اليوم الجديد

الأدوية الأوروبية في مرمى ترامب.. هل يقلب موازين السوق؟

نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
الأدوية الأوروبية في مرمى ترامب.. هل يقلب موازين السوق؟, اليوم الأربعاء 30 أبريل 2025 03:39 مساءً

وبينما كانت صناعة الأدوية حتى الآن بمنأى عن الرسوم الجمركية الأميركية، ألمح ترامب في تصريح حديث، إلى أن هذه الرسوم قد تصبح واقعاً ملموساً في "مستقبل غير بعيد"، وهي الخطوة التي ستكون عواقبها وخيمة على صناعة الأدوية في العالم، وخصوصاً صناعة الأدوية الأوروبية، التي تعتمد في مبيعاتها بشكل كبير على السوق الأميركية.

وتتصدر المنتجات الصيدلانية والمواد الكيميائية، قائمة الصادرات الأوروبية إلى الولايات المتحدة، بفاتورة وصلت قيمتها إلى 127 مليار دولار أميركي في 2024، وذلك بحسب بيانات لجنة التجارة الدولية الأميركية، حيث تُشكل الأدوية الشهيرة الجزء الأكبر من هذه الصادرات، نظراً لارتفاع أسعارها وانتشار استخدامها في السوق الأميركية. ومن أبرز هذه العلاجات دواء أوزيمبيك لإنقاص الوزن، بالإضافة إلى علاجات السرطان وأدوية القلب والأوعية الدموية، ولقاحات الإنفلونزا.

الدولة الأوروبية الأكثر تضرراً

وبحسب تقرير أعدته "نيويورك تايمز"، واطلع عليه موقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية"، يتوقع العديد من الخبراء أن تبلغ نسبة الرسوم الجمركية الأميركية على الأدوية المستوردة نحو 25 في المئة، وهي النسبة ذاتها المفروضة على واردات الصلب والألمنيوم، حيث إنّ مع تلاشي الآمال بتراجع الرئيس ترامب عن خطوته المنتظرة، بدأ قطاع الأدوية الأوروبي البحث في الخطوات التي يمكن اتخاذها للحد من التأثير السلبي لهذا القرار.

وتُعدّ أيرلندا الدولة الأوروبية الأكثر عرضة لتداعيات الرسوم الجمركية الأميركية على المنتجات الصيدلانية، إذ تشكّل الأدوية نحو 80 في المئة من إجمالي صادراتها إلى الولايات المتحدة، وفي العام الماضي وحده، بلغت قيمة صادرات أيرلندا من المستحضرات الصيدلانية والمواد الكيميائية إلى السوق الأميركية نحو 66 مليار دولار.

ووفقاً لوكالة الاستثمار الأجنبي المباشر الأيرلندية، يوجد الآن أكثر من 90 شركة أدوية تتخذ من أيرلندا مقراً لها، إضافة إلى العديد من أكبر شركات الأدوية الأميركية، التي تقوم بعمليات في البلاد، وذلك بسبب انخفاض معدلات ضرائب الشركات في الجزيرة.

أميركا لم تعد تُصنّع أدويتها

وتعد سيطرة أيرلندا على سوق الأدوية في أميركا، من المواضيع التي بحثها الرئيس ترامب أثناء زيارة رئيس الوزراء الأيرلندي مايكل مارتن، للبيت الأبيض في شهر مارس 2025، إذ لفت ترامب حينها إلى أن هذه  الجزيرة التي يبلغ عدد سكانها 5 ملايين نسمة، استحوذت على صناعة الأدوية الأميركية بأكملها، ثم عاد وأكد في حديث له الأسبوع الماضي، أن أميركا لم تعد تصنع أدويتها الخاصة، نظراً لأن شركات الأدوية باتت موجودة في أيرلندا.

