يرى معلق الاقتصاد الأوروبي في صحيفة فاينانشيال تايمز البريطانية مارتن ساندبو أن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أتاح فرصة أمام اليورو لمنافسة الدولار، مؤكدا أنه على القادة الأوروبيين التخلي عن خجلهم السياسي لاتخاذ الخطوات اللازمة نحو ذلك.
وقال ساندبو – في مقال رأي نشرته الصحيفة اليوم الاثنين – أنه لطالما كان طموح الاتحاد الأوروبي أن ينافس اليورو الدولار الأمريكي على الهيمنة العالمية، أو على الأقل على السيادة النقدية في الداخل .. والآن، يُمثل “التخريب الذاتي” الذي تُمارسه واشنطن بقيادة ترامب فرصة ذهبية لتحقيق هذا الحلم، إذا استطاع القادة الأوروبيون التغلب على خجلهم السياسي من بذل ما يلزم لاغتنام الفرصة.
وأشار ساندبو إلى أنه كما هو الحال في العديد من مجالات السياسة الاقتصادية، لم تتضح بعد أهداف إدارة ترامب تجاه الدولار الأمريكي، وربما لم تحسم الإدارة أمرها بعد، لكن المستثمرين يحسمون أمرهم بشكل متزايد .. وقد أعقب رسوم ترامب الجمركية في “يوم التحرير” رد فعل غير اعتيادي في السوق على ارتفاع المخاطر العالمية: موجة بيع واسعة النطاق في كل من سندات الخزانة الأمريكية والدولار على نطاق أوسع، وعلى الأقل في الوقت الحالي، لم يعد مديرو الأموال العالميون يعتبرون الدولار الأمريكي الملاذ الآمن.
وبحسب ساندبو، تضررت الثقة في الدولار من سياسة ترامب الجمركية، ولكن أيضا من طرح فريقه لأفكار غريبة في السياسة المالية .. وتشمل هذه الأفكار التحويل القسري لسندات الخزانة أو فرض رسوم على امتياز الإقراض للحكومة الأمريكية .. إن عدوانية الإدارة ضد سيادة القانون تجعل جميع المطالبات القانونية، بما في ذلك المالية، غير مؤكدة.
وتساءل الكاتب البريطاني “هل يستطيع القادة الأوروبيون سماع صرخة الأسواق طلبا للمساعدة في هيئة أصول بديلة؟”، مؤكدا أن هذا هو الوقت المناسب لكي تُصدر دول منطقة اليورو مخزونا كبيرا ودائما من الديون المشتركة لتحل تدريجيا محل المشهد المجزأ للسندات السيادية الوطنية، إذ سيقبل المستثمرون العالميون على أصول منطقة اليورو الآمنة واسعة النطاق والسائلة.
وقال ساندبو أنه من المعروف أن السياسات اللازمة لذلك غير موجودة .. ولكن يمكن اتخاذ خطوات أبسط في وقت قصير لاستغلال أخطاء الولايات المتحدة كفرصة أوروبية.. أولا: تأجيل السداد المقرر لديون الاتحاد الأوروبي الشاملة لتمويل صندوق “الجيل القادم للاتحاد الأوروبي” لما بعد الجائحة.
ويجب ترحيل هذا المخزون من الديون، الذي كان من المفترض أن ينخفض على مدار 30 عاما حتى عام 2058، إلى أجل غير مسمى.
ثانيا: توحيد مخزونات الديون المختلفة الصادرة بالفعل بدعم مشترك من الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي .. ويمكن لجهة إصدار واحدة ومجموعة من السندات أن تحل محل مجموعة السندات الوطنية بمرور الوقت، بالإضافة إلى تغطية جميع السندات الجديدة، مثل تلك المتعلقة بتجميع 150 مليار يورو المقترح للإنفاق الدفاعي.
ثالثا: يُمكن للاتحاد الأوروبي تمويل الإنفاق المستقبلي مسبقا .. وعلى مدار العامين المقبلين، ستتفاوض الدول الأعضاء على ميزانية لسبع سنوات تتجاوز تريليون يورو.. ويمكن ضبط الاقتراض المُسبق للحفاظ على إجمالي ديون الاتحاد الأوروبي مستقر وكبير.
وأشار ساندبو إلى أن هذه المبادرات ستُساعد على تلبية الطلب على الاحتفاظ بمبالغ كبيرة بأمان باليورو، وتُؤكد التزام الاتحاد الأوروبي بسوق أصول يورو عميقة وسائلة على المدى الطويل .. ومن شأن ذلك أن يُخفض تكاليف الاقتراض الأوروبية، في الوقت الذي تستعد فيه الدول الأعضاء لمزيد من الاستثمار في سياسات الدفاع والصناعة.
وأضاف أنه يمكن لأوروبا استخدام أجندتها لتعزيز التجارة مع بقية العالم لتعزيز جاذبية اليورو.. وهذا لا يتطلب مجرد أخذ الأجندة على محمل الجد – كتمرير اتفاقية التجارة مع السوق المشتركة لأمريكا الجنوبية ميركوسور، على سبيل المثال، بل يتطلب كذلك توفير أدوات مالية لتشجيع التداول باليورو، بدءا من خطوط المبادلة مع الشركاء التجاريين ووصولا إلى عملة رقمية مصممة لدعم التجارة بين الشركات عبر الحدود.. ومن شأن توحيد أسواق الأسهم وما يُسمى بـ”النظام الثامن والعشرين” لقانون الشركات على مستوى الاتحاد الأوروبي أن يُسهم في تعزيز رأس المال المُخاطر باليورو.
وفي ختام مقاله، أوضح ساندبو أن هذه الإجراءات معروفة في معظمها، لكن الزخم السياسي كان غائبا، مؤكدا ضرورة أن يُدرك القادة في أوروبا ارتباطهم بالهدف الجيوسياسي المتمثل في الاستقلال عن نزوات الولايات المتحدة، وأن يُدركوا كيف أن الأمر أصبح ملحا اليوم.
أخبار متعلقة :