اليوم الجديد

هل يقود التخصيب الصفري إلى اتفاق نووي أم انفجار إقليمي؟

نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
هل يقود التخصيب الصفري إلى اتفاق نووي أم انفجار إقليمي؟, اليوم الثلاثاء 27 مايو 2025 05:28 صباحاً

من جهة، يُلمّح الرئيس الأميركي دونالد ترامب إلى اختراق محتمل في المحادثات مع طهران، ويتحدث عن "أخبار إيجابية قريبة"، فيما تقابل إيران هذه الإشارات بكلمات لا تخلو من الصلابة والتحذير، مؤكدة أنها لن تتراجع عن حقها في تخصيب اليورانيوم تحت أي ظرف.

وبين هذه المعادلة المرهقة، تتشابك خيوط الدبلوماسية والتهديدات، وتدخل الوساطات الإقليمية على الخط في محاولة لوقف التدهور، دون أن تنجح في إذابة جليد الشكوك المتبادلة.

صراع التخصيب: جوهر الأزمة النووية

لطالما شكل ملف تخصيب اليورانيوم لبّ الأزمة النووية بين إيران والغرب، إلا أن التصعيد الأخير يعكس نقطة تحول خطيرة.

ففي وقت يؤكد فيه الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان أن بلاده "لن تتراجع حتى لو فُرضت عقوبات جديدة"، ويشدد على "القدرة الذاتية لإيران في امتلاك التكنولوجيا النووية"، تحذر العواصم الغربية من أن استمرار التخصيب بنسبة مرتفعة يعني عمليًا الاقتراب من العتبة النووية.

من جهة أخرى، يُقرّ وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي بانفتاح بلاده على مقترح أميركي لإنشاء مركز إقليمي للتخصيب، لكنه يؤكد في الوقت ذاته أن إيران تدرس المقترحات "بعناية" وتتمسك "بحقها السيادي"، ما يعكس ثنائية إيرانية بين الانفتاح المرحلي والثوابت الصلبة.

تفكيك خطاب الصراع الإقليمي والدولي

في حديثه التحليلي لـ"سكاي نيوز عربية"، يطرح الدبلوماسي السابق مجتبي فردوسي بور رؤية عميقة تُفسّر كثيرًا من التحركات الغامضة في الكواليس النووية.

ويقول صراحة: "السياسة الأميركية بشأن التخصيب الصفري ليست استراتيجية نابعة من واشنطن، بل تمليها تل أبيب مباشرة".

هذا التصريح يُسقط القناع عن رواية الادعاء الغربي بأن الملف النووي محصور في قضايا فنية، ويؤكد الطابع الجيوسياسي للصراع.

ويُضيف: "نتنياهو بات أضعف من ذي قبل، وهناك خلافات حادة داخل إسرائيل وداخل الكنيست، وكذلك بين ترامب ونتنياهو". وهو تحليل يحمل أبعادًا عميقة، مفادها أن إسرائيل تسعى للبقاء لاعبًا رئيسيًا في ملف المفاوضات، وإن خارج الطاولة الرسمية.

ترامب بين تفاؤل تكتيكي وضغوط انتخابية

من زاوية أميركية، يقرأ فردوسي بور تصريحات ترامب باعتبارها جزءًا من "استراتيجية إعلامية متناقضة ولكن مدروسة"، تسعى إلى صناعة أجواء تفاؤل مرحلية لتحقيق مكاسب سياسية داخلية.

ويؤكد: "الولايات المتحدة تلعب لعبة العصا والجزرة. هي لا تريد حربًا مكلفة، بل تريد اتفاقًا ثنائيًا دون إشراك أوروبا أو روسيا أو الصين".

وبهذا التفسير، يفكك الدبلوماسي الإيراني السابق مناورة ترامب التي تبدو في ظاهرها ليّنة، لكنها في عمقها تُعيد صياغة الاتفاق النووي بعيدًا عن روح "5+1" الأصلية.

