اليوم الجديد

الجبهة الثانية| فيلم المستوطنون.. يوثق الفكر المتطرف للاستيطان اليهودي

منذ بداية حرب الإبادة على غزة وعيون العالم الغربي كلَه على أهلها، الذين وبفعل إجرام جيش العدو حرموا من لقمة العيش وقطعة الأرض. ولكن تلك العيون قليلا ما وقعت على معاناة أهل الضفة الغربية المحتلة الذين يواجهون إحياء جديد للمشروع الاستيطاني الصهيوني الإرهابي ذا قوة وزخم يشابه فيها أيام النكبة.

ذلك إلى أن قرر موثق بريطاني مرموق باسم لويس ثيروكس العودة إلى الضفة لتسليط الضوء على قادة ذاك المشروع، كما فعل في سنة 2010، ليبرهن للجيل الجديد من شعبه الحقيقة الوحشية لتلك الوجوه المظلمة في وثائقي جديد بعنوان “المستوطنون”.

في فيلم لويس ثيروكس: “المستوطنون” وهو فيلم وثائقي جديد على قناة بي بي سي الثانية ومنصة آي بلاير، يسافر ثيروكس إلى الضفة الغربية لاستكشاف النفوذ المتزايد للمستوطنين الإسرائيليين المتطرفين قوميًا، والذين تكثفت أنشطتهم التوسعية – التي تُعتبر غير قانونية بموجب القانون الدولي – في أعقاب هجرة الأقصى عام ٢٠٢٣. ويُتهم المستوطنون، بدعم حكومي وعسكري، باستخدام العنف لتهجير الفلسطينيين، مع وجود خطط تمتد، بحسب التقارير، إلى غزة، حيث قُتل عشرات الآلاف في حرب إبادة جماعية مستمرة. ويهدف ثيروكس، من خلال إعادة تناول مواضيع من فيلمه “الصهاينة المتطرفون” الصادر عام ٢٠١٠، إلى كشف التكلفة البشرية لأيديولوجية المستوطنين، وتقديم تأمل أوسع في القبلية ونزع الصفة الإنسانية.

يركز الفيلم على أفراد مثل آري أبراموفيتش، المستوطن الأمريكي المولد الذي يُعتبر منزله غير قانوني بموجب القانون الدولي، والذي يعتبر نفسه مدافعًا عن الحضارة الغربية. يعتقد أبراموفيتش أن الكتاب المقدس دليل على ادعاء إسرائيل بالأرض، وينكر تمامًا شرعية الدولة الفلسطينية. يتردد صدى هذا الاعتقاد في جميع أنحاء المستوطنات، حيث تُكرر عبارة “فلسطين غير موجودة” بشكل قاطع. والنتيجة هي فيلم وثائقي ليس كشفًا، بل أيديولوجية راسخة، تُسلط الضوء على عقلية العديد من المستوطنين الراسخة.

يتضمن فيلمه الوثائقي الأخير مقابلات مع مستوطنين إسرائيليين وفلسطينيين في الضفة الغربية، مثل الناشطة دانييلا فايس، بهدف استكشاف الدوافع الشخصية والعواقب السياسية للاستيطان. دانييلا فايس، المخضرمة في حركة الاستيطان، التي تُقر صراحةً بدعم الحكومة الضمني لأنشطتهم، حتى مع تحدّي هذه الأفعال للأعراف الدولية. من خلال هذه المحادثات، يكشف الفيلم بشكل غير مباشر عن أجندة دولة تتعارض مع اتفاقيات جنيف. ومع ذلك، يبدو التدخل الدولي غائبًا، وتُقابل محاولات ثيروكس لمناقشة التسوية أو التعاطف بلامبالاة تامة، لا سيما فيما يتعلق بمعاناة الفلسطينيين.

على الجانب الفلسطيني، يُجسّد الفيلم واقع الاحتلال الخانق: جنود الاحتلال المسلحون يضايقون المدنيين، والمراقبة المستمرة، وشبكة من نقاط التفتيش التي تبدو مصممة لاستنزاف الناس. في الخليل، يصطحب عيسى، وهو رجل فلسطيني من سكانها، ثيرو في جولة عبر بلدة شبه مهجورة، كاشفًا عن قمع شبه كامل للحياة اليومية. لحظة عند نقطة تفتيش قرب نهاية الفيلم – حيث يتساءل جندي عن وجود ثيرو في “إسرائيل” – تُلمّح بشكل خفي إلى فكرة الضم الدائم.

كان نمو لويس ثيرو كمخرج أفلام وثائقية ملحوظًا. في تسعينيات القرن الماضي، عُرف باستخدامه سحرًا آسرًا وسذاجة مصطنعة لكسب ثقة الأفراد غريبي الأطوار أو المتطرفين، كاشفًا في كثير من الأحيان عن سخافتهم. عوملت شخصيات مثل العنصريين البيض أو القوميين المسيحيين كشخصيات غريبة أكثر من كونها تهديدات خطيرة، حيث كان ثيرو يُبرز تناقضاتهم لإضفاء طابع كوميدي أو ساخر.

لكن الزمن تغير، وتغير معه ثيرو. منذ عام ٢٠١١ على الأقل، ومع أول فيلم وثائقي له عن المستوطنين الإسرائيليين في الضفة الغربية، سعى إلى مواضيع أكثر ثقلًا وإثارةً سياسيًا. في أحدث فيلم وثائقي له على قناة بي بي سي الثانية، “لويس ثيرو: المستوطنون”، يعود إلى المنطقة ليجد أن ما كان في السابق أيديولوجية هامشية أصبح الآن تيارًا سائدًا. المستوطنون، الذين كانوا في السابق شخصيات هامشية، أصبحوا الآن جزءًا من جوهر السياسة الإسرائيلية، مع شخصيات مثل إيتامار بن غفير، زعيم اليمين المتطرف، الذي يقود الحشود.

مع أن أساليبه مألوفة، إلا أن أسلوب ثيرو قد تعمق. فما كان في السابق يُضفي طابعًا فكاهيًا، أصبح الآن يُبرز حقائق مُقلقة. لا تزال قدرته على خلق حوارات مُقنعة قوية، وبينما ينتقده البعض لإعطائه منبرًا للآراء المتطرفة، لا تزال أفلامه الوثائقية تسبر أغوار حدود التعاطف والفهم. في منطقة عالقة في دوامة من العداء والإنكار، يُقدّم نهج ثيرو المُتطور منظورًا حاسمًا لواحدة من أكثر الحروب مأساوية ضد الإنسانية في عصرنا.

المصدر: موقع المنار

أخبار متعلقة :