أكد مكتب بيكر آند ماكينزي في أحدث تقاريره عن السوق المصري، أن البنك المركزي المصري أطلق موجة تنظيمية جديدة تستهدف قطاع المدفوعات الإلكترونية، في خطوة من شأنها إعادة تشكيل السوق بشكل جوهري خلال العامين المقبلين.
وأشار التقرير إلى أن القواعد الجديدة الخاصة بترخيص وتشغيل مقدمي خدمات الدفع الإلكتروني ومشغلي أنظمة الدفع تمثل امتدادًا لسياسات الدولة الهادفة لتعزيز الشمول المالي والتحول إلى اقتصاد أقل اعتمادًا على النقد.
وأوضح المكتب أن الخطوة تمثل نقلة نوعية في البيئة التنظيمية المصرية، إذ تضع إطارًا واضحًا وشفافًا أمام المستثمرين المحليين والدوليين لدخول السوق، بما يقلل من المخاطر التشريعية ويسمح بزيادة ثقة اللاعبين في استقرار القطاع.
وأكد التقرير أن السوق المصري يمثل واحدا من أكثر الأسواق الواعدة في المنطقة، نظرًا لحجمه الكبير الذي يضم أكثر من 100 مليون مستهلك، وارتفاع نسب استخدام الهواتف المحمولة، وزيادة الاعتماد على التكنولوجيا المالية بعد جائحة «كوفيد-19».
متطلبات ترخيص واضحة وفترة انتقالية 12 شهرًا
لفت “بيكر ماكينزي” إلى أن البنك المركزي أقر متطلبات ترخيص دقيقة تشمل شروطًا خاصة برأس المال المدفوع، والضمانات المالية، والبنية التحتية التكنولوجية التي يجب أن تتوافر لدى الشركات المتقدمة للحصول على رخصة العمل.
وبحسب التقرير، تم منح الشركات فترة انتقالية مدتها 12 شهرًا لتوفيق أوضاعها مع القواعد الجديدة، ما يمنح اللاعبين الحاليين فرصة لتعديل هياكلهم وتدعيم التوافق مع المعايير قبل بدء التطبيق الفعلي.
وشدد المكتب على أن وجود فترة انتقالية واضحة يعد مؤشرًا إيجابيًا يراعي مصالح الشركات العاملة بالفعل، ويمنح المستثمرين الوقت الكافي لدراسة البيئة التنظيمية واتخاذ قرارات مدروسة بشأن الدخول أو التوسع.
كما أوضح التقرير أن هذه المتطلبات لا تقتصر على الكيانات المحلية فحسب، بل تشمل كذلك الشركات الأجنبية الراغبة في تقديم خدمات الدفع في السوق المصرية، حيث أتاح البنك المركزي لها فرصة الترخيص المباشر أو الدخول في شراكات مع كيانات محلية.
فرص استثمارية لمقدمي حلول التكنولوجيا المالية
يرى “بيكر ماكينزي” أن هذه التطورات تمثل فرصة كبيرة أمام شركات التكنولوجيا المالية والمستثمرين، سواء من داخل مصر أو خارجها، إذ تفتح الباب أمام توسع في نطاق الخدمات المقدمة، بما في ذلك المحافظ الإلكترونية، وحلول الدفع عبر الهاتف المحمول، وأنظمة الدفع بالرموز السريعة QR Codes، وغيرها من الأدوات التي تدعم التجارة الإلكترونية.
وأشار التقرير إلى أن المستثمرين الدوليين يتطلعون إلى مصر باعتبارها بوابة استراتيجية إلى أفريقيا والشرق الأوسط، وأن وضوح الإطار التنظيمي من شأنه تعزيز تدفق الاستثمارات المباشرة إلى القطاع.
وأكد المكتب أن التحولات التنظيمية ستسهم في زيادة المنافسة على الابتكار، ما يدفع اللاعبين لتقديم خدمات أكثر كفاءة وأقل تكلفة، وهو ما يصب في النهاية في مصلحة المستهلك المصري.
كما لفت التقرير إلى أن الشركات الناشئة في مجال التكنولوجيا المالية ستحقق استفادة مباشرة من المناخ الجديد، إذ إن القواعد تتيح لها التوسع بشكل أسرع عبر شراكات مع بنوك أو شركات دفع كبرى، مع ضمان حماية مصالح العملاء عبر الرقابة الفعالة للبنك المركزي.
انعكاسات المنافسة بين الشركات المحلية والعالمية
توقع “بيكر ماكينزي” أن تشهد الفترة المقبلة زيادة في المنافسة بين الشركات المحلية والعالمية داخل سوق المدفوعات الإلكترونية المصرية.
وأوضح أن الكيانات المحلية، بما في ذلك شركات الدفع الكبرى العاملة بالفعل، ستسعى للحفاظ على حصتها السوقية من خلال تطوير منتجات جديدة، في حين ستدخل شركات عالمية كبرى للاستفادة من حجم السوق وفرص النمو.
وأضاف التقرير أن هذا التنافس سيدفع نحو رفع معايير الجودة والكفاءة التشغيلية، كما أنه سيزيد من فرص اندماج واستحواذ داخل القطاع، حيث من المرجح أن تسعى الشركات الأجنبية للاستحواذ على حصص في شركات محلية قائمة كمدخل أسرع إلى السوق.
وبيّن المكتب أن مصر، بفضل موقعها الجغرافي وحجمها الاقتصادي، مرشحة لتكون مركزًا إقليميًا لحلول الدفع الإلكتروني، وهو ما قد يشجع اللاعبين العالميين على تأسيس مراكز تشغيل إقليمية داخل البلاد.
آفاق مستقبلية لقطاع المدفوعات في مصر
خلص تقرير “بيكر ماكينزي” إلى أن مستقبل قطاع المدفوعات الإلكترونية في مصر يبدو واعدًا للغاية في ضوء هذه الموجة التنظيمية.
وأشار إلى أن تطبيق المعايير الجديدة بشكل صارم سيؤدي إلى تحسين مستويات الحوكمة والشفافية داخل القطاع، ما يعزز ثقة المستثمرين ويشجع المزيد من رؤوس الأموال الأجنبية على الدخول.
كما أوضح أن هذه الخطوات تتماشى مع الاتجاه العالمي نحو الرقمنة المالية، وأن مصر باعتمادها لهذه الأطر التنظيمية الحديثة تضع نفسها في موقع متقدم إقليميًا، قادر على جذب لاعبين إقليميين ودوليين لتوسيع نشاطهم عبر القاهرة.
وأكد المكتب أن السوق سيشهد خلال الأعوام المقبلة تسارعًا في نمو المدفوعات الرقمية على حساب التعاملات النقدية التقليدية، وهو ما يتسق مع أهداف الحكومة المصرية والبنك المركزي في تعزيز الشمول المالي وخفض تكاليف المعاملات.
واعتبر التقرير أن نجاح هذه التجربة سيتوقف على سرعة استجابة الشركات لمتطلبات الترخيص، ومدى فاعلية البنك المركزي في الرقابة والتنفيذ، إضافة إلى قدرة البنية التحتية التكنولوجية الوطنية على استيعاب الطفرة المتوقعة في حجم المعاملات الرقمية.
0 تعليق