يدخل الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الشهر الثاني من ولايته، باختلاف طفيف عن وضعه يوم التنصيب، إذ يتراجع تأييده في استطلاعات الرأي، ويشعر بعض حلفائه في الحزب الجمهوري بالقلق وأعربوا عن هذا صراحةً.
ويواجه أعضاء الكونجرس الأمريكي انتقادات من الحزبين في مقار المجالس البلدية التي يسودها الغضب.
ما سبب المشكلة؟
تعزيز ترامب لنفوذ إيلون ماسك.
في البداية، تحمس الجمهوريون وبعض الديمقراطيين للعمل مع مبادرة الكفاءة الحكومية التي يديرها ماسك، لكن ما لبث أن تلاشى هذا الحماس، إذ أدت جهود ماسك لترغيب أو ترهيب أو فصل 2.6 مليون موظف فيدرالي، إلى تصاعد التحديات القانونية وزيادة عناوين الأخبار المحرجة عن فصل خبراء الأسلحة النووية، وموظفي سلامة الأغذية، وعلماء أنفلونزا الطيور بالخطأ.
اعتراض على إجراءات ماسك
يدق ناقوس الخطر في مسامع الجمهوريين فيما يسعون إلى تنفيذ أجندة ترامب التشريعية، ويركزون على انتخابات التجديد النصفي في 2026.
وبإذعانهم السهل لترامب، سمحوا بتعزيز نفوذ ماسك وزيادة صلاحيات ترامب، وأدى الأمران إلى نتائج سيئة في استطلاعات الرأي.
يرى نحو 57% من الأمريكيين أن ترامب يتجاوز نطاق سلطته منذ تولي المنصب، بحسب نتائج استطلاع رأي أجرته صحيفة “واشنطن بوست” وشركة “إبسوس”.
أما ماسك -أكبر المتبرعين لحملة ترامب الانتخابية- فاعترض 49% على المهمة التي يضطلع بها، إذ يرى 37% منهم أنه يقلل الهدر في الإنفاق، ويعتقد 34% أنه يخفض تمويل برامج ضرورية، بينما أشار 26% إلى أنهم غير متأكدين من فهمهم لما يفعله ماسك.
بدأت الخلافات تدب في السلطة التنفيذية.
مطالبة ماسك المتكررة بإرسال تقرير عن تقدم العمل من كل موظف فيدرالي قوبلت برفض عدد من رؤساء الهيئات، ومن بينهم أخلص الموالين لترامب، مثل رئيس مكتب التحقيقات الفيدرالي كاش باتيل، ومديرة الاستخبارات الوطنية تولسي جابارد.
ثم تدخل ترامب لاحتواء الموقف لصالح ماسك، ما زاد الوضع غموضاً.
الجمهوريون يتحملون التبعات
قال ترامب خلال اجتماع مع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في المكتب البيضاوي إن: “ما يفعله ماسك، هو طرح سؤال؛ هل تنجز العمل بالفعل؟ ثم إذا لم تجب بعدها، فإما أنك شبه مفصول أو مفصول بالفعل، إذ لا يجيب عدد كبير من الناس لأنهم غير موجودين أصلاً”.
حسناً، شبه مفصول أو مفصول بالفعل. لكن هناك أيضاً أشخاصا غير موجودين أصلاً. فهمت.
هذا النوع من الفوضى والغموض هو ما يتعين على المسئولين الجمهوريين تحمل تبعاته في المجالس البلدية في ولاياتهم.
لأسابيع، شكلت ثروة ماسك وحنكته في مجال الأعمال، إلى جانب الفكرة عن تكاسل موظفي الحكومة، مبرراً كافياً لتوسيع نطاق صلاحياته، أما الآن، فيتعين على الجمهوريين تقديم تفسيرات أكثر إقناعاً لما يحدث.