التخصيب الصفري: خط أحمر إيراني لا يقبل المساس

يرفض فردوسي بور بشكل قاطع المقترحات المتعلقة بتجميد التخصيب أو خفض نسبه دون ما تم التوصل إليه في اتفاق 2015.

ويقول بوضوح: "إيران ليست العراق، ولن تتخلى عن طاقتها النووية كما حدث في أوزيراك".

ويُضيف: "إيران تمتلك خبراء وتقنيات متقدمة، وهي لن تنزل عن سقف 3.67 بالمئة مجددًا"، في إشارة إلى مستوى التخصيب الذي التزمت به سابقًا.

هذا الموقف ينسف أي محاولة أميركية لفرض "تجميد تام"، ويضع الغرب أمام معادلة معقدة: إما قبول إيران نووية "مدنية"، أو مواجهة تصعيد قد يقود إلى انهيار الاتفاق والعودة إلى مربع التوتر الأمني.

سناب باك: سلاح أوروبي مؤجل

في خضم هذا السجال، يظهر تهديد الترويكا الأوروبية بتفعيل آلية "سناب باك" (كبح الزناد) إذا لم يتم التوصل إلى اتفاق بحلول أغسطس، وهو ما يعتبره فردوسي بور محاولة ضغط غير مؤثرة، ويقول: "أوروبا ضعيفة ولا تحظى باعتبار كبير لدى البيت الأبيض، والدليل أن ترامب يفضل اتفاقًا منفردًا مع طهران دون تدخل أوروبي".

وبحسب فردوسي بور، فإن واشنطن مستعجلة للوصول إلى اتفاق قبل نهاية مفعول "سناب باك"، مما يجعل من جدول المفاوضات سباقًا سياسيًا أكثر منه تفاوضًا تقنيًا.

الخيار العسكري.. مستبعد وخطير

على الرغم من تصاعد الخطاب العسكري الإيراني مؤخرًا، لا يرى فردوسي بور أن الخيار العسكري مطروح فعليًا، ويعتبره "مكلفًا وغير مضمون النتائج". ويُضيف: "الضربة العسكرية ستدفع إيران للخروج من معاهدة NPT، وهذا ما تخشاه واشنطن أكثر من أي شيء آخر".

ومن هنا، يُفهم التردد الأميركي في التصعيد العسكري على أنه إدراك بأن أي ضربة قد تُفجّر الوضع الإقليمي برمّته، خصوصًا في ظل قدرات إيران الصاروخية وشبكاتها الإقليمية، ما يجعل الخيار العسكري آخر الكوابيس التي لا يرغب أحد في تحقيقها.

رهانات مفتوحة في سباق الزمن النووي

تبدو المفاوضات النووية بين إيران والولايات المتحدة كما لو أنها تسير فوق حبل مشدود، لا يسمح بالسقوط ولا يضمن الوصول.

فبين التفاؤل الأميركي الذي يشوبه الحذر، والتشدد الإيراني الذي لا يعرف التنازل، تتقاطع الملفات المعقدة بدءًا من التخصيب، مرورًا بالعقوبات، وصولًا إلى الصراعات الإقليمية.

وفي ظل تسابق الزمن نحو أغسطس، حيث تلوح أوروبا بعصا "سناب باك"، تبقى الأنظار معلقة على مدى قدرة الطرفين على كسر الجمود، أو الذهاب نحو تصعيد لا تحمد عقباه. تصريح مجتبی فردوسي بور يلقي الضوء على حقيقة جوهرية: المشكلة ليست في التقنية، بل في التوازنات السياسية والاستراتيجية، حيث إسرائيل، وواشنطن، وطهران، وكل طرف لديه خط أحمر لا يريد تجاوزه، لكنه في الوقت ذاته لا يستطيع الثبات عليه إلى الأبد.

وهكذا، يظل سؤال اللحظة الكبرى مطروحًا: هل ينجح التفاوض في تجنب الانفجار، أم أن سباق الطموحات سيحسم النهاية خارج غرف الاجتماعات؟

أخبار متعلقة :