أكد شريف العطفي، رئيس قطاع الطاقة بمكتب «التميمي ومشاركوه»، أن مصر قادرة على قيادة موجة استثمارات ضخمة فى قطاع الطاقة والتعدين.
قال العطفي في حوار لـ”البورصة”، إن ثمة فرصة هائلة أمام المستثمرين المحليين والأجانب فى هذا القطاع، لافتا إلى منطقة شرق المتوسط التى تحولت خلال السنوات الأخيرة إلى أحد أهم المراكز الواعدة عالميًا في مجال الغاز الطبيعي، خصوصا مصر إذ أصبحت تمتلك فرصة استراتيجية غير مسبوقة للعب دور محوري في تأمين إمدادات الطاقة لأوروبا.
أضاف أن توقف الإمدادات الروسية من الغاز الطبيعي إلى أوروبا بسبب تداعيات الحرب مع أوكرانيا، جعل الأسواق الأوروبية تبحث عن بدائل قريبة جغرافيًا وذات بنية تحتية قادرة على الوفاء باحتياجاتها الضخمة، وهو ما يتوافر في مصر بفضل محطتي إدكو ودمياط للإسالة، إذ تبلغ الطاقة الإنتاجية للأولى نحو 7.2 مليون طن سنويًا، فيما تصل قدرة الثانية إلى 5 ملايين طن سنويًا.
وأكد العطفي، أن هذه الميزة التنافسية لا تقتصر فقط على استغلال إنتاج مصر المحلي من الغاز، وإنما تمتد لإعادة تصدير الغاز القادم من دول مجاورة مثل قبرص وغيرها، ما يمنح البلاد دورًا إقليميًا في ترانزيت الطاقة.
وأضاف أن عقود التصدير القائمة يمكن أن تتضاعف خلال الأعوام المقبلة إذا ما استمرت أوروبا في الاعتماد على شرق المتوسط كمصدر بديل طويل الأجل، خاصة في ظل استمرار حالة عدم اليقين السياسي والاقتصادي التي تحيط بالعلاقات الروسية الأوروبية.
وأشار العطفي إلى أن شهية المستثمرين الدوليين في قطاع الغاز المصري ودخول شركات البترول العاملة فى قطاع الطاقة المصري تتزايد مع كل جولة ناجحة من المزايدات العالمية للتنقيب، مؤكدًا أن الاكتشافات الكبرى مثل حقل «ظهر» ساعدت على تغيير الصورة الذهنية عن مصر من دولة مستوردة إلى دولة مصدرة للطاقة.
وأوضح أن هذه التحولات دفعت الحكومة إلى العمل على تحسين بعض الاتفاقيات البترولية وإعادة هيكلة اتفاقيات الالتزام للبحث عن الغاز والزيت الخام بهدف خلق بيئة أكثر جذبًا للمستثمر الأجنبي، ما يساهم في تسريع خطط زيادة الإنتاج والتوسع في الاستكشاف.
ولفت إلى أن التعاون الإقليمي بين مصر وقبرص واليونان بات أحد المفاتيح الرئيسة لمستقبل الغاز في المنطقة، خاصة مع وجود حقول مشتركة أو متجاورة تحتاج إلى اتفاقيات ثنائية أو ثلاثية لضمان استغلالها الأمثل، وهو ما يجعل الدبلوماسية الاقتصادية عاملاً لا يقل أهمية عن القدرات الفنية في هذه المرحلة.
الطاقة المتجددة والهيدروجين: فرص ضخمة.. وتحديات الشبكة القومية
أوضح العطفي أن مصر وضعت لنفسها هدفًا طموحًا يتمثل في رفع مساهمة الطاقة المتجددة إلى 42% من إجمالي مزيج الطاقة بحلول عام 2030 مع إمكانية المد، وهو ما يفتح الباب أمام استثمارات بمليارات الدولارات في مجالات الرياح والطاقة الشمسية.
وأشار إلى أن مشروعات كبرى مثل مشروع «أكوا باور» السعودي بقدرة 2 جيجاوات في مجال الرياح تعكس حجم الثقة التي يبديها المستثمرون في السوق المصرية، خاصة في ظل موقعها الجغرافي الذي يمنحها ميزة طبيعية لتوليد الكهرباء من مصادر نظيفة.
لكن العطفي شدد على أن التوسع في هذه المشروعات لا يمكن أن يحقق أهدافه المرجوة ما لم يتزامن مع تطوير للشبكة القومية للكهرباء.
وأوضح أن العديد من المشاريع واجهت تحديا فى تنفيذ برامج استثماراتها بسبب عدم قدرة الشبكة على توصيل الطاقة المتجددة الناتجة عن الهيدروجين بكفاءة إلى السوق المحلية أو التصديرية، ما دفع بعض الشركات إلى التفكير في الاعتماد على التوصيل الذاتي وهو ما يزيد التكلفة ويؤثر على الجدوى الاقتصادية.
وفيما يخص الهيدروجين الأخضر، أشار العطفي إلى أن مصر خطت خطوة مهمة بإصدار القانون رقم 2 لسنة 2024، الذي يمنح حوافز نقدية تتراوح بين 33% و55% من قيمة الضريبة المسددة للمشروعات العاملة في هذا المجال.
