، شهدت العديد من الدول تجارب مماثلة لحذف أصفار من عملاتها، بهدف احتواء التضخم أو تسهيل المعاملات. ففي تركيا على سبيل المثال، تم حذف ستة أصفار من الليرة التركية في عام 2005 في محاولة لإنهاء حقبة من التضخم المفرط. وفي البرازيل، قامت الحكومة بحذف أصفار من عملتها عدة مرات في فترات مختلفة. وتُظهر هذه التجارب أن نجاح مثل هذه الخطوات يعتمد بشكل كبير على وجود إصلاحات اقتصادية شاملة ومستدامة، وليست مجرد إجراءات فنية، بحسب خبراء يشددون على أن حذف الأصفار دون معالجة الأسباب الجذرية للتضخم قد يؤدي إلى عودة الأصفار في نهاية المطاف.

ديروان: لا تأثير لحذف الاصفار على الاقتصاد

في حديثه لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية" قال الخبير الاقتصادي، الدكتور مازن ديروان، مستشار أول وزير الاقتصاد والصناعة السوري: "حذف الأصفار أو إضافتها بحد ذاته لا تأثير له على الاقتصاد بشكل عام. ما يؤثر هو حجم الكتلة النقدية مقابل الناتج القومي ومخزون المصرف المركزي من القطع النادر والذهب".

وأضاف: "الفرق الوحيد هو تسهيل التعامل بالليرة لتصغير الأرقام. هذا يعني يمكن إجراء إصلاح اقتصادي فعال دون تغيير عدد الأصفار، ويمكن تغيير عدد الأصفار دون إجراء إصلاح اقتصادي".

بالنسبة لموضوع الإصلاح الاقتصادي، يرى الدكتور ديروان أن هذا العمل بدأ لحظة تحرير دمشق حيث بدأ تحرير الاقتصاد أيضاً، مشيراً إلى أن "تعديل قانون الاستثمار واعتماد قانون ضريبي مبسط (لم يتم تطبيقه بعد) وتخفيض الجمارك والسماح بالاستيراد وإلغاء منصة النصب والاحتيال التي وضعها النظام البائد وغيرها من الإجراءات جميعها تصب في حقل الإصلاح الاقتصادي".

وأكد الدكتور ديروان أنه "مازال أمام الحكومة ما يجب أن تفعله لإتمام عملية الإصلاح الاقتصادي، ولكن ما تم إنجازه إلى الآن يعتبر كبيراً في جميع المقاييس إذا أخذنا بعين الاعتبار حجم التغييرات والمدة الزمنية التي لم تتجاوز السبعة أشهر".

المصبح: حذف الأصفار لا يُنهي الأزمات الاقتصادية المعقدة

بدوره، قال الخبير الاقتصادي الدكتور عماد الدين المصبح، أستاذ الاقتصاد في كليات الشرق العربي، في حديثه لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية": "لا شك أن إزالة الأصفار، بحد ذاتها، تُعد إجراءً صحيحاً وسليماً من الناحية التنظيمية. هي خطوة تهدف إلى تبسيط التعاملات اليومية، وتسهيل إدارة الكتلة النقدية المتضخمة، وتُخفف من عبء الأرقام الفلكية التي تُرهق الحسابات.

وأضاف: "لكن، هل هي كافية وحدها لإنقاذ الليرة؟ الإجابة المختصرة وبحزم.. لا، إنها ليست عصا سحرية تُنهي الأزمات الاقتصادية المعقدة. فنجاح هذه الخطوة يرتكز كلياً على بيئة اقتصادية وسياسية مستقرة، تتطلب إصلاحات هيكلية عميقة تتجاوز مجرد تغيير واجهة العملة"، وأشار إلى هذه الإصلاحات وفقاً لمايلي:

  • تعزيز الإنتاج: في قطاعات الزراعة والصناعة والطاقة، ليكون لدينا اقتصاد حقيقي يُولّد الثروة.
  • إصلاح ضريبي جذري: يُحارب التهرب ويُحقق العدالة، لا أن يُثقل كاهل الملتزمين.
  • ترشيد الاستيراد وتشجيع التصدير: لإعادة التوازن لميزان المدفوعات.
  • الأهم: إعادة دمج كل أشكال الثروة الوطنية ضمن الدورة الاقتصادية الشفافة.

مسكن ألم وتجميل رقمي

 وأوضح الدكتور المصبح أن حذف الأصفار هو أشبه بـ "مسكن آلام" وربما "تجميل رقمي" فعال يُخفف من أعراض التعقيد في التعاملات ويُضفي بعض التنظيم على السيولة النقدية. لكنه يظل إجراءً تقنياً بحتاً، أثره قصير المدى ومحدود في عمقه. فهو لا يلامس جوهر التضخم المتجذر أو اختلال سعر الصرف.

ولفت الخبير الاقتصادي المصبح إلى أنه قبل الإقدام على هذه الخطوة، يجب أن تكون هناك "بوصلة واضحة" ومعايير صارمة لقياس مدى استعداد البيئة الاقتصادية. أبرز هذه المؤشرات الحيوية تتضمن:

  • استقرار التضخم: ألا يتجاوز معدل التضخم السنوي حدود الـ 4-5 بالمئة (لضمان استقرار القوة الشرائية).
  • تحكم في العجز: ألا يتعدى عجز الموازنة العامة 5 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي (لتجنب المزيد من التمويل التضخمي).
  • استقرار سعر الصرف: ضبط تغير سعر الصرف في نطاق لا يتجاوز ±3 بالمئة سنوياً (مؤشراً على استقرار العملة).

تحقيق هذه الأطر يوفر الأرضية الصلبة التي تمنع ظهور آثار جانبية سلبية كبيرة، ويُعطي الإجراء فرصة حقيقية للنجاح.

التوقيت والإصلاح الشامل مفتاح النجاح

التجارب الدولية، من تركيا إلى البرازيل وغيرها، تُقدم لنا درساً حاسماً: النجاح في مثل هذه الخطوة لم يكن محصناً إلا عندما اقترن بانضباط مالي ونقدي صارم، وإدارة رشيدة لتوقعات التضخم، إلى جانب إصلاحات إنتاجية حقيقية.، بحسب الدكتور المصبح.

وتابع: "نجحت تركيا في حذف ستة أصفار عام 2005، ليس بسبب عبقرية الإجراء، بل لأنه كان تتويجاً لسنوات من الانضباط المالي الصارم، ومكافحة التضخم، وإصلاحات هيكلية عميقة أعادت الثقة باقتصادها. الدرس المستفاد لسوريا واضح: التوقيت هو كل شيء، التوقيت ليس مجرد تفصيل، بل هو حجر الزاوية، والربط بحزمة إصلاحات اقتصادية شاملة هو الشرط الأوحد لتحقيق نتائج مستدامة لا تتبخر مع مرور الوقت.

آلية التنفيذ

وذكر الدكتور المصبح أنه في حال تقرر المضي قدماً، فإن آلية التنفيذ تتطلب "خارطة طريق" واضحة ومُعلنة:

  • استبدال تدريجي للعملة القديمة بالجديدة ضمن جدول زمني محدد.
  • فترة تداول مزدوجة محدودة (القديمة والجديدة معاً) لضمان سلاسة الانتقال.
  • سحب منظم وشفاف للأوراق النقدية الملغاة.
  • يبقى الأثر المباشر على السيولة وسعر الصرف محدوداً ومؤقتاً، ما لم يُدعَّم، كما أسلفنا، بخطوات إصلاحية أعمق.

أخبار متعلقة :