اليوم الجديد

حسين عبدربه يكتب: أزمة رسوم الساحل الشمالي

في أزمة فرض الحكومة رسومًا على مشروعات التطوير العقاري بالساحل الشمالي؛ لا يختلف أحد على حق الدولة في أن تفرض ما تراه من رسوم أو أن تقر ضوابط لتنظيم العمل في هذه المناطق، ولكن المشكلة تكمن في الآثار المترتبة على تطبيق هذه القرارات، خاصة أنها تنص على تطبيقها بأثر رجعي، وهنا مكمن الخطورة.

فمن غير المنطقي أن يُنفذ القرار على مشروعات قديمة نُفذت وتم تسليمها، وأصبح لها مراكز قانونية مستقرة لأصحابها، الذين قد يتعددون إذا ما نظرنا إلى أن بعضهم قد باع وحداته. فلماذا نخلق نزاعًا بين مالك الأرض والمطور، في حين أن كلًّا منهما قد أنهى عمله وانتهى الأمر؟ وبالتأكيد فإن أصحاب هذه المشروعات سددوا كل ما طلبته هيئة المجتمعات العمرانية من رسوم، فضلًا عن الضرائب المستحقة على أرباح تلك المشروعات.

أخطر ما في هذه القرارات هو التطبيق بأثر رجعي، وهو أمر لا يقبله أي مستثمر لأنه يضر بمناخ الاستثمار، إذ يجعله مهددًا في أي وقت بقرارات قد تمس استثماراته. والثقة في مناخ الاستثمار تتطلب استقرارًا تشريعيًا وتنظيميًا فيما يخص الرسوم والضرائب. لذلك قد يكون مقبولًا أن يُطبق القرار على المشروعات الجديدة أو التي ما زالت قيد التنفيذ، أما التطبيق بأثر رجعي فيحدث اضطرابًا في السوق، ويهدد مراكز قانونية مستقرة، ويضر بمناخ الاستثمار بالنسبة لأي مشروعات جديدة.

من المؤكد أن الدولة ترى أن القطاع العقاري هو الأعلى ربحية بين قطاعات الاقتصاد، من حيث حجم المبيعات والأرباح التي تحققها الشركات بالمليارات. ومن ثم أصبح هذا القطاع في بؤرة اهتمام بعض أجهزة الدولة التي ترى أن الدولة تعرضت للغبن، إذ باعت الأراضي بأسعار متدنية مقارنةً بالأسعار التي يبيع بها المطورون الوحدات، التي تقترب من 100 مليون جنيه وقد تتجاوزها أحيانًا. وقد يكون هذا مقبولًا إذا أعلنت الحكومة أنها ستراعي في آليات تسعير المشروعات الجديدة القفزات السعرية لأسعار الوحدات.

وعلى الحكومة أن تحصن قراراتها قانونيًا، وإلا فمن السهل جدًا الطعن عليها، مما يعني إضرارًا بمناخ الاستثمار الذي تسعى الدولة جاهدًة إلى تحسينه، وهو ما تحقق بالفعل في الآونة الأخيرة. لذلك فمن الضروري أن تفتح الحكومة حوارًا مع منظمات الأعمال ذات الصلة بموضوع القرار، حتى يمكن أن يجد هذا القرار مسارًا صحيحًا قابلًا للتطبيق دون أن يضر بالمتعاملين في هذا القطاع. ومن هنا تبرز الحاجة إلى حوار منطقي بين الحكومة والمطورين لإيجاد صيغة وسط توازن بين حق الدولة في تنظيم السوق وفرض الرسوم المستحقة، وبين أهمية الاستقرار الاستثماري، خصوصًا في هذا القطاع الذي يمثل واجهة استثمارية جاذبة.

ويجب النظر إلى أنه إذا كانت الدولة تسعى لتوفير سيولة من خلال هذه القرارات، فإن عليها في المقابل أن تدرك أنها ترفع تكلفة دخول مستثمرين جدد، عبر ما تبعثه من إشارات سلبية بقرارات تضر بمناخ الاستثمار.

إن مثل هذه القرارات لا يجب أن يُنظر إليها على أنها تخص القطاع العقاري فقط، بل تخص مناخ الاستثمار بوجه عام. فلا ينبغي أن تكون الحكومة قصيرة النظر في سعيها لتحصيل رسوم، مهما كان حجمها، إذا كان ذلك سيؤدي إلى فقدان مشروعات جديدة قد تتجاوز قيمتها أضعاف ما ستحصل عليه من هذه الرسوم.

والأهم أن ندرك أننا نواجه منافسة شرسة من الدول المجاورة فيما يخص فرص الاستثمار، وتحديدًا في القطاع العقاري والمشروعات السياحية، وهذه دول ليست في حاجة ملحة لتلك الفرص مثلنا. لذا لا بد أن نفكر تفكيرًا استراتيجيًا في مثل هذه القضايا، فنحن لا نخاطب السوق المحلي فقط، بل نخاطب مستثمرين عربًا وأجانب، ونؤكد لهم أن لدينا فرصًا استثمارية في كل القطاعات، والأهم أن لدينا مناخًا استثماريًا جاذبًا، لا يضع في تشريعاته وقراراته عبارة: “يسري هذا القرار بأثر رجعي”.

أخبار متعلقة :