يحقق اتفاق وقعته السلطات الجديدة في سوريا والقيادة الكردية ويقضي بدمج مؤسسات الإدارة الذاتية في إطار الدولة السورية، مصالح يحتاجها الطرفان في مرحلة حساسة من تاريخ البلاد. فما هي أبرز بنود الاتفاق وما هي المكاسب التي يجنيها الطرفان في حال تطبيقه بحلول نهاية العام؟
ماذا يتضمن الاتفاق؟
ينصّ أبرز بنود الاتفاق الذي وقعه أحمد الشرع وقائد قوات سوريا الديمقراطية مظلوم عبدي في دمشق على “دمج كافة المؤسسات المدنية والعسكرية في شمال شرق سوريا ضمن إدارة الدولة السورية، بما فيها المعابر الحدودية والمطار وحقول النفط والغاز”.
ولم يتحدث الاتفاق عن حل قوات سوريا الديمقراطية، الذراع العسكرية للإدارة الذاتية المدعومة أميركيا، أو تسليم سلاحها، بخلاف ما كانت السلطة في دمشق قد اشترطته للانضواء تحت مظلة الجيش الجديد.
ويتضمن الاتفاق الاعتراف بالمكون الكردي، بوصفه “مجتمعا أصيلا في الدولة السورية”. وينص على “ضمان حقوق جميع السوريين في التمثيل والمشاركة في الحياة السياسية وكافة مؤسسات الدولة”، في موازاة “رفض دعوات التقسيم وخطاب الكراهية”.
والاتفاق المؤلف من 8 بنود، هو بمثابة خريطة طريق يُّفترض أن تعمل لجان مشتركة على نقاشها ووضع آليات تنفيذها بمهلة لا تتجاوز نهاية العام.
ووصف عبدي الاتفاق بأنه “فرصة تاريخية” لبناء سوريا جديدة، بينما عمّت احتفالات شوارع مدن عدة في أنحاء البلاد. ويتعهد الأكراد بموجب الاتفاق “دعم الدولة السورية في مكافحتها كافة التهديدات التي تهدد أمنها ووحدتها”.
ماذا تجني سلطات دمشق؟
جاء توقيع الاتفاق على وقع عمليات قتل جماعي في المنطقة الساحلية في غرب سوريا، راح ضحيتها أكثر من ألف قتيل مدني، غالبيتهم الساحقة من الطائفة العلوية، على أيدي قوات الأمن ومجموعات رديفة لها، وفق المرصد السوري لحقوق الانسان.
وشكّل التصعيد اختبارا مبكرا للشرع الساعي الى ترسيخ سلطته على كامل التراب السوري، بعدما كان تعهد مرارا بالحفاظ على السلم الأهلي وإشراك كافة المكونات السورية، بمن فيها الأقليات، في إدارة المرحلة الانتقالية.
ويرى الباحث في الشأن الكردي موتلو جيفيرأوغلو أن الشرع الذي يواجه ضغوطا دولية كبرى خصوصا بعد أعمال القتل بحق العلويين، “يدرك ضرورة الانخراط مع الأكراد لتقوية موقفه”، إذ يمكّنه ذلك من “تقديم نفسه كقائد ملتزم بضمان تمثيل جميع الهويات في مستقبل سوريا” ومن “تخفيف الضغوط” عنه.
وتحقق دمشق أهدافا أخرى عبر الاتفاق، أبرزها بسط شرعية الدولة على منطقة جغرافية واسعة غنية بالنفط والقمح، وتحتاج السلطات مواردها بشدة. وتقع 90 % من حقول النفط في مناطق سيطرة الأكراد، وفق الباحث في الشأن السوري فابريس بالاش الذي يؤكد أنهم يستحوذون كذلك على حصة أساسية من سلة القمح الغذائية.
ويكسب الجيش السوري الجديد عبر الاتفاق قوة كردية عسكرية منظمة ومدربة، يمكنه التنسيق معها في مواجهة أي تحديات أمنية.
وأشار مصدر من قوات سوريا الديمقراطية الى عمليات مشتركة ستنطلق في الأيام المقبلة في البادية السورية لمحاربة تنظيم داعش الذي حذرت 5 دول الأحد، بينها سوريا وتركيا، من خطر عودته وتعهدت العمل معا لمواجهته.
ولم يتضح مصير إدارة السجون التي يتولاها الأكراد وتضم الآلاف من مقاتلي التنظيم، والتي قال عبدي الشهر الماضي إن سلطات دمشق تريدهم تحت مسؤوليتها.
ماذا يحقّق الاتفاق للأكراد؟
منذ وصول السلطة الجديدة الى دمشق، أبدى الأكراد انفتاحا تجاهها، فرفعوا علمها ذي النجوم الثلاث فوق مقراتهم، وأعربوا عن استعدادهم الانضمام الى الجيش، بدون حل قواتهم.
لكن السلطة الجديدة استبعدتهم من المشاركة في العملية السياسية وفي مؤتمر حوار وطني عقد الشهر الماضي في دمشق وحدد عناوين المرحلة الانتقالية، بذريعة أنهم لم يلبّوا دعوة الشرع للتخلي عن سلاحهم وحل قواتهم، على غرار ما فعلته فصائل مسلحة أخرى.
ويبدو أن الأكراد نجحوا في الحفاظ على تنظيمهم العسكري، وهو شرط رئيسي تمسكوا به خلال محادثاتهم مع دمشق.
ويقول بالانش لفرانس برس “لن تندمج قوات سوريا الديموقراطية بالطبع مع هيئة تحرير الشام” الفصيل الذي تزعمه الشرع وقاد الهجوم الذي اسقط النظام، لكنها ستحاول التنسيق معها ضد تنظيم داعش على سبيل المثال ومنع أي قتال بين الطرفين.
والاتفاق الذي تم توقيعه برعاية أميركية وفق ما قال مصدر كردي، يمنح الأكراد، الأقلية العرقية الأكبر في البلاد والأكثر تنظيما عسكريا وسياسيا، اعترافا بدورهم وهويتهم. ويوضح جيفيرأوغلو أنه بعد توقيع الاتفاق “لم يعد ممكنا تهميش الأكراد في صياغة مستقبل سوريا”.
ونما نفوذ الأكراد بعد اندلاع النزاع عام 2011، وانشائهم إدارة ذاتية، سرعان ما توسّعت مساحتها بعدما شكلوا بدعم أميركي قوة رئيسية في دحر تنظيم داعش من مناطق واسعة في شمال وشرق البلاد.
لكن توسعهم قرب الحدود مع تركيا جعلهم عرضة لعمليات عسكرية شنتها أنقرة مع فصائل سورية موالية لها منذ 2016 لإبعادهم عن حدودها، ما أحدث موجات نزوح واسعة.
ويأمل المسؤولون الأكراد إعادة سكان عفرين ومناطق أخرى الى بلداتهم، بموجب الاتفاق. ويأملون أيضا ان يجنبهم المزيد من هجمات تركيا، التي لطالما اعتبرتهم امتدادا لحزب العمال الكردستاني.
وجاء توقيع الاتفاق على وقع المحادثات بين تركيا وحزب العمال الكردستاني، الذي أعلن زعيمه عبدالله أوجلان الشهر الماضي، وقف النار مع تركيا وحل الحزب.
المصدر: أ ف ب
أخبار متعلقة :