“المتر الوهمي”.. أزمة ثقة في السوق العقاري

البورصة 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ

تزايدت شكاوى العملاء في السوق العقاري من ظاهرة ما يُعرف بـ«المتر الوهمي»، إذ يتعاقد المشترون على وحدة بمساحة 100 متر مثلًا، بينما يكتشفون عند الاستلام أن صافي المساحة لا يتجاوز 65 أو 70 مترًا فقط.

هذه الفجوة بين المتفق عليه وما يتم تسليمه على أرض الواقع، تمثل إهدارًا مباشرًا لحقوق العملاء، وأصبحت تهدد ثقة المستثمرين والأفراد في جدية السوق العقاري.

واتفق خبراء ومتعاملون في القطاع العقاري علي ضرورة وجود معايير دقيقة لاحتساب مساحات الوحدات، تلتزم بها جميع الشركات العقارية، مع إمكانية لجوء العميل إلى جهاز حماية المستهلك حال وجود فارق واضح بين المساحة المتعاقد عليها والمساحة الفعلية وذلك لضمان حقه.

أنيس: نسبة التحميل الطبيعية في المشروعات السكنية والتجارية بين 10 و15%

كشف أحمد أنيس، رئيس الجمعية المصرية لخبراء التقييم العقاري، عن وجود تلاعب من جانب بعض الشركات عند تسويق الوحدات، إذ يتم التعاقد مع العملاء على مساحة معينة، بينما يفاجأ المشترون عند الاستلام بأن المساحة الفعلية أقل بكثير من المتفق عليها.

وأوضح أن نسبة التحميل الطبيعية في المشروعات السكنية والتجارية تتراوح بين 10 و15% من المساحة الإجمالية للوحدة.

أضاف أنيس، أن بعض الشركات تصل بهذه النسبة إلى 60%، وهو ما يمثل تجاوزًا كبيرًا يستدعي التدخل العاجل لإقرار معايير واضحة لاحتساب المساحات الصافية والإجمالية وضبط السوق بما يحمي حقوق العملاء.

وأشار إلى أن الجمعية رفعت بالفعل خطابات رسمية إلى الهيئة العامة للرقابة المالية المختصة لاعتماد النسخة الجديدة من المعايير الأكاديمية والمهنية، على أن يتم عرضها على مجلس الإدارة لإصدارها في سبتمبر المقبل.

وتتضمن المعايير المحدثة قواعد لمراجعة تقارير التقييم وإضافة بند خاص بتقييم المشروعات قيد الإنشاء، بحيث لا يتم احتساب أرباح للمطور العقاري طالما الأعمال مازالت تحت التنفيذ.

أضاف أن الهيئة كلفت الجمعية بإعداد معايير دقيقة لاحتساب مساحات الوحدات، بعد رصد تلاعب بعض المطورين بنسب التحميل لإظهار أسعار للمتر غير حقيقية.

وشدد على ضرورة إلزام الجهات المانحة للتراخيص – مثل هيئة المجتمعات العمرانية ووزارة التنمية المحلية – الشركات العقارية بتطبيق هذه المعايير فور اعتمادها.

أوضح أنيس، أن النظام  الجديد  يتضمن تصنيف خبراء التقييم العقاري وفق هيكل تدريجي يبدأ من “متدرب” ثم “مساعد خبير”، وصولًا إلى “خبير” و”استشاري”، بديلًا عن النظام الحالي الذي يشترط مرور 15 عامًا من الخبرة بعد التخرج.

ووفق النظام الجديد يمكن للخبير الحصول على الاعتماد خلال ثلاث سنوات فقط، بما يسهم في رفع كفاءة السوق وتنظيم المهنة.

وتابع أن التجارب الخليجية تظهر  أن وجود ضوابط تشريعية صارمة يسهم في حماية العملاء والحفاظ على استقرار السوق، ففي دبي مثلًا، وضعت مؤسسة التنظيم العقاري (RERA) نسبًا محددة للتحميل بين المساحة الصافية والإجمالية لا تتجاوز في أغلب المشروعات السكنية 20%، ويتم الإفصاح عنها بشكل واضح في العقود.

أضاف أنه يتم إلزام المطورين بإرفاق مخططات تفصيلية للوحدات عند التعاقد، موضحا أن  هذا الإطار التنظيمي جعل من سوق دبي العقاري واحدًا من أكثر الأسواق جذبًا للاستثمار، نظرًا لارتفاع مستوى الشفافية ووضوح حقوق العملاء.

أما في السعودية، فقد ألزمت وزارة الشؤون البلدية والقروية والإسكان المطورين بالإفصاح عن المساحات الصافية بدقة ضمن برنامج «وافي» الخاص ببيع الوحدات على الخارطة، بحيث يتم الإعلان عن المساحة الفعلية القابلة للاستخدام، وليس فقط المساحة الإجمالية، مع وجود عقوبات صارمة على أي تلاعب أو مخالفات.

وأكد أن تطبيق تجربة مشابهة في مصر سيعيد التوازن للسوق، ويمنح العملاء وضوحًا أكبر حول ما يشترونه بالفعل، إلى جانب تقليص النزاعات القضائية المرتبطة بالمساحات الوهمية.

لفت أنيس، إلى أن وجود نسب تحميل عادلة ومعلنة يسهم في رفع جودة المشروعات، حيث يضطر المطورون للتركيز على الكفاءة في التصميم والتنفيذ بدلًا من الاعتماد على آليات تسويقية مضللة.

