نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
الوجه الخفي لبعض القنوات الفضائية.. التضليل الناعم وشراء الهواء, اليوم الثلاثاء 22 أبريل 2025 03:22 مساءً
على مدار عقود كان الإعلام المصري علامة فارقة في الوعي العربي، مدرسة خرجت أجيالًا من المذيعين والصحفيين والمراسلين الذين صنعوا الخبر لا من ورق، بل من نبض الشارع، ووجدان الناس. كان صوت المذيع في الراديو طمأنينة، وصورة المذيعة على شاشة الأبيض والأسود رمزًا للرصانة والاحترام. الإعلام لم يكن مجرد وسيلة لنقل الحدث، بل كان شريكًا في صنعه، ومنبرًا لبناء الوعي، وتشكيل الرأي العام، بل أحيانًا تصحيح مسارات سياسية أو اجتماعية.
وحين وُلدت الفضائيات في العالم العربي، بدا المشهد واعدًا، فظهرت القنوات الخاصة كفرصة لكسر احتكار البث الرسمي، فتنوعت الآراء، واتسعت المساحة للنقاش، وظهرت منصات جديدة تسعى لتقديم محتوى مختلف، الفضائيات في بدايتها جاءت كإضافة قوية، بل ضرورة إعلامية، سمحت بظهور مدارس جديدة في تقديم البرامج، والانفتاح على جمهور أوسع، والمنافسة على الجودة والمصداقية، لكن مع الوقت ومع تزايد كُلفة الإنتاج، ورغبة البعض في التأثير السياسي أو التسويقي، بدأ "شراء الهواء" يتسلل بهدوء إلى البرامج، لم يعد ظهور الضيف مشروطاً بكفاءته أو عمق طرحه، بل أحيانًا بقدرته على الدفع، هنا تغيرت المعادلة، لتصبح من يدفع.. يظهر
"زمان كنا بنخاف نغلط في معلومة واحدة لأننا كنا بنحترم عقل المشاهد"، هكذا وصف الإعلامي يسري فودة – أحد أبرز مقدمي البرامج الاستقصائية في الوطن العربي – الفارق بين الأمس واليوم. ويضيف: "دلوقتي اللي بيدفع هو اللي بيتكلم، والمعلومة بقت سلعة".
شراء الهواء بمعناه الصريح، يعني أن يقوم شخص أو جهة ما بدفع مقابل مالي ليحجز وقتًا في برنامج على أنه "ضيف"، ليطرح فكرته، يروّج لنفسه، أو حتى يهاجم خصومه، دون أن يُكشف للجمهور أن ظهوره مدفوع. وهنا يبدأ التزييف.
الإعلام كقيمة.. لا كمنصة للإيجار
الإعلامية منى الشاذلي، التي تنتمي لجيل عرف صرامة الإعداد وصرامة الشاشة، قالت في أحد حواراتها: "في بداية شغلي، كان ظهور ضيف على الشاشة لازم يمر من 3 لجان تحريرية، النهارده ممكن حد يظهر في برنامج لمجرد إنه دفع تمن الحلقة". شهادة تلخص مأساة حقيقية يمر بها الإعلام العربي اليوم.
وفي السياق نفسه، يرى الإعلامي جورج قرداحي – أحد أعمدة الإعلام العربي – أن هذه الظاهرة تهدد صميم المهنة، مؤكدًا: "أنا ضد شراء الوقت على الهواء، لأنه بيدمر الإعلام وبيخلي الناس تفقد ثقتها في كل كلمة بتتقال".
التأثير على الوعي العام
حين يُفتح الهواء لمن يدفع فقط، يتحول الإعلام إلى إعلان، وتنعدم العدالة في عرض الآراء، ويُقصى من يملك الفكرة لصالح من يملك الفاتورة. النتيجة؟ وعي زائف، وتضليل ناعم، وقرارات مجتمعية قد تُبنى على معلومات مغلوطة أو منحازة.
"تحول بعض البرامج إلى سبوبة مفتوحة بيشوه قيمة العمل الإعلامي"، هكذا يصف الصحفي حمدي رزق الظاهرة، ويضيف: "بيخلق طبقة من 'الضيوف المرتزقة' اللي بيظهروا بس علشان يدافعوا عن اللي بيدفع".
حين يُشترى الهواء، يُباع الضمير.. فهل من حماية؟
لكي لا يظل الإعلام رهينة لمن يدفع أكثر، لا بد من التحرك الجاد، ليس فقط على مستوى النقد المهني، بل على مستوى التشريع والتنظيم. المطلوب الآن ليس مجرد تحسر على "إعلام زمان"، بل بناء ضمانات حقيقية تحمي ما تبقّى من المهنة، يجب أن يكون هناك قانون واضح يُجبر القنوات على الإفصاح عن أي محتوى مدفوع داخل البرامج الحوارية أو السياسية، بحيث لا يُخدع المشاهد، ولا يُزيّف النقاش، وأن تكون هناك رقابة مهنية من نقابة الإعلاميين والهيئة الوطنية للإعلام على البرامج التي تبيع الهواء بشكل غير معلن، مع فرض غرامات رادعة لكل من يشارك في هذه الممارسات، كما يمكن إنشاء منصة وطنية مستقلة لرصد المحتوى المضلل أو المموه، وتتيح للجمهور الإبلاغ عن التجاوزات، وتُنشر نتائجها بشفافية لضمان محاسبة فعلية.
الإعلام الحقيقي لا يُشترى ولا يُباع. الإعلام الحقيقي يخاطب العقول، لا الجيوب. ولكي يعود منبرًا للوعي، لا بد أن نحمي "الهواء" من أن يتحول إلى سلعة.. ومن الشاشة أن تصبح واجهة إعلان بلا ضمير.
أخبار متعلقة :