منذ انتخابه رئيسًا للجمهورية، بمباركة "حزب الله" وتصويت نوابه، يرفع الرئيس جوزاف عون لواء ما يسمّيه "حصر السلاح بيد الدولة"، منسجمًا في ذلك مع المطالب المتصاعدة بنزع سلاح "حزب الله"، بنتيجة الحرب الإسرائيلية الأخيرة على لبنان، ومتناغمًا مع ما يقال إنّه "شرط" أميركيّ ودولي من أجل دعم لبنان، بالتوازي مع الشروع في الإصلاحات الاقتصادية والمالية، وهو ما تجلّى في زيارة نائبة المبعوث الأميركي إلى المنطقة مورغان أورتاغوس.
ومع أنّ "حزب الله" سبق أن أعلن على لسان أمينه العام الشيخ نعيم قاسم أنّه لا يعتبر نفسه "معنيًا" بالمطالب بحصر السلاح بيد الدولة، مميّزًا في هذا السياق بين الأجهزة الأمنية التابعة للدولة، وبين المقاومة، إلا أنّ الرئيس عون يبدو "مصمّمًا" على الذهاب حتى النهاية في هذا الملف، وهو عرض تصوّره لآلية التنفيذ، في حديث شامل مع صحيفة "العربي الجديد"، نشر منتصف هذا الأسبوع بالتزامن مع زيارته إلى دولة قطر.
وفي الحوار، قال عون إنّه "يسعى" إلى أن يكون 2025 هو عام حصر السلاح بيد الدولة، مشدّدًا على أنّ القرار بهذا الشأن "اتُخِذ"، وتبقى كيفية التنفيذ عبر الحوار الذي يراه ثنائيًا بين رئاسة الجمهورية و"حزب الله". وفي السياق، أكد عون رفضه "استنساخ" تجربة الحشد الشعبي في استيعاب الحزب في الجيش، ولا أن يكون وحدة مستقلة داخل هذا الحيش، مع إمكانية أن يلتحق عناصر الحزب بالجيش، والخضوع لدورات استيعاب لهذا الغرض.
وإلى جانب "الحزم" الذي تمسّك به عون في مقاربة الملف، مرّر بعض الرسائل "الإيجابية"، وربما "الودية" لـ"حزب الله"، فاستبدل تعبير "نزع السلاح" مثلاً بـ"سحب السلاح"، وقال إنّ الحزب برهن على الوعي الكبير خلال هذه الفترة، وهو ليس في وارد الانجرار إلى حرب جديدة، كما أكّد رفضه التعاطي مع هذا الملف بشكل يمكن أن يؤدي إلى "تفجير حرب أهلية"، لكن هل يوافق "حزب الله" عمليًا على تصوّر رئيس الجمهورية حول السلاح؟.
قبل محاولة الإجابة على هذا السؤال، قد يكون من المفيد التوقف عند "جوهر" طرح رئيس الجمهورية، الذي يبدو كمن يسير بين "الألغام" في هذا الملف، فهو يدرك حجم الضغوط الداخلية والخارجية التي يتعرّض لها من أجل إنجاز استحقاق نزع السلاح، من دون تأخير أو مماطلة، وفي الوقت نفسه يريد الوصول إلى تفاهم مع "حزب الله"، ينهي معضلة السلاح من دون ترك أيّ انطباع بـ"انكسار" الحزب، ما قد يجرّ تبعات لا يمكن التكهّن بها سلفًا.
لهذه الأسباب، يحرص رئيس الجمهورية على تمتين العلاقة الثنائية بينه وبين "حزب الله"، ويتمسّك بمبدأ الحوار المباشر معه، من أجل حسم ملف السلاح، بعيدًا عن "مزايدات" بعض الأطراف والقوى السياسية، التي ترفض فكرة الحوار، وتصرّ على ضرورة نزع السلاح فورًا، علمًا أنّ الحوار الذي يدعو إليه عون هو ثنائي مع الحزب للاتفاق على الآليات التنفيذية، وبالتالي ليس من نوع طاولات الحوار الجماعية، التي شكا منها خصوم الحزب.
وفي سياق "طمأنة" الحزب، وربما تبديد هواجسه، تندرج أيضًا الأفكار التي طرحها رئيس الجمهورية أخيرًا، حول إمكانية التحاق عناصر "حزب الله" بالجيش، بعد خضوعهم لدورات استيعاب، كما جرى مع العديد من الأحزاب اللبنانية في نهاية الحرب، مع التأكيد في الوقت نفسه على رفضه استنساخ التجربة العراقية، بمعنى أن يصبح "حزب الله" وحدة مستقلة ضمن الجيش، كما هو حال "الحشد الشعبي" في العراق.
