الكوفيون المغاربة لا يغردون خارج السرب لسببين؛ الأول أنهم لا يغردون أصلا؛ بل ينعقون مثلما تنعق الغربان أو أسوأ، والثاني أنهم لا يفعلون ذلك خارج السرب؛ بل خارج العالم الواقعي الذي نعيش فيه؛ لهذا السبب نجد "العالم الموازي"، كما وصفهم جلالة الملك، يتقصى أخبارهم عن قرب، وينشر صورهم عن كثب، ويغطي تظاهراتهم "العارمة" لحظة بلحظة، ويذيع نضالاتهم "النبيلة" التي تدعو لإسقاط المخزن.
في الجهة المقابلة، يتفاجأ المصطافون المغاربة على شواطئ تطوان الحبيبة، وعلى بعد بضعة أمتار عنهم فقط، بالطلة البهية لجلالة الملك وهو يمارس هواية "الجي تسكي" المفضلة لديه، بمعية ولي العهد، وشقيقته الأميرة المحبوبة، في مشهد عظيم يصور الكوفيين وكأنهم مجرد أقزام في مملكة العمالقة، كما يصور حركاتهم البهلوانية وكأنها مجرد عروضٍ هزيلة لقرد مبتدئ في سيرك مهجور.
كثير من الوطنيين المخلصين مندهشون من تسامح الدولة مع شرذمة "عزيز هناوي"، و"عزيز غالي"، و"أحمد يحمان"، و"حسن بناجح"، وكثير من الوطنيين مستاؤون أحيانا لحد القرف، من ألاعيب الصبيان التي يلعبونها مع دولة متجذرة في أعماق الشعب، قبل أن تكون متجذرة في أعماق التاريخ؛ إلا أنني لا أتقاسم مع هؤلاء الوطنيين المخلصين هواجسهم النبيلة ومخاوفهم المشروعة؛ بل بالعكس تماما، فوجود هؤلاء "الكوفيين"، أبناء "إيران" البررة، والذين يُعدون على رؤوس الأصابع، هو الدليل القاطع على أننا ننعم بمنسوب حرية لا يضاهيه إلا مستوى الحرية في دول الغرب، وأننا قطعنا أشواطا في بناء دولة قوية وحديثة لا تكترث لشرذمة رأس مالها في النضال لفّ الكوفية حول العنق، ورفع شعارات مضللات تم نسج مَتْنِها بالليل.
العجيب في الأمر، أن "الكوفيين" المغاربة غير كل "كوفيي" الكرة الأرضية؛ فهم الوحيدون في العالم من يتظاهرون في اليوم الواحد مرتين، وهم الوحيدون من يحتجون على دولتهم في نفس التوقيت التي بدأت فيه مخابز غزة في الاشتغال، بعدما أدخلت المملكة المغربية الشريفة، عبر البر والجو، عشرات الأطنان من المساعدات لإغاثة غزة المنكوبة، وهم الوحيدون الذين يرغدون ويزبدون بالتزامن مع التدخل القوي للسلطات المغربية، لإخلاء سبيل الصحافي المغربي "محمد البقالي" من قبضة الجيش الإسرائيلي الغاشم على إثر محاولته فك الحصار؛ في حين نجد "كوفيي" الجزائر، على سبيل المثال فقط، يصطفون، بكل ما أوتوا من قوة ومن حزم، مع دولتهم المتهالكة لمنع المظاهرات المساندة لفلسطين، كما يقفون جنبا إلى جنب معها، للنيل من الوحدة الترابية لمملكتنا الشريفة.
لهذا السبب العجيب، ولأسباب أخرى يطول ذكرها، أدعو لإعلان هؤلاء "الكوفيين" منتوجا مغربيا خالصا، وإرثا حضاريا وإنسانيا، وأدعو لتسجيله في "اليونسكو" باسم المغرب حتى لا يتم السطو عليه، كما أحث السلطات المغربية للقيام بما يلزم من أجل حمايته من الانقراض.
أخبار متعلقة :