هل مهدت رسوم ترامب الطريق لتقارب الهند مع الصين؟

sky news arabia 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ

نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
هل مهدت رسوم ترامب الطريق لتقارب الهند مع الصين؟, اليوم الجمعة 15 أغسطس 2025 08:00 صباحاً

في أعقاب التوترات الحدودية التي بلغت ذروتها في عام 2020، كانت العلاقات بين الهند والصين تتجه نحو مسار من التنافس المتصاعد. لكن مؤخراً، تغيرت المعادلة بشكل ملحوظ، حيث بدأت بوادر تقارب اقتصادي وجيوسياسي تلوح في الأفق.

 يأتي هذا التحول في ظل تحركات الرئيس الأميركي دونالد ترامب، الذي فرض رسوماً جمركية كبيرة على الهند، مما أحدث "صدمة" في علاقاتها التجارية مع الولايات المتحدة، بحسب خبراء.

هذه التطورات تثير تساؤلات حول الدوافع الحقيقية وراء هذا التقارب المفاجئ. هل كانت رسوم ترامب الجمركية هي السبب المباشر الذي دفع الهند للبحث عن بدائل استراتيجية؟ وهل يمكن اعتبار سياسة ترامب الاقتصادية بمثابة المحفز الخفي الذي يعيد رسم خريطة التحالفات في آسيا؟  

بحسب تقرير نشرته "بلومبرغ" واطلعت عليه سكاي نيوز عربية، فإن الرسوم الجمركية التي فرضها ترامب بنسبة 50 بالمئة على السلع الهندية، كانت بمثابة نقطة تحول دفعت رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي للبحث عن سبل لتقوية روابطه مع دول "بريكس".

 وفي خطوة عملية، بدأت الهند والصين في استعادة الروابط الاقتصادية المتوترة منذ الاشتباك الحدودي في عام 2020، مع الإعلان عن استئناف الرحلات الجوية المباشرة بين البلدين كأحد المؤشرات الرئيسية على هذا التقارب، حيث كانت الرحلات الجوية قد توقفت خلال جائحة كوفيد-19، التي تزامنت مع تدهور حاد في العلاقات بين الجارتين.  

تقارب غير مفاجئ

وأوضح التقرير أن هذه الخطوة لم تكن مفاجئة، حيث يرى هنري وانغ، رئيس مركز الأبحاث "سنتر فور تشاينا آند غلوباليزيشن" في بكين، إن العلاقات بين الهند والصين تمر بـ"دورة صعود"، وباعتبارهما قائدين لـ"الجنوب العالمي"، "عليهما حقاً التحدث مع بعضهما البعض، حرب ترامب التجارية على الهند جعلت الهند تدرك أنها يجب أن تحافظ على نوع من الاستقلال الاستراتيجي والذاتي".

وذكر التقرير أن الصين، التي تعد أيضاً هدفاً رئيسياً في حروب ترامب التجارية، وجدت فرصة للتهدئة مع الهند، فخففت قيودها على شحنات اليوريا إلى الهند - أكبر مستورد لهذا الأسمدة في العالم، مما يظهر رغبتها في إعادة بناء الثقة الاقتصادية.

كما تستكشف مجموعة "أداني" إمكانية إقامة شراكة مع عملاق السيارات الكهربائية الصيني "بي واي دي" (BYD Co)، مما يسمح لمجموعة الملياردير غوتام أداني بتصنيع البطاريات في الهند وتوسيع نطاق جهودها في مجال الطاقة النظيفة، 

وسمحت حكومة مودي مؤخراً بتأشيرات سياحية للمواطنين الصينيين بعد سنوات من القيود. تعتبر الصين ثاني أكبر شريك تجاري للهند بعد الولايات المتحدة، وتحتاج الهند إلى مدخلات أساسية من الصين لتطوير قاعدتها الصناعية.

علاقات معقدة

وأشار التقرير إلى أن هذا التقارب لا يعني عودة الثقة الكاملة بين القوتين الآسيويتين بين عشية وضحاها. "فالعلاقات لا تزال معقدة"، حيث كان البلدان ينظران لبعضهما البعض كخصمين لسنوات، وتفاقم الاحتكاك مؤخراً عندما زودت الصين باكستان بالأسلحة في نزاعها العسكري مع الهند. كما أن غضب ترامب من نيودلهي كان مدفوعاً باستمرار الهند في شراء النفط الروسي بأسعار مخفضة ورفضها مزاعمه حول وساطته في نزاعها مع باكستان.

