اليوم الجديد

الضاحية "غير محيّدة"... هل تفرض إسرائيل "معادلات جديدة" على لبنان؟!

صحيح أنّ الهجوم على الضاحية الجنوبية لبيروت يوم الأحد لم يكن الأول، بل الثالث من نوعه، منذ دخول اتفاق وقف إطلاق النار بين لبنان وإسرائيل حيّز التنفيذ في 27 تشرين الثاني الماضي، لكنّ الصحيح أيضًا أنّه يختلف من حيث الشكل على الأقلّ عن الهجومين السابقين، اللذين جاءا بعيد حادثة إطلاق قذائف صاروخية من لبنان، باتجاه المستوطنات الإسرائيلية، وهي التي تذرّعت بها إسرائيل للتصعيد، رغم إدراكها أنّ "حزب الله" ليس مسؤولاً عنها.

ففي وقتٍ لم تتوقف الخروقات الإسرائيلية لاتفاق وقف إطلاق النار منذ التوقيع عليه، تكريسًا لمبدأ ما سُمّيت بـ"حرية الحركة" التي تقول إسرائيل إنّ الاتفاق كرّسها لها، ولو نفى الجانب اللبناني ذلك، بقيت الضاحية الجنوبية لبيروت "محيّدة" عن هذه الانتهاكات بصورة أو بأخرى، حتى يوم 28 آذار الماضي، حين اختارت إسرائيل هدفًا في أحد أحيائها المكتظّة، للردّ من خلاله على حادثة "الصواريخ اللقيطة"، لتوجيه رسالة "حازمة" لمن يقف وراءها.

بعد ذلك بأيام، وتحديدًا في الأول من نيسان، أعادت إسرائيل "الكرّة"، فقصفت الضاحية الجنوبية لبيروت مرّة ثانية، ومن دون إنذار مسبق، إلا أنّ هجومها صُنّف حينها في إطار عمليات الاغتيال التي استمرّت في مرحلة ما بعد اتفاق وقف إطلاق النار في العديد من المناطق اللبنانية، وليس فقط في القرى الواقعة جنوبيّ الليطاني، علمًا أنّها استهدفت بهجومها هذا عنصرًا من "حزب الله" ادّعت أنه يتعاون مع حركة حماس، لتنفيذ هجوم "كبير" ضدّ إسرائيليّين.

لكنّ استهداف الضاحية يوم الأحد جاء في سياق مختلف عن الاستهدافين السابقين، أولاً لأنّ إسرائيل اختارت هذه المرّة أن تضرب عمق الضاحية، من دون أيّ ذريعة تبرّر لها ذلك، وثانيًا لأنّ الهدف الذي ضربته لم يكن أكثر من خيمة أو هنغار، ولو ادّعت أنّ "حزب الله" يخزّن فيه الأسلحة "الدقيقة"، علمًا أنّ موقعه اختير في المنطقة نفسها تقريبًا للقصف الإسرائيلي الأخير على الضاحية، فما الرسائل الحقيقية من هذا الاستهداف، وكيف يتعامل معه "حزب الله"؟!.

بالنسبة إلى الرسائل من الاستهداف الإسرائيلي المتجدّد للضاحية الجنوبية لبيروت، يقول العارفون إنّها تتفاوت، وإن "تقاطعت" على فكرة أنّ الضاحية "غير محيّدة"، وأنّ "حرية الحركة" الإسرائيلية المزعومة باتت تشملها، بمعزل عن أيّ حسابات أو اعتبارات أخرى، علمًا أنّ العارفين يضعون هذا الأمر في خانة "الحرب النفسية" التي باتت إسرائيل متفوّقة على خطّها، في مواجهة "حزب الله"، الملتزم بالنأي بالنفس عن كل الانتهاكات، بل الاعتداءات.

هنا، ثمّة من يرى أنّ إسرائيل تسجّل "نقاطًا بالجملة" على "حزب الله"، الذي كان يعتبر استهداف العاصمة بيروت وضاحيتها الجنوبية، في خضمّ الحرب، خطًا أحمر، والذي كان يطلق المعادلات من نوع "تل أبيب مقابل الضاحية" وغير ذلك، فإذا به اليوم يمرّر استهداف الضاحية من دون تعليق، وإن وُجِد، فهو لا يتعدّى مطالبة الدولة اللبنانية بـ"إدانة العدوان"، وربما بالضغط على الدول الضامنة للاتفاق، من أجل حثّ إسرائيل على وقف اعتداءاتها المستمرّة.