دول أوروبية أخرى في مرمى الرسوم

ولكن أيرلندا لن تكون الدولة الوحيدة المتضررة، فألمانيا تعتبر رائدةً عالمياً في الابتكار الصيدلاني، بما تمتلكه من شركات عملاقة مثل باير وميرك، بينما تستضيف بلجيكا مراكز توزيع رئيسية، تُغذّي الأسواق الأميركية. كما تُعرف الدنمارك بمنتجاتها المتخصصة في أمراض الأيض والسكري عبر نوفو نورديسك، وتساهم سلوفينيا بشبكات إنتاج قوية للأدوية الجنسية، لذا فإن أي رسوم جمركية أميركية على واردات الأدوية، ستضرب هذه الدول الأوروبية التي تعتمد على الصادرات الدوائية، لتعزيز معدلات نموها الاقتصادي.

خيارات شركات الأدوية

ومن المنتظر أن تتفاعل الشركات الأوروبية المُصنّعة للأدوية، مع رسوم ترامب الجمركية بطرق مُختلفة، حيث أعلنت بعض الشركات عن خططها لزيادة الإنتاج في الولايات المتحدة، ومن أبرز الخطوات في هذا المجال ما قامت به شركة روش التي كشفت منذ أيام عن خطتها لاستثمار 50 مليار دولار في أميركا.

وقد تُقرر شركات أخرى نقل إنتاجها بالكامل إلى أميركا لاحقاً، في حين يوجد شركات مُتمسكة بقرار البقاء في أوروبا، وقد تلجأ إلى رفع أسعارها على صعيد عالمي، لتغطية الرسوم الجمركية المفروضة على بضائعها في أميركا، في حين قد تلجأ بعض الشركات إلى تحويل أرباحها المالية، إلى الولايات المتحدة لأغراض محاسبية لتجنب رسوم الاستيراد.

وبحسب بيني ناس، التي تقود برنامجاً للتنافسية في مركز أبحاث صندوق مارشال الألماني، ولها خبرة طويلة في السياسات العامة الأوروبية وشؤون الشركات، فإن الرسوم الجمركية الأميركية على الأدوية ستشكّل مشكلة هائلة لأوروبا، في حين يرى ديدريك ستاديج، الخبير الاقتصادي القطاعي في بنك ING، أن الرسوم الأميركية على الأدوية المستوردة، ستؤدي على الأرجح إلى زيادة الاستثمار في الولايات المتحدة، ولذلك على المفوضية الأوروبية أن تكون على أهبة الاستعداد لذلك.

الأدوية الأوروبية على مفترق طرق

ويقول الخبير الاقتصادي والمالي محمد سعد في حديث لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية"، إن قواعد اللعبة الاقتصادية التي سادت لعقود، دخلت طور التحول الجذري، فالرئيس ترامب يسعى بكل وضوح إلى إعادة بناء القاعدة الصناعية الأميركية، حيث لم يعد مقبولاً بالنسبة له، أن تعتمد أميركا على مصانع أجنبية لإنتاج أدويتها الحيوية، وهذا يعني أن شركات الأدوية وخصوصاً الأوروبية، تقف اليوم أمام مفترق طرق حاسم، فإما أن تواكب المتغيرات وتستثمر داخل الولايات المتحدة، أو تخاطر بفقدان واحدة من أكبر أسواق العالم، لافتاً إلى أن من لا يتأقلم بسرعة مع القواعد الجديدة سيتراجع أمام منافسين جدد، سيولدون في الداخل الأميركي المدعوم بقوة من الإدارة الأميركية الجديدة.

ويكشف سعد أن أوروبا وعلى رأسها دول مثل ألمانيا وأيرلندا والدنمارك، استطاعت بناء بيئة متكاملة تجمع بين البحث العلمي المتقدم، الحوافز الضريبية، البنية التحتية الصناعية عالية الجودة، والشراكات القوية بين الجامعات والشركات، وهذا ما ساعدها في التفوق في صناعة الأدوية، في المقابل تراجعت صناعة الأدوية الأميركية، تحت وطأة ارتفاع تكاليف الإنتاج داخل البلاد، بما في ذلك كلفة العمالة والضرائب، مشيراً إلى أن التوجه في أميركا خلال العقود الماضية، كان نحو الاعتماد على شبكات التوريد الخارجية لتقليل النفقات، مما أدى إلى تفريغ تدريجي لقاعدة التصنيع المحلية في قطاع الأدوية، وهذه السياسات جعلت الولايات المتحدة عرضة لمخاطر كبيرة، لناحية الاعتماد على الخارج في صناعات حيوية.