ورأى أن هذه الحوافز تمثل عامل جذب مهم، لكنها غير كافية بمفردها لإحداث نقلة نوعية، إذ إن الجدوى الاقتصادية لمشروعات الهيدروجين الأخضر لا تزال محدودة عالميًا وتعتمد بشكل أساسي على المنح والتمويل الميسر.
وأضاف أن الهيدروجين الأزرق، القائم على الغاز الطبيعي مع تقنيات احتجاز الكربون، يعد أكثر جدوى على المدى القصير، وهو ما يجعل شركات البترول تميل إليه كخيار واقعي يمكن أن يحقق عوائد مالية في ظل البنية التحتية القائمة.
وأكد أن دمج الهيدروجين الأزرق مع التوسع في الطاقات المتجددة قد يكون المدخل الأكثر توازنًا لتحقيق انتقال طاقي تدريجي يلبي الاحتياجات الاقتصادية والبيئية في آن واحد.
استرداد التكاليف واحتجاز الكربون: الحاجة إلى مرونة تشريعية
أشار العطفي إلى أن أحد أكبر التحديات التي تواجه المستثمرين في قطاع الطاقة في مصر هو آلية استرداد التكاليف، موضحا أن شركات البترول العالمية تعتمد على أن تُعترف تكاليف استثماراتها ضمن «المصروفات القابلة للاسترداد» من العوائد المستقبلية.
وأشار إلى أن المستثمرين يطالبون بتطبيق النصوص القانونية كما هي دون تعقيدات إضافية أو اشتراطات مسبقة تعطل سير العمل، مع وجود آليات مراجعة لضمان الشفافية، موضحًا أن طول دورة الموافقات قد يتسبب فى زيادة تكاليف الشركات
البيئة التشريعية وتحديات الموافقات: المستثمرون يطلبون سرعة التنفيذ
أكد العطفي أن وضوح البيئة التشريعية وسرعة الإجراءات يمثلان شرطين أساسيين لزيادة جاذبية مصر أمام الاستثمارات الأجنبية في الطاقة.
وأوضح أن كثيرا من الشركات الدولية تفضل تطبيق القانون العام الإنجليزي في اتفاقيات التشغيل المشتركة لأنه يمنح وضوحًا أكبر في الجوانب التجارية الدولية؟.
وشدد على أن وجود استراتيجية تسويق دولية للفرص الاستثمارية في الطاقة سيكون عاملًا مهمًا لجذب رؤوس الأموال الأجنبية، خاصة إذا تم ذلك بالتعاون مع بنوك استثمار عالمية قادرة على إبراز مزايا مصر التنافسية.
وأكد العطفي، أن برنامج الطروحات الحكومية ووثيقة ملكية الدولة يمثلان ركيزتين رئيسيتين لتوسيع دور القطاع الخاص في الاقتصاد.. لكنه أشار إلى أن الاستفادة القصوى منهما تتطلب شفافية أكبر ووضوحًا في آليات التنفيذ.
التعدين: فرصة للاقتصاد ومساهمة متوقعة بـ6% في الناتج المحلي
انتقل العطفي للحديث عن قطاع التعدين، معتبرًا أنه يمثل «فرصة واعدة» حقيقي للاقتصاد المصري في المرحلة المقبلة.
وأوضح أن مساهمة القطاع لا تزال متواضعة عند نحو 1% من الناتج المحلي، لكن الدولة تستهدف رفعها إلى ما بين 5% و6% بحلول 2030 من خلال تطوير التشريعات وجذب الاستثمارات الأجنبية.
وأشار إلى أن التعديلات التشريعية وتحويل هيئة الثروة المعدنية إلى هيئة اقتصادية يعد خطوة مهمة لأنها تمنحها مرونة أكبر في التعامل مع المستثمرين، كما أن طرح اتفاقيات امتياز على غرار قطاع البترول يعزز من ثقة الشركات العالمية ويمنحها رؤية طويلة الأجل.
وسلط الضوء على الفرص الواعدة في خامات استراتيجية مثل الفوسفات إلى جانب الذهب الذي يمثل مادة أساسية لصناعة الأسمدة، والرمال الزجاجية عالية الجودة الموجودة بالقرب من الزعفرانة والتي تدخل في صناعة الزجاج، معتبرًا أن استغلال هذه الموارد يمكن أن يدر عملة صعبة ويخلق صناعات تحويلية جديدة.
أضاف أن مكتب «التميمي ومشاركوه» يولي اهتمامًا متزايدًا بقطاع التعدين، ويعمل على عدد من الصفقات الخاصة بتمويل مشاريع مرتبطة به، مؤكدًا أن المكتب يمتلك خبرة إقليمية واسعة بفضل وجوده في أسواق مثل السعودية والكويت والأمارات، وهو ما يمنحه قدرة على ربط الاستثمارات العابرة للحدود بخبرة قانونية متخصصة.
واختتم قائلاً: «الفرصة موجودة، شرق المتوسط يطلب الغاز، ومصر لديها البنية والإرادة، والمطلوب فقط أن يسبق التنظيم سرعة السوق».
أخبار متعلقة :