لكن إلى جانب هذه الرسالة "المعنوية" إن صحّ التعبير، على خطّ الحرب النفسية، يتحدّث البعض عن رسائل أخرى، بأبعاد سياسية، توجّهها إسرائيل من خلال الهجوم على الضاحية، سواء على المستوى الداخلي اللبناني، أو على المستوى الإقليمي، ولا سيما أنّ الاستهداف يأتي بعد ساعات على اختتام الجولة الثالثة من محادثات كسر الجليد بين الولايات المتحدة وإيران، على أجواء إيجابيّة وبنّاءة، في حين ليس خافيًا على أحد سعي إسرائيل لإفشالها وعرقلتها.

أما الرسالة الداخليّة، فيفهمها البعض في سياق النقاش الداخلي "الحادّ" حول مصير سلاح "حزب الله"، خصوصًا بعد "الجمود" الذي طرأ عليه بعيد الموقف الذي أعلنه الأمين العام للحزب الشيخ نعيم قاسم، حين طلبت "إزالة الفكرة من القاموس"، وكأنّ إسرائيل تريد القول إنّ "تقاعس" الدولة عن نزع السلاح، سيدفعها إلى الدخول على الخط من جديد، من أجل نزع السلاح بالقوة، ولو اقتضى الأمر العودة إلى الحرب.

وإلى جانب كل الرسائل، ثمّة من لا يستبعد أن يكون الهدف من الهجوم على الضاحية، بما ينطوي عليه من "إحراج" لـ"حزب الله" حتى إزاء جمهوره وبيئته الحاضنة، محاولة "استدراج" له من أجل الرد، وبالتالي الذهاب إلى جولة ثانية من القتال والحرب، ثمّة في إسرائيل من يعتقد أنّها باتت ضرورية، من أجل استكمال ما بدأته في الجولة الأولى، على مستوى تفكيك منظومة الحزب، بعد القضاء على قيادات الصف الأول فيه.

هنا، يصبح السؤال مشروعًا عن السيناريوهات المحتملة لتعامل "حزب الله" مع الأمر، علمًا أنّ كلّ العارفين بأدبيّات الحزب يؤكدون أنّ الحزب لن يغيّر "قواعد الاشتباك"، مهما بلغ مستوى الاستفزازات الإسرائيلية بهذا المعنى، وهو يرفض الوقوع في ما يعتبره "فخًا" تبيّته إسرائيل له، ولذلك فهو يتمسّك بالمعادلات التي بنى عليها استراتيجيتها منذ اتفاق وقف إطلاق النار، والتي تقوم على "الصبر" حتى إشعار آخر، مع إبقاء "كلّ الخيارات مفتوحة"، نظريًا على الأقلّ.

من هنا، يقول العارفون إنّ "الحزب" سيحاول "استثمار" الهجوم على الضاحية، في سياق رميه الكرة في ملعب الدولة اللبنانية، والمراهنين على الدبلوماسية سبيلاً وحيدًا لحلّ الأزمة الناشئة مع إسرائيل، وسيعتبر أنّ المطلوب من هؤلاء بدل العمل ليلاً ونهارًا من أجل نزع السلاح، أن يضغطوا من أجل وقف العدوان في المقام الأول، وهنا دور الدول الضامنة لاتفاق وقف إطلاق النار، وفي مقدّمها الولايات المتحدة، التي قيل إنها أخذت علمًا بالهجوم، وكذلك فرنسا.

في النتيجة، الثابت الوحيد أنّ الهجوم على الضاحية شكّل تصعيدًا "نوعيًا" في الشكل والمضمون، ولو أنّ الهدف منه كان "نفسيًا" أكثر منه "ماديًا"، تصعيدٌ يُخشى من تبعاته على نطاقٍ واسع، فإسرائيل قد تهدف من ورائه إلى فرض "معادلات"، وربما "قواعد اشتباك" جديدة، لن تفضي في نهاية المطاف سوى لتجديد الحرب، كما أنّه قد يكون "مقدّمة" لسلسلة هجمات أخرى في قادم الأيام، تصبح معها الضاحية ضمن "بنك الأهداف الروتيني" وهنا بيت القصيد!.

أخبار متعلقة :