سيناريوهات الإنقاذ

ويرى سعد أنه أمام شركات الأدوية الأوروبية عدة سيناريوهات، لإنقاذ أعمالها في أميركا، فأولاً يمكنها تعزيز استثماراتها داخل الولايات المتحدة لتجنب الرسوم، ثانياً يمكن لهذه الشركات اللجوء إلى إعادة هيكلة عملياتها الإنتاجية، عبر توزيع التصنيع بين أوروبا وأميركا، ثالثاً قد تعتمد بعض الشركات على استراتيجية رفع الأسعار عالمياً، لتعويض الكلفة الإضافية في السوق الأميركية، مشدداً على أن كل خيار من هذه الخيارات يحمل تحدياته، ولكن بقاء الشركات مرنة ومبتكرة، سيكون مفتاح الحفاظ على حصتها في السوق الأميركية الحيوية.

سر النجاح الأوروبي

بدورها تقول الكاتبة والصحفية الاقتصادية رلى راشد، في حديث لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية"، إن صناعة الأدوية الأوروبية متفوقة اليوم، ولكن هذا التفوق ليس وليد الصدفة، بل نتيجة استراتيجيات طويلة الأمد، ركزت على الابتكار ومرونة القوانين التنظيمية، فالاتحاد الأوروبي وفّر بيئة تنظيمية مواتية للأبحاث السريرية والتجارب الطبية مقارنة بالتعقيدات الأميركية، وهو ما سمح للشركات الأوروبية بالوصول إلى السوق بشكل أسرع، وأكثر كفاءة، كاشفةً أنه في هذا الوقت كانت شركات الأدوية الكبرى في أميركا، تُركّز على جوانب التسويق والإدارة المالية، بدلاً من الاستثمار المستمر في خطوط الإنتاج المحلية، وهي اعتمدت أكثر فأكثر على استيراد المواد الخام ومكونات الدواء من الخارج، ما جعلها تفقد جزءاً من سيادتها التصنيعية في هذا القطاع.

حلول أمام الشركات الأوروبية

وبحسب راشد فإن الخيارات المتاحة أمام الشركات الأوروبية، تتسع لتشمل عدة مسارات استراتيجية مدروسة، إذ يمكن لها أن تسعى إلى تشكيل تحالفات مع شركات أميركية محلية، لتقاسم الإنتاج وتخفيض كلفة الرسوم، وهو توجه سبق أن أثمر عن نتائج إيجابية في قطاعات أخرى، كذلك يمكن للشركات الأوروبية التوجه نحو التصنيع التعاقدي داخل الولايات المتحدة، مستفيدة من البنية التحتية المتطورة التي تحتضن أكثر من 450 منشأة متخصصة في تصنيع الأدوية والعقاقير الحيوية، وهذه الخطوة قد تتيح لها ليس فقط تفادي الرسوم الجمركية الجديدة، بل أيضاً الاستفادة من حوافز الاستثمار الصناعي التي ستقدمها إدارة ترامب.

واعتبرت راشد أنه يمكن أيضاً لبعض الشركات الأوروبية زيادة استثماراتها في البحث والتطوير، خصوصاً في مجال الأدوية البيولوجية المتقدمة، فتطوير أدوية جديدة أو تحسين كفاءة التصنيع، سيمنح الشركات الأوروبية ميزة تنافسية في السوق الأميركية، حيث يتوقع أن يتجاوز حجم الإنفاق على الأدوية البيولوجية وحدها حاجز الـ 580 مليار دولار بحلول عام 2027.

أخبار متعلقة :