بعد أيام من مواجهة النائب الجمهوري عن ولاية جورجيا في الكونجرس ريتش مكورميك، انتقادات بسبب ماسك ، من حشد غاضب في مجلس البلدية، قال لبودكاست صحيفة “أتلانتا جورنال كونستيتيوشن”: “يجب علينا دراسة التبعات على كل وزارة في أثناء تنفيذ الإجراءات. متأكد من قدرتنا على ذلك. نحن نتحرك بوتيرة سريعة للغاية، دون معرفة التأثير الفعلي”.
غموض خفض الإنفاق
يبدو ترامب قلقاً من التبعات. فجرى إلغاء بعض قرارات فصل الموظفين، كما أشار ترامب إلى احتمال توزيع “عائد إدارة الكفاءة الحكومية” على دافعي الضرائب الأمريكيين بناءً على الوفورات الناجمة عن خفض الوظائف الحكومية.
لم يتضح بعد حجم النفقات التي جرى توفيرها فعلياً، فيما تواصل إدارة الكفاءة الحكومية التي يديرها ماسك اختلاق الأرقام وتضخيمها.
وكما أشار تحليل “بلومبرج”، فرغم زعم الإدارة توفير 55 مليار دولار حتى الآن، فذلك أقل من 1% من الموازنة الفيدرالية السنوية، فضلاً عن أن مجموع القائمة التفصيلية -الحافلة بالأخطاء- التي أصدرتها الإدارة لا يعادل إلا ثلث هذا المبلغ.
وحتى لو كان ممكناً تحقيق مزيدٍ من الوفورات، فإن توزيع الشيكات على المواطنين لن يساعد في تقليص عجز الموازنة، كما قد يؤدي إلى ارتفاع التضخم.
خفض الإنفاق ليس سهلاً
رغم أن مناقشة خفض الإنفاق تلقى تشجيعاً على الصعيد السياسي في معظم الأوقات، فإن تنفيذه أبعد ما يكون عن ذلك. ويرجع ذلك إلى أن الأمريكيين يتأثرون بالخفض الكبير في الإنفاق.
بحسب دائرة بحوث الكونجرس، يعمل حوالي مليون موظف فيدرالي في الولايات التي فاز فيها ترامب، ويسهمون في الاقتصادات المحلية.
وقد يؤدي فصل حوالي 7000 موظف من مصلحة الضرائب الداخلية إلى إبطاء فترات الاستجابة خلال موسم تقديم الإقرارات الضريبية.
كما خفضت المتنزهات الوطنية ساعات العمل نتيجة تقليص العمالة، وفصلت وزارة شئون المحاربين القدامى موظفي الرعاية الصحية، ثم عينتهم مرة أخرى (كانت الوزارة تعاني من نقص العمالة بالفعل).
رضا الناخبين
يصعب تصور أن يؤدي هذا النهج العشوائي في تقليص العمالة وخفض التكاليف إلى تحسين كفاءة الحكومة عن مستواها عند تولي ترامب الرئاسة.
يدرك ترامب أهمية تلبية احتياجات الناخبين، ويستمر في تحقيقها للقاعدة المتحمسة التي تؤيده، حتى لو اقتصر أغلبها في انتصارات رمزية على “ثقافة الوعي”.
وسلكت إدارة الكفاءة الحكومية النهج ذاته، إذ يتمثل جزء من جاذبيتها في تحدي الخبراء والنخب.
إنها “استفزاز لليبراليين وإظهار لسيطرة المحافظين” على أوسع نطاق.
رغم ذلك، قد يأتي هذا النهج بنتائج سلبية في النهاية، إذ يشتت الانتباه عن قضايا ضروريات الحياة التي تُعد الشاغل الرئيسي للناخبين العاديين.
يصعب فهم كيف سيؤدي تسريح عدد كبير من الموظفين الفيدراليين إلى تحسين حياة المواطنين.
أما بالنسبة لترامب، فاستفزاز الليبراليين قد ينقلب إلى ضرر جلبه على نفسه في نهاية المطاف.
0 تعليق