فجّر ملف "كشف الإعاشة" لمسؤولين يمنيين من منتسبي السلطة الشرعية المقيمين خارج البلاد، جدلاً واسعاً بين أوساط اليمنيين، على منصات التواصل الاجتماعي. و"كشف الإعاشة" هي قائمة تضم آلاف الأسماء من منسوبي السلطة الشرعية المقيمين خارج البلاد (باستثناء السلك الدبلوماسي)، تُصرف لهم مبالغ شهرية بالعملات الصعبة (الدولار والريال السعودي)، بالإضافة إلى مرتبات من عدن. ويأتي الجدل عن "الإعاشة" بصرف ملايين الدولارات شهرياً لمسؤولين يقيمون خارج حدود الوطن، بينما ملايين اليمنيين عاجزون عن تأمين وجبة يومية، الأمر الذي يكشف الفجوة الشاسعة بين السلطة والناس، في ظل الحديث عن إصلاحات اقتصادية تقودها الحكومة في عدن. وتوالت ردود فعل اليمنيين بشأن ملف كشف الاعاشة، الذين اعتبروا إيقافها معيار لمدى جدية السلطة في مواجهة الفساد وإعادة ترتيب الأولويات والإصلاحات الاقتصادية، وسط مطالبات بعودة كل المسؤولين إلى عدن وبقية المحافظات المحررة. وكانت دراسة بحثية سابقة كشفت عن تفاصيل ما عُرف إعلاميًا بكشف الإعاشة، حيث يستفيد منه ليس فقط مسئولون حكوميون، بل أيضًا مغتربون وأشخاص لم يسبق لهم العمل في القطاعين المدني أو العسكري. الورقة البحثية التي نشرها مركز المخا للدراسات، أوضحت أن بقاء هذه الكشوفات بصورتها الحالية يساهم في إطالة أمد الحرب، إذ إن من يتقاضى مبالغ خيالية في الخارج لن يكون متحمسًا لعودة السلطة الشرعية إلى الداخل، وهو ما يجعل الملف تهديدًا جوهريًا لشرعية الحكومة نفسها. وأبرزت الورقة الفوارق الضخمة بين ما يحصل عليه المستفيدون من كشف الإعاشة مقارنة بالجنود المرابطين في الجبهات، ما يعكس خللًا صارخًا في العدالة المالية. وأوصت الدراسة بإدراج ملف "كشف الإعاشة" ضمن مصفوفة الإصلاحات الاقتصادية للحكومة، وخفض المبالغ الشهرية للمستفيدين بنسبة 50% في مايو، ثم 25% إضافية في سبتمبر، تمهيدًا لإنهاء العمل بالكشف مطلع العام القادم. وإلزام المسئولين الحكوميين بالعودة للدوام من داخل اليمن. وأكدت أن معالجة هذا الملف بحزم لم يعد خيارًا، بل ضرورة لإنقاذ الشرعية من داخلها وضمان عدالة مالية تعزز الصمود لا تُطيل أمد الحرب. وتعليقا على ذلك قال الصحفي، فتحي بن لزرق، إن يوم أمس الأول تم صرف مبلغ وقدره 11 مليون دولار، وتم تحويله بنكيًا إلى حسابات المسؤولين الحكوميين المقيمين في الخارج تحت بند الإعاشة الشهرية للمؤلفة قلوبهم (دفعة أولى)، حسب قوله. وأضاف "من المعيب أن يتم تحويل كل هذه الأموال إلى الخارج، في حين أضغط أنا وغيري منذ أسابيع على معلم لا حول له ولا قوة، راتبه 60 ألف ريال لم يُصرف منذ ثلاثة أشهر، نطالبه بسرعة "العودة" إلى قاعات التدريس، ومثلهم الآلاف من جنود الجيش والأمن الذين ينتظرون منذ أشهر مرتبهم اليتيم الذي لم يصل حتى اليوم، يسمعون بانخفاض الأسعار ولا يستطيعون شراء شيء". وأضاف "وصمة عار ما يحدث، بل أنه الخزي والعار ذاته، ما يحدث من تصرف بمال الشعب للقابعين في الخارج فعل لم يعد مقبولًا ولا مقبولًا استمراره، كفى عبثاً". من جانبه الصحفي المهتم بالشأن الاقتصادي، وفيق صالح، يرى أن الإصلاحات الفعلية تبدأ بمعالجة التحديات المتعلقة