اليوم الجديد

الوضع اللبناني السوري على المحك: الاستضافة السعودية حلّت الاشكالية فماذا عن التعقيدات الاقليميّة؟!

شهدت الحدود اللبنانية السورية توتراً متصاعداً في الآونة الأخيرة، خاصة بعد الاشتباكات العنيفة بين عشائر لبنانية وهيئة تحرير الشام (جبهة النصرة سابقاً) في منطقة حوش السيد، والتي تعكس تعقيدات الواقع الأمني والسياسي المتراكم على جانبي الحدود. تأتي هذه التطورات بالتزامن مع مفاوضات جرت في السعودية بين وزير الدفاع اللبناني ميشال منسى ونظيره السوري مرهف ابو قصرة، في محاولة لاحتواء الأزمة وضمان استقرار الحدود. فما هي تداعيات هذه الاشتباكات، وهل يمكن للمفاوضات أن تفضي إلى حل دائم؟.

اندلعت الاشتباكات في حوش السيد، وهي منطقة حدودية معرضة تاريخياً للنزاعات، نتيجة توترات متصاعدة بين عشائر لبنانية مسلحة وهيئة تحرير الشام، التي تسيطر على أجزاء من محافظة إدلب السورية. يُعتقد أن الخلافات تدور حول النفوذ وطرق التهريب، التي تشكل مصدر رزق للعديد من العائلات في المناطق الحدودية الفقيرة، إلى جانب مخاوف لبنانية من تسلّل عناصر إرهابية. هذه الاشتباكات ليست الأولى من نوعها، لكنها تأتي في ظل ظروف إقليمية وداخلية بالغة الحساسية، حيث يعاني لبنان من أزمات اقتصادية وسياسية غير مسبوقة، بينما لا تزال سوريا غارقة في صراعاتها الداخلية رغم استعادة النظام لسيطرته على معظم الأراضي.

على الجانب السياسي، تكتسب المفاوضات بين وزيري الدفاع في الرياض أهمية رمزية وسياسية. فاختيار السعودية مكاناً للاجتماع يُظهر محاولة منها لعب دور وسيط في ملف شائك، خاصة بعد توجهات عربيّة مؤخراً لتطبيع العلاقات مع النظام السوري. من الناحية الرسمية، تركّز المباحثات على تعزيز التنسيق الأمني ووقف الاختراقات عبر الحدود، إلا أن القضايا الخفيّة قد تشمل ملفّات أوسع، مثل وضع النازحين السوريين في لبنان، ودور الفاعلين الإقليميين المؤثرين على الأرض، كحزب الله، والذي كان يلعب دوراً محوريًا سابقا في سوريا، ما قد يعقّد المفاوضات الثنائية.

رغم ذلك، تبقى احتمالات التوصل إلى حلّ شامل محدودة بسبب عقبات هيكليّة. فمن جهة، تفتقر الدولة اللبنانية إلى السيطرة الفعلية على حدودها الشرقيّة، حيث تتنافس العشائر والفصائل المسلحة على النفوذ، فيما لا تتمتع دمشق بسلطة كاملة على مناطقها الحدوديّة، خاصة مع وجود هيئة تحرير الشام وبعض الخارجين عن سيطرتها. كما أن الاعتبارات الإقليمية تلعب دوراً كبيراً؛ فالتنسيق الأمني بين البلدين قد يصطدم بمصالح قوى إقليمية مثل إيران وتركيا، إذ تؤثران في المشهدين السوري واللبناني. بالإضافة إلى ذلك، يصعب فصل ملف الأمن عن الأزمة الاقتصاديّة في لبنان، والتي تدفع بعض السكان إلى الانخراط في اقتصاد التهريب، مما يُغذي دائرة العنف.

تجدر الاشارة الى أنه تم توقيع اتفاق بين وزيري الدفاع السوري مرهف أبو قصرة واللبناني ميشال منسى خلال اجتماع عقد في السعودية يوم امس، أكدا خلاله على "الأهمية الاستراتيجية لترسيم الحدود بين البلدين، وتشكيل لجان قانونية ومتخصصة بينهما في عدد من المجالات، وتفعيل آليات التنسيق بين الجانبين للتعامل مع التحديات الأمنية والعسكرية وبخاصة فيما قد يطرأ على الحدود بينهما"، وتم البحث ايضًا في قضايا ذات الاهتمام المشترك بين سوريا ولبنان وبما يعزز الأمن والاستقرار بينهما، واتفقق الوزيران على عقد اجتماع متابعة في السعودية خلال الفترة المقبلة.

وبعد أن كان مقررا الاجتماع في سوريا، جاء تغيير المكان بناء على طلب سعودي وبتوجيهات من الملك سلمان بن عبد العزيز، وولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، وبحضور وزير الدفاع الأمير خالد بن سلمان، وقد حضر الوزيران اللبناني والسوري برفقة وفدين أمنيين.

في الخلاصة وبالرغم من أن الفريقين اللبناني والسوري لديهما مصلحة مشتركة في منع تصاعد العنف، إلا أن تحقيق استقرار دقيق على الحدود يتطلب أكثر من تنسيق أمني. فالعوامل الاقتصاديّة والاجتماعيّة، إلى جانب التدّخلات الإقليمية، تشكل تحديات بنيويّة. وفي هذا السيّاق قد تؤدّي المفاوضات الّتي حصلت إلى اتفاقيات مرحلية، لكن ضمان أمن الحدود على المدى البعيد سيبقى رهناً بحلول سياسية أوسع في سوريا، واستقرار لبنان الداخلي، وإرادة دوليّة وإقليميّة لدعم الحلول دون أجندات متضاربة. وبدون ذلك، ستظل منطقة حوش السيد وغيرها من المناطق الحدوديّة قابلة للاشتعال بأيّ شرارة.

أخبار متعلقة :