وبمعزل عن الجدل الذي أثاره حديث الرئيس عن التجربة العراقية، واحتجاج بغداد على الأمر، يستغرب المحسوبون على الرئيس الضجّة المفتعلة حول طرح دورات الاستيعاب، خصوصًا أنّ البعض استنفر ليعترض على المبدأ، بالنظر إلى الأعداد الكبير لعناصر "حزب الله"، ما يمكن أن يضرب التوازن الطائفي في المؤسسة العسكرية، علمًا أنّ رئيس الجمهورية لم يقل إنّ جميع عناصر "الحزب" سيلتحقون بالضرورة بالجيش، علمًا أنّ هناك معايير ومؤهلات لذلك.
استنادًا إلى ما تقدّم، تُطرَح علامات استفهام حول موقف "حزب الله" من مقاربة رئيس الجمهورية للسلاح، وهو الذي كان يعتبر حتى الأمس القريب بأنّ سلاحه "خط أحمر" لا يمكن الاقتراب منه، حتى إنّ عضو مجلسه السياسي محمود قماطي كرّر هذا الأسبوع مقولة إنّ "اليد التي ستمتدّ إلى السلاح ستُقطَع"، فهل يعني ذلك أنّ الحزب غير راضٍ عن كلّ النقاش الدائر في البلد، أم أنّ الليونة والمرونة التي يبديها في ملف الخروقات مثلاً، ستنعكس على ملف السلاح أيضًا؟!.
يقول العارفون بأدبيّات "حزب الله" إنّ الأخير يصرّ على مقاربة مواقف رئيس الجمهورية بإيجابية مطلقة، سواء اتفق معه أو اختلف في نظرته إلى ملف السلاح، وهو يعتبر أنّ عون يتعامل بعقلانية وحكمة مع هذا الموضوع، حتى لو بدا حازمًا في مكانٍ ما، على وقع الضغوط التي يتعرّض لها من الأقربين والأبعدين، في الداخل والخارج، ولذلك هو لن يتردّد في أن يقابل هذه الإيجابية بإيجابية، بمعزل عن الخواتيم التي يمكن التوصل إليها.
ويسجّل "حزب الله" لعون، وفقًا للعارفين بأدبيّاته، الكثير من الإيجابيات التي يُبنى عليها، من بينها إصراره على الحوار سبيلاً لحلّ معضلة السلاح، خلافا لرغبة بعض "المستعجلين" لنزع السلاح، كما يسجّل له أيضًا حديثه عمّا يتوجّب على إسرائيل فعله في المقام الأول، فهو قال في حديثه إلى "العربي الجديد" إنه أبلغ أورتاغوس أنّ بقاء إسرائيل في النقاط الخمس يعطي عذرًا للحزب، وطلب منها الضغط على إسرائيل، من أجل المضيّ قدمًا.
استنادًا إلى ما تقدّم، يقول العارفون إلى كلام قماطي حول السلاح لم يكن موجّهًا ضدّ رئيس الجمهورية، كما حاول البعض تصويره، ولكن ضد أولئك الذين يعتقدون أنّ الفرصة سانحة للانقضاض على المقاومة، من دون أن يعني ذلك موافقته المطلقة على كلّ ما يطرحه الرئيس عون حول السلاح، إلا أنّه يترك النقاش الجدّي للحوار الثنائي الذي يفترض أن ينطلق قريبًا، وبالتالي فهو يحرص على عدم الدخول في سجال إعلاميّ حول الأمر.
في النتيجة، يقول رئيس الجمهورية إنّ القرار اتُخِذ بحصر السلاح بيد الدولة، ولم يبقَ سوى الاتفاق على الآلية التنفيذية، ويقول المحسوبون عليه إنّ "حزب الله" منفتح على هذا النقاش، من بوابة الاستراتيجية الدفاعية. لكن في المقابل، ثمّة من يعتقد أنّ الحزب ليس جاهزًا بعد لمثل هذا الأمر، وهو لم يصل لمرحلة يقتنع فيها بأنّ سلاحه فقد جدواه، علمًا أنّ أيّ نقاش بالسلاح لا يجوز أن يبدأ، قبل كفّ إسرائيل يدها عن لبنان، بالحدّ الأدنى!.
أخبار متعلقة :