سوريا تطوي صفحة العقوبات لتكتب فصلًا جديدًا في اقتصادها

sky news arabia 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ

نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
سوريا تطوي صفحة العقوبات لتكتب فصلًا جديدًا في اقتصادها, اليوم الأربعاء 27 أغسطس 2025 06:32 صباحاً

بعد أكثر من عقد من الحصار المالي، اتخذت وزارة الخزانة الأميركية قراراً وصف بالمفصلي، بإخراج سوريا من برنامج العقوبات الخاضعة لمكتب مراقبة الأصول الأجنبية (OFAC). القرار شمل رفع أسماء أكثر من 500 فرد ومؤسسة سورية، من ضمنها مصرف سوريا المركزي، ما يعني أن التعاملات المالية والتجارية مع مؤسسات الدولة لم تعد محظورة بشكل تلقائي.

انفراجة مالية بعد سنوات من الحصار

الخطوة فتحت الباب أمام عودة التحويلات المالية بالدولار إلى البلاد، وربط البنوك السورية مجدداً بشبكة المدفوعات العالمية سويفت، فضلاً عن إمكانية مشاركة الشركات الأميركية في الاستثمار والاستيراد والتصدير.

ورغم أن القرار يوصف بالتحرر الأكبر من العقوبات منذ سنوات، فإن قيوداً مهمة ما تزال قائمة، أبرزها قانون قيصر  المجمد مؤقتاً لكن غير ملغى  إضافة إلى العقوبات المرتبطة بمكافحة الإرهاب وحقوق الإنسان والصادرات العسكرية.

استثمارات بالمليارات... والأفق أكبر

الإشارات الأولى جاءت سريعة:

  • 28 مليار دولار استثمارات دخلت سوريا في سبعة أشهر فقط.
  • طموح لجذب 100 مليار دولار من الاستثمارات الأجنبية.
  • 12 مشروعاً استثمارياً بقيمة 14 مليار دولار أعلنتها هيئة الاستثمار السورية.
  • تقديرات وزارة الاقتصاد والصناعة تشير إلى أن إعادة إعمار سوريا الجديدة تحتاج إلى 400 مليار دولار.

هذه الأرقام تعكس حجم الرهان الذي تبني عليه دمشق في مرحلة ما بعد رفع العقوبات.

أسامة قاضي: "الصفحة طويت إلى غير رجعة"

في حديثه إلى برنامج "بزنس مع لبنى" على قناة سكاي نيوز عربية، قدّم الدكتور أسامة قاضي – مستشار الاقتصاد السياسي – قراءة متفائلة للقرار الأميركي، قائلاً: "بعد 57 يوماً من أمر رفع العقوبات من الرئيس ترامب، وبعد 1368 ساعة من ذلك الوقت... طويت العقوبات وأصبحت تاريخاً. نحن الآن في مرحلة جديدة تعطي رسائل رائعة لكل الاستثمارات الأجنبية والأميركية خصوصاً، وكذلك البنوك والشركات التي تنتظر دخول السوق السورية".

قاضي يرى أن الولايات المتحدة "جادة فعلاً في استقرار سوريا ونهضتها"، وأن إلغاء حالة الطوارئ الوطنية الخاصة بسوريا يمثل دلالة على التحول.

النفط والغاز في صدارة المشهد

من أبرز القطاعات التي يتوقع أن تشهد اندفاعاً استثمارياً: النفط والغاز. قاضي ذكّر بحقل "كونيكو" الذي كانت تديره شركة أميركية قبل الحرب، ورجّح عودة الشركات الأميركية إلى الحقول السورية، قائلاً:

"هناك مئات من آبار النفط المدمرة جزئياً أو التي أسيء استخدامها على مدى السنوات الماضية. شركات أميركية وأوروبية مهتمة فعلاً بالدخول، لكن كان لابد من إشارة تنفيذية واضحة، وهذا ما تحقق اليوم".

ثقة البنوك... وحراك الشركات الخليجية

القرار الأميركي لم يفتح شهية الشركات الأميركية فقط، بل أزال مخاوف مستثمرين آخرين. وفق قاضي، فإن "الشركات الخليجية سترتاح جداً مع هذا القرار لأنها تدرك أن العقوبات ذهبت إلى غير رجعة"، وبالتالي يمكنها دخول السوق السورية بأمان.