في سياق متصل، سلط التقرير الضوء على أن تحول مودي لا يقتصر على الصين وحدها، بل يمتد ليشمل تعزيز علاقاته مع البرازيل وروسيا. فبعد تدهور العلاقات مع الولايات المتحدة، دعا مودي الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لزيارة الهند، كما اتفق مع الرئيس البرازيلي لويس إيناسيو لولا دا سيلفا على توسيع الاتفاق التجاري مع اتحاد "ميركوسور" لأميركا الجنوبية، مما يؤكد أن الهند تسعى إلى إعادة تشكيل تحالفاتها الجيوسياسية بعيدا عن التأثير الأميركي المباشر.

في حديثه لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية" قال الخبير الاقتصادي حسين القمزي: "أعتقد علينا أولاً أن نضع الأمور في سياقها. الهند وأميركا خلال العقد الأخير بنتا شراكة تجارية واستثمارية كبيرة. في عام 2024، كانت أميركا أكبر سوق لصادرات الهند، وهذا خلق اعتماداً متبادلاً، خصوصاً في قطاعات التكنولوجيا، الأدوية، والمنسوجات. لكن هذه العلاقة لم تكن خالية من التوترات، نتذكر مثلاً عندما فرضت واشنطن رسوم على الصلب والألومنيوم الهندي في 2018".

وعندما عاد ترامب إلى البيت الأبيض، جاء ببرنامج تجاري أكثر حدة. الرسوم الجديدة على السلع الهندية، والتي وصلت في بعض البنود إلى 50 بالمئة، استهدفت قطاعات حساسة مثل المنسوجات والمجوهرات ومكونات السيارات، مع استثناء الهواتف والأدوية. الهدف المعلن كان الضغط على الهند لتقليص مشترياتها من النفط الروسي، الأثر الفعلي كان تجارياً وسياسياً في آن واحد، بحسب تعبيره.

هل حدث تغير فعلاً في الموقف الهندي؟

القمزي يطرح هذا التساؤل ويجيب عليه بنفسه بقوله: "الهند، كعادتها، لا تريد أن تكون أسيرة لشريك واحد. الرسوم كانت بمثابة إشارة تذكير لنيودلهي بأن الاعتماد المفرط على السوق الأميركي ينطوي على مخاطر سياسية واقتصادية. هنا دخلت الصين على الخط، مستفيدة من الظرف. العلاقات بين البلدين شهدت توترات حادة بعد أحداث الحدود في الشمال الهندي عام 2020، لكن مع مطلع 2025 بدأت مؤشرات التهدئة، ومنها محادثات لاستئناف التجارة الحدودية بعد أكثر من خمس سنوات من الانقطاع.

وأضاف: "الصين هي بالفعل أكبر شريك تجاري للهند من حيث الحجم الإجمالي، رغم العجز الضخم لصالح بكين. والرسوم الأميركية فتحت مجالاً لتوسيع الواردات المكمّلة من الصين، خاصة في المكونات الصناعية والآلات، لتعويض أي فجوات محتملة نتيجة القيود الأميركية".

تقارب الهند مع الصين جزء من إدارة التوازنات وليس انقلاباً في السياسات

ومع ذلك يوضح الخبير الاقتصادي القمزي "لكن يجب أن نفهم أن هذا ليس تحالفاً استراتيجياً، بل تقارب براغماتي وظيفي لإدارة المرحلة. الهند تمارس ما تسميه (الاستقلال الاستراتيجي) . هي تسعى لتوزيع شراكاتها بين الولايات المتحدة، أوروبا، روسيا، وجيرانها في آسيا، بما في ذلك الصين، مع الحفاظ على مسافة أمان".

ويرى أن التقارب الحالي مع الصين هو جزء من إدارة التوازنات وليس انقلاباً في السياسات. حتى في ذروة التوتر التجاري مع واشنطن، تبقى الولايات المتحدة شريكاً حيوياً للهند في التكنولوجيا المتقدمة والدفاع والاستثمار طويل الأمد، وإذا استمرت الرسوم فهناك مجموعات سيناريوهات يتوقعها القمزي وهي:

  • تقارب وظيفي محدود بين الهند والصين مع استمرار التعاون مع واