اشارت وكالة "شينخوا"، في مقال الى أن "مع ساعات الصباح الأولى وفي ظاهرة مفاجئة غير متوقعة شدت أنظار المواطنين وخبراء البيئة تحليق أسراب كبيرة من طيور البجع والأوز في أجواء مناطق عدة بشرق وجنوب لبنان لتكسر النمط التقليدي في هجرتها وتفتح بابًا واسعًا من التساؤلات. رفوف متعددة من هذه الطيور تشق بأجنحتها الطويلة الهواء متخذة خطوطًا منظمة أشبه بفرقة موسيقية تحافظ على تناغمها بين الارتفاعات والاتجاهات في تشكيلات متعددة الأحجام ومتفاوتة الإرتفاعات تتقاطع وتتماوج محاولة تخفيف جهدها أثناء رحلتها الطويلة مشيرة بذلك لعظمة الطبيعة وإرتباطها بالحركة الدورية للحياة". وخلال التقاطها صورا بهاتفها المحمول لطيور البجع التي حطت عند ضفاف بركة مياه عند الطرف الشمالي لبلدة إبل السقي شرق جنوب لبنان، قالت الشابة العشرينية دلال غازي لوكالة أنباء ((شينخوا)) "لم أصدق ما أرى من لوحة فنية حية رسمتها هذه الطيور حول البركة التي تكاد أن تجف مياهها". وأضافت "لا أعرف إذا كانت هذه الطيور قد أضاعت البوصلة، أم الطبيعة والتغير المناخي العالمي خدعها، فسارعت في رحلتها الطويلة قاصدة المناطق الدافئة لتمضية فصل الشتاء، إنه لغز نجتهد لحله". من جهته، الشاب أكرم يوسف (40 عاما) أكد لـ"شينخوا" أن "الطبيعة حقا تبدلت وتغيرت مما دفع بهذه الطيور لمواكبة هذا التبدل المناخي فأسرعت بالتوجه إلى مأواها الشتوي قبل حوالي الشهر ونصف من الموعد المعتاد". أحد كبار الصيادين، جلال عبد الله (70 عاما) وخلال متابعته لحركة عبور الطيور، عبّر لـ"شينخوا"، "عن دهشته من هذه الظاهرة المستجدة"، قائلا إنها "المرة الأولى في حياتي أشاهد فيها أسراب الطيور المهاجرة تعبر أجواء منطقتنا الجنوبية في مثل هذه الفترة، إنه مشهد غير مألوف يثير التساؤلات". وأضاف "لا أجد تفسيرا لهذه الظاهرة سوى ما يحكى عن التغيير والتبدل المناخي العالمي، فالطبيعة لم تعد كما عهدناها، والطيور التي تعتمد على أنماط الطقس التقليدية يبدو وكأنها خدعت، أو أنها أجبرت على التأقلم مع المناخ العالمي الجديد الذي أربكها وأجبرها على تغيير مساراتها المعتادة". بدوره اوضح الناشط البيئي والمحاضر الجامعي، كامل خيرالدين لـ"شينخوا"، أن "هذه الظاهرة تشير بشكل واضح إلى التأثير الواضح للتبدل المناخي العالمي على سلوك الطيور المهاجرة بشكل عام". وأضاف "غزارة الأمطار في الكثير من البلدان وارتفاع الحرارة غير العادي في بلدان أخرى وتغير أنماط الرياح والجفاف أربك الطيور، مما جعلها تبدل نمط حركتها وهذا ما شاهدناه في لبنان من عبور للطيور المهاجرة قبل المواعيد المحددة". وذكر خير الدين "كون لبنان يعتبر الممر الرئيس للطيور المهاجرة بالإتجاهين على مستوى العالم، حيث تعبر الملايين منها سنوياً بين أوروبا وإفريقيا، فقد بدت هذه الظاهرة جلية في أجوائنا دون أن نتمكن من معرفة إذا كانت هذه الظاهرة عابرة أو ستكون لاحقا مكرسة مما يعني أن التبديل المناخي غير أيضا في مواعيد هجرة الطيور". وشدد على "ضرورة مراقبة ومتابعة هذه الظاهرة وحماية الطيور وممراتها الطبيعية، في وقت تتزايد فيه الضغوط المناخية وخلل التوازن البيئي على بلدان العالم ومنها مناطقنا". وقالت الوكالة "المعروف أن الطيور المهاجرة تعبر لبنان مرتين في السنة، الأولى نهاية الربيع والثانية مع حلول فصل الخريف، وخلال فترة عبورها تحط في العديد من المحطات وخاصة البرك وأحراج الصنوبر. وتتعرض هذه الطيور في الكثير من الحالات، وفق مصادر في قوى الأمن الداخلي وجمعيات حماية الطيور، للصيد الجائر والذي حدا بالعديد من المنظمات الدولية البيئية إلى إثارة الموضوع والإحتجاج لدى الجهات اللبنانية المعنية والطلب منها بذل الجهود لمنع صيدها وتركها تمر بأمان في الأجواء اللبنانية". وأكد علماء معنيين في هذا الصدد للوكالة أن "تغير المناخ حقيقة واقعة وخطيرة، وأن النشاط البشري هو السبب الرئيس في ارتفاع درجات الحرارة العالمية، حيث بلغت مستويات قياسية في السنوات الأخيرة". وأضافوا أن "الارتفاع بدرجات الحرارة يرجع إلى زيادة انبعاثات غازات الاحتباس الحراري مثل ثاني أكسيد الكربون والميثان، والتي تحبس الحرارة في الغلاف الجوي بحيث تؤدي هذه التغيرات إلى عواقب وخيمة تشمل الجفاف، والفيضانات، وارتفاع منسوب سطح البحر، وتدهور التنوع البيولوجي، وزيادة في الظواهر الجوية المتطرفة".