كما أن البنوك الأجنبية، بحسبه، ستجد في القرار مؤشراً إيجابياً يتيح لها التفكير بفتح فروع في سوريا، ما يعزز البنية المالية ويعيد الثقة إلى القطاع المصرفي.

إعمار بلا ديون: نموذج عقود "BOT"

واحدة من النقاط اللافتة في رؤية دمشق للإعمار هي رفض الاعتماد على القروض الدولية، والتركيز على عقود الاستثمار طويلة الأمد (BOT). يشرح قاضي: "نحن لا نستطيع أن نستدين من أجل الإعمار، لكننا نستطيع الدخول بعقود استثمارية. بعض الشركات الأوروبية وافقت على هذه الصيغة: بناء وحدات سكنية لمن تهجروا، إضافة إلى شقق جديدة، مقابل إدارة المشروع لمدة 15 إلى 20 سنة".

الاحتياج ضخم: ما بين 3 إلى 4 ملايين وحدة سكنية مطلوبة في أنحاء سوريا. الرؤية تقوم على تطوير عمراني بمعايير عالمية، تتضمن مساحات خضراء ومشافي وبنى تحتية حديثة.

السوريون في الخارج: رأس مال بشري ومالي

بعيداً عن الاستثمارات الأجنبية، يراهن المسؤولون السوريون على المغتربين واللاجئين. قاضي قال: "هناك ملايين السوريين في الخارج منذ السبعينيات والثمانينيات، وأحفادهم اليوم جاهزون للمساهمة في التنمية. وربما نرى قريباً صكوكاً أو سندات خزينة مطروحة في السوق المالية، يستطيع السوري أن يشتريها ويكون جزءاً من إعادة الإعمار".

إضافة إلى ذلك، التعاون بين هيئة الأوراق المالية وشركة "مبادلة" يعكس بداية تأسيس سوق مالية أكثر تنظيماً، رغم أنها ما تزال "بدائية" بحسب وصفه.

التحديات الثقيلة: سيولة وعملة جديدة

لكن التفاؤل لا يلغي التحديات. سوريا بحاجة ماسة إلى بنية تحتية مصرفية عصرية. قاضي أوضح: "نحن نحتاج إلى سيولة غير متوفرة حالياً بشكل كافٍ، وإلى إنهاء المضاربة وغسيل الأموال. إذا صدرنا العملة الجديدة في ديسمبر، أمامنا ثلاثة أشهر للعمل ليل نهار لإنجاز المهمة".

الحسابات دقيقة: لكل مليون شخص يجب توفير 50 صرافاً آلياً. فقط دمشق وحلب تحتاجان معاً إلى نحو 800 جهاز، إضافة إلى ضرورة إنشاء غرفة مقاصة إلكترونية لربط نقاط البيع بالمصارف.

أما مسألة طباعة العملة، فقد أشار حاكم المصرف المركزي إلى أن هناك "ثلاث جهات" ستساهم في العملية دون تحديدها حتى الآن.

هل هي بداية النهاية لقانون قيصر؟

رغم كل ما سبق، فإن التساؤل الأبرز يبقى: ماذا عن قانون قيصر؟ القرار الأميركي لم يلغِ القانون بل جمده مؤقتاً، ما يعني أن أي توتر سياسي قد يعيد تفعيله بسرعة. هذا يترك ظلالاً من الحذر لدى المستثمرين الذين يعرفون أن الإطار القانوني ما زال غير مستقر تماماً.

بين الفرصة والتحدي

المشهد السوري بعد رفع العقوبات عن OFAC يحمل تناقضين واضحين:

  • فرصة تاريخية لالتقاط أنفاس الاقتصاد وجذب استثمارات بالمليارات.
  • تحديات بنيوية تتعلق بالسيولة، البنية المصرفية، وبقاء بعض العقوبات.

ومع تقديرات كلفة الإعمار التي تصل إلى 400 مليار دولار، تبدو الطريق طويلة. لكن المؤشرات الأولى – من تدفق الاستثمارات، إلى رسائل الشركات الأجنبية، وعودة الثقة بالقطاع المالي – تعطي انطباعاً بأن سوريا بالفعل فتحت صفحة جديدة في دفتر اقتصادها.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق