اليوم الجديد

الاستثمار والتنمية في الإسلام

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق

الحمد لله وكفى، وصلاةً وسلامًا على عباده الذين اصطفى وخاصَّةً النبيَّ المصطفى وبعد،،،،
فإنَّ الحق سبحانه وتعالى خلق الإنسان وجعله الخليفة في الأرض، قال تعالى: " وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً" [البقرة: 30]، وسخَّر له سائر الكائنات في السموات والأرض، قال تعالى: " وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مِنْهُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ" [الجاثية: 13]، وبيَّن الحقُّ سبحانه وتعالى أنَّ من مقاصد خلق الإنسان وتسخير الكون له: التعمير فقال تعالى: " هُوَ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا" [هود: 61].

ومن التعمير  المطلوب شرعًا: استثمار الأموال وتنميتها؛ فالمالك الحقيقيُّ للمال هو الله تعالى والإنسانُ مُستخلَفٌ فيه، قال تعالى: " آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَأَنْفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُمْ مُسْتَخْلَفِينَ فِيهِ  " [الحديد: 7]،  فاستثمار الأموال مطلبٌ شرعي؛ حيث أمر الحقُّ سبحانه وتعالى الإنسان بالسعي والمشي في أنحاء الأرض والأكل من رزقه، فقال تعالى: " هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ "[الملك (15)]، وحثَّه على التجارة والعمل على تنمية المال واستثمار خيرات الطبيعة بالوسائل المشروعة؛ قال تعالى: "وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا" [البقرة: 275].

وقال تعالى: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ" [النساء: 29]، ووضع الشرع الحنيف تدابيرَ احترازيَّةً للحفاظ على المال منها: تحريم الاكتناز فقال تعالى: " وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ " [التوبة (34)]، ومنها: تحريم الأساليب الموهومة التي تبدو في ظاهرها وسائل لتنمية المال وزيادتها كالربا والاحتكار.

كما أنَّ الشرع حافظ على استمرارية تداول المال وتقلبه ؛ فالمال في الإسلام لا تنحصر تنميته في أيدي أفراد معدودة بل لا بد من إشراك عدد كبير من أفراد المجتمع في تقلب المال المراد تنميته وتثميره امتثالا لقوله تعالى: "مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ كَيْ لَا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِيَاءِ مِنْكُمْ" [الحشر  (7)]. 

ووضع الإسلامُ لاستثمار الأموال معاييرَ أخلاقيةً وقيمًا لا بُدَّ من تحققها لتنعم المجتمعات بتنميةٍ مستدامةٍ آمنةٍ، منها: التزام الصدق والأمانة، ففي الحديث: "التاجر الصدوق الأمين مع النبيين والصديقين والشهداء" [أخرجه الترمذي في سننه، ك:البيوع، ب: ما جاء في التجارة، ح: (1209)، وقال: حديث حسن ]، ومنها: الوفاء بالعقود والعهود: فالمسلم الحقيقي هو الذي يفي بالوعد والعهد والعقد امتثالًا لقوله تعالى: " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ" [المائدة: 1]، وقوله تعالى: " وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْئُولًا" [الإسراء: 34]، ومنها: عدم الاعتداء على الغير أو الإضرار به.

فالمسلم منهيٌّ عن إلحاق الضرر بالغير والاعتداء عليه امتثالًا لقوله تعالى: " وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ" [البقرة: 190]، وقوله صلى الله عليه وسلم: "لا ضرر ولا ضرار" [أخرجه ابن ماجة في سننه، ك: الأحكام، ب: من بنى في حقه ما يضر بجاره، ح: (2340)، وقال النووي في شرح الأربعين النووية ص27: "حديث حسن"]، ومنها: معيار الالتزام بالحكام الشرعية، فالمستثمر المسلم دائمًا يشعر دائمًا بأنَّ تصرفه محكوم بطاعة الله تعالى واجتناب نواهيه، والشريعة حثَّت المسلم على أكل الحلال الطيب واجتناب الحرام الخبيث، قال تعالى: " وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ " [الأعراف: 157]، وقال تعالى: " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُوا لِلَّهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ  "  [البقرة: 172]. 

والمتأمل فيما سبق من نصوص وغيرها يجد أنَّ الإسلام وضع أهميَّةً كبرى لاستثمار الأموال، وأرشد المسلم وغيره إلى تحقيق مقصد التعمير بأساليب مشروعة ومعايير محكمة مضبوطة؛ لتحقيق تنميةٍ مستدامةٍ فيها نفعٌ للبشرية فهو سبحانه الخالق وهو العليم بخلقه قال تعالى: " أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ" [الملك: 14].  

أخبار متعلقة :