اليوم الجديد

لبنان الرسمي... الى الغرب درّ!

لم يعد خفياً ان ​لبنان​ الرسمي اصبح موجوداً في ملعب الغرب، وان الشرق بات بالنسبة اليه على مسافة بعيدة، وبعيدة جداً. ومن لا يزال يشكك في هذا الكلام، ما عليه سوى قراءة البيانات الرسمية الصادرة عن رئاستي الجمهورية والحكومة، بعد زيارة امين المجلس الاعلى للامن القومي الايراني علي لاريجاني لكل من رئيس الجمهورية العماد جوزاف عون ورئيس الحكومة نواف سلام. وحده رئيس مجلس النواب نبيه بري كان اكثر توازناً في التعاطي مع المسؤول الايراني، فيما كان وزير الخارجية يوسف رجي قد بالغ في التعاطي مع الموضوع ونسي انه يمثل الدبلوماسية اللبنانية، مكتفياً بتمثيله "القوات اللبنانية"، ومطلقاً موقفاً لا يمت الى الدبلوماسية بصلة، فيما كان بامكانه التعبير عن موقفه المعارض للتدخل الايراني بالشؤون اللبنانية بأسلوب ارقى واذكى، على غرار ما فعل كل من رئيسي الجمهورية والحكومة.

مشهد المهللين والمؤيدين لما سمعه لاريجاني في بعبدا والسراي الكبير، ناقضه مشهد استقباله من قبل عدد من المواطنين على طريق المطار، وامام مرقد الامين العام السابق ل​حزب الله​ السيد حسن نصر الله، ففعل الحماس فعله وتخطى لاريجاني الغموض الدبلوماسي لصالح الوضوح المقاوم، فدعا بكل بساطة الى استمرار المقاومة واتباع خطى السيد نصر الله الذي يعتبره قسم كبير من الطائفة الشيعية بمثابة رمز ومثال يحتذى به، بعد ان كان تحدث عن دعم ايران وتأييدها لما يتخذه لبنان من مواقف وقرارات، وما توافق عليه الحكومة اللبنانية.

مشهدان في اليوم نفسه وبفارق ساعات قليلة، على ارض لبنانية، عبّرا عن عمق الشرخ الذي يصيب المجتمع اللبناني، وعكسا مدى حراجة الوضع بالنسبة الى مسألة حصر السلاح بيد الدولة، واظهرا أنه، وفقاً للمسار الحالي، فإنّ الامور غير محسومة بعد في ما خص هذا الملف، ولو ان القرار اتخذ ولا رجوع عنه، انما تبقى آلية تنفيذه هي الاساس، وكيفية الوصول الى حل يرضي الجميع من دون الغرق في الوحول ومستنقعات الخلافات والمواجهات بين اللبنانيين. لم يعد هناك من شك ان الدولة اللبنانية تأثرت بما تجرّعته من معنويات ودعم معنوي من قبل الغرب وبالاخص ​الولايات المتحدة​ الاميركية، والكلام الذي يصدر (وسيصدر) بعد اللقاءات التي يجريها المبعوث الاميركي توماس براك مع المسؤولين اللبنانيين، تتحدث عن نفسها ولا يمكن مقارنتها من حيث الحدية او القوة مع ما صدر بعد اللقاء مع لاريجاني. اما المفارقة الكبرى فتكمن في انه لو التقى براك ولاريجاني، لكانت الحصيلة بياناً متوازناً غني بالدبلوماسية والكلمات المختارة بعناية، ومن يمكنه ان ينسى "الغزل" الذي ساد في خضم حرب الـ12 يوماً بين ايران واسرائيل، والتي تدخلت فيها واشنطن بشكل مباشر، وكان التنسيق في اعلى درجاته بين القيادتين الاميركية والايرانية حول العديد من النقاط...

التباين في المواقف الشعبية اللبنانية، يضع الفترة المتبقية التي اعطتها الحكومة لكل من الجيش اللبناني (لاعداد ورقة رؤيته لكيفية تنفيذ حصر السلاح) وتنتهي بعد اسبوعين، ولنفسها كي تنهي هذا الملف (نهاية السنة الحالية) على نار حامية، مع توقعات مفتوحة على كل الاحتمالات، في ظل كثرة الحديث عن ضربة هنا او هناك لا بد منها لـ"تنفيس الاحتقان" وتمهيداً لعودة الوضع الى ما كان عليه. فهل سنكون امام دولة "الموقف من لاريجاني"؟ ام امام مشهد شعبية حزب الله والتمسك بالمقاومة حتى الرمق الاخير؟ في الحالتين، ستستمر الضغوط الخارجية على لبنان ورفض شريحة من اللبنانيين التخلي عن السلاح، يلعبان بأعصاب المواطنين وبمستقبل هذا البلد، الى ان تنجلي الامور تماماً، ليس على الساحة اللبنانية، بل على الساحة الاقليمية بالتحديد، لذلك من المهم جداً متابعة ما يجري في سوريا، وتطورات الوضع في اسرائيل، لاستشراف آفاق ما سيحصل في لبنان.

أخبار متعلقة :