بتدفقات النقد الأجنبي إلى الخارج، وتنظيم عمليات تحويل العملة الصعبة من الداخل، والتي تتم تحت مسمى الإعاشة". وأكد أن هذه التحويلات الكبيرة الى الخارج تمثل استنزافا للموارد النقدية للبلاد وتضعف من قيمة العملة المحلية. وقال إن "النقطة الاخرى التي لا تقل أهمية، هي ضرورة ضبط عمليات بيع النقد الأجنبي في السوق المحلية، وعدم البيع بكميات كبيرة، حيث تستخدم هذه العمليات غالبا في أنشطة المضاربة وتسهيل غسيل الأموال، حيث يتم تحويل الأموال المنهوبة من العملة المحلية إلى عملة صعبة، من قبل المسؤولين، ثم تحول إلى حسابات شخصية في الخارج". وأشار صالح إلى أن هذه الاختلالات تقف عائقا أمام جهود أي إصلاحات للأوضاع الاقتصادية، ما يفرض على البنك المركزي اليمني، وضع سياسات نقدية صارمة، تنظم تدفقات العملة الأجنبية وتكافح المضاربة وتهريب الأموال، لتحقيق الاستقرار في سعر الصرف وحماية الاقتصاد الوطني من التدهور. الصحفية والناشطة الحقوقية فاطمة الأغبري قالت "كل دولار يستلموه هو مغمس بالدم اليمني، هم فالحين فقط يظهروا لنا عبر المنصات ويعملوا أنفسهم وطنيين، وهم جالسين يتعاشوا على الوطن وأهله". وقالت "المواطن في الداخل حالته حالة، وهم يتاجروا به ويستلموا مبالغ خيالية، لدرجة أن راتب الواحد فيهم ممكن يعالج مشكلة 100 أسرة تعاني من الفقر المدقع في الداخل، وكمان ممكن يساهم في علاج المرضى، مش لاقيين قيمة العلاج، ودفع رواتب الناس"، مستدركة بالقول "صحيح الذي اختشوا ماتوا". الرئيس السابق للهيئة العامة لحماية البيئة باليمن، عبدالقادر الخراز، علق بالقول "مسألة الاعاشة قد تم اتخاذ قرار وقفها منذ فترة وأعطي إلى نهاية هذا العام للتنفيذ، وأعتقد كثير ممن يستلموا يعرفوا ذلك". وأضاف "تصحيح الأخطاء يجب استمراره ودعمه ومن المهم أن يترافق بالمحاسبة، ومن لا يريد تصحيح الوضع سيتحمل النتائج"، مردفا "للعلم أن من يستلم الاعاشة وبالذات من أصحاب المناصب العليا كانوا ومازالوا يستلموا أيضا مخصصاتهم بالريال اليمني المقررة إلى جانب المبالغ الدولارية". وتابع "هذي المرتبات الدولارية الاعاشة، في 2021 قمنا بجرد جزء منها وفق العدد والمناصب وتحديد حجمها في حينه وبجدول مفصل". أسامة المحويتي كتب "نصيحة: لا تخوضوا معركة خاسرة بخصوص ملف الإعاشة، لأن إيقاف رواتب ومستحقات الجنود في الجبهات أسهل للشرعية من إيقاف كشف الإعاشة"، وفق تعبيره. أما سليم خالد، فقال "المطلب إسقاط الكشف ووقف هذه الممارسة التي تشرعن الفساد باسم الحفاظ على بناء الدولة ونصرة الجمهورية". وقال "نشر الكشوفات وتصنيف الأسماء لا يعني شيئاً إذا لم تتوقف مهزلة الإعاشة والنضال بالواي فاي، لا تضيعوا المطلب بالمناكفة وتبادل الاتهامات، وكالعادة تصنعون ضجيجاً وتتركون الطحين". ناصر الشريف، قال إن "أحد وكلاء الوزارات اشتغل مع جماعة الحوثي بصنعاء حتى العام 2018. استغنى الحوثيون عن خدماته، فأقالوه من منصبه فغادر مباشرة إلى عدن ومن عدن الى الرياض". وأضاف "في الرياض تم اعتماد راتب 5000$ للوكيل في كشف الإعاشة، ثم بعدها غادر الوكيل إلى أمريكا ولا يزال هناك حتى اليوم ويصله مخصصه من الإعاشة إلى هناك من حال القوم".