راشد: يجب تعزيز دور شركات إدارة الأصول للقيام بعمليات الاستلام نيابة عن العملاء

وقال محمد راشد، عضو مجلس إدارة غرفة صناعة التطوير العقاري باتحاد الصناعات ، إن ما يعرف بـ”المتر الوهمي” أصبح أحد أبرز المشكلات التي تواجه السوق العقاري، إذ يتعاقد العملاء على وحدة بمساحة مُعلنة – مثل 180 أو 190 مترًا – ليتفاجأوا عند الاستلام بأن المساحة الفعلية بعد خصم نسب التحميل لا تتجاوز 150 أو حتى 140 مترًا.

أضاف أن نسب التحميل تُعد عنصرًا أساسيًا في تصميم المشروعات، إذ تمثل المساحات المشتركة التي يستفيد منها جميع السكان مثل المناور والسلالم والمصاعد والمدخل.

وبحسب العُرف، تتراوح نسب التحميل في المشروعات السكنية بين 18 و22%، بينما ترتفع في المشروعات الإدارية والتجارية لتتراوح بين 25 و30% نتيجة كثرة الخدمات مثل مداخل الاستقبال، والسلالم الإضافية وسلالم الطوارئ، فضلاً عن مساحات الخدمات الفنية.

أكد راشد، أن المشكلة تظهر عند بعض المطورين غير الملتزمين، الذين يتلاعبون إما برفع نسب التحميل إلى مستويات مبالغ فيها، أو بتسليم العملاء وحدات تقل مساحتها الفعلية عن الواردة بالعقد، حتى بعد احتساب نسبة التحميل.

أضاف أن هذا التلاعب يتطلب وجود ضوابط رقابية أكثر صرامة، إضافة إلى تعزيز دور شركات إدارة الأصول العقارية التي يمكنها القيام بعمليات الاستلام نيابة عن العملاء والتأكد من مطابقة الوحدات للعقود.

وأشار إلى أن ضبط هذه الظاهرة يبدأ من مرحلة التصميم، إذ يجب أن تضع المكاتب الاستشارية نسب التحميل في حدود مقبولة لا تؤثر على المساحات الفعلية للوحدات.

لفت راشد، إلي أنه لا يمكن فرض رقم ثابت للنسبة، لأن ذلك قد يقيّد الإبداع المعماري ويُضعف المميزات البيعية لبعض المشروعات، خاصة التجارية الكبرى التي تحتاج إلى مساحات خدمات أوسع لاستقطاب العلامات التجارية العالمية.

ويرى أن الحل الأمثل هو تحديد نطاق (رينج) لنسب التحميل يختلف وفق النشاط، بحيث لا يخرج أي مشروع عنه، مع إلزام المطورين بالشفافية في توضيح المساحات الصافية والإجمالية للعملاء.

وشدد على أن أي تطبيق للمعايير الجديدة يجب أن يقتصر على المشروعات المستقبلية التي لم تصدر لها تراخيص بعد، لتفادي الأثر السلبي على المشروعات القائمة بالفعل.

العادلي: الحل الجذري يكمن في إصدار تشريع واضح ينظم نسب التحميل

وقال المهندس رياض العادلي، رئيس مجلس إدارة شركة نكست دور للتسويق العقاري، إن  الأزمة بدأت منذ انتقال المطورين من بيع الوحدات على أساس المساحة الصافية إلى البيع بالمساحة الإجمالية، والتي تتضمن المرافق والأجزاء المشتركة.

أضاف أنه مع مرور الوقت استغل عدد من المطورين هذه الآلية بتحميل مساحات إضافية غير مبررة على العملاء، خصوصًا في المشروعات الكبرى، ما خلق فجوة بين المساحة التعاقدية والصافية، وصلت في بعض الحالات إلى 30% في المشروعات السكنية و40% في المشروعات الإدارية.

وأضاف أن هذه الظاهرة انعكست بشكل سلبي على السوق، إذ يجد العميل نفسه يدفع ثمن شقة مساحتها المتفق عليها 200 متر، لكنه يستلم فعليًا 140 مترًا فقط.

وهذا يعني أن سعر المتر الحقيقي يرتفع بصورة مبالغ فيها مقارنة بما هو معلن. ونتيجة لذلك تتحول العقود إلى تسعير وهمي يضر بالعملاء، فضلًا عن تحميلهم أعباء إضافية مثل مصروفات الصيانة التي يتم حسابها على المساحة الإجمالية وليس على الصافي.

أشار العادلي إلى أن الوسيلة المتاحة حاليًا أمام العملاء لحماية حقوقهم تتمثل في طلب المخططات الهندسية التفصيلية للوحدة (الأوتوكاد) عند التعاقد بدلًا من الاكتفاء بمخطط الطابق العادي.

ويمكن للعميل اللجوء إلى جهاز حماية المستهلك حال وجود فارق واضح بين المساحة المتعاقد عليها والمساحة الفعلية. غير أن هذه الحلول تبقى فردية ومحدودة الأثر، ولا توفر حماية شاملة للعملاء.

وشدد على أن الحل الجذري يكمن في إصدار تشريع واضح ينظم نسب التحميل بين المساحة الإجمالية والصافية في مختلف أنواع المشروعات السكنية والتجارية والإدارية.

قال العادلي، إن العقود الموحدة التي تعمل وزارة الإسكان وهيئة المجتمعات العمرانية على إعدادها ستكون الضمانة الأساسية لحماية العملاء، شرط أن تتضمن نسب تحميل عادلة تتراوح مثلًا بين 17% و22% في المشروعات السكنية، بما يمنع المطورين من التلاعب أو تحميل مساحات غير منطقية على العملاء.

وحذر من أن تفاقم هذه الممارسات يهدد بتراجع الإقبال على الاستثمار العقاري في مصر، مشددًا على أن «القانون هو الحل» لإعادة التوازن بين المطورين والعملاء وضمان استقرار السوق.

أخبار ذات صلة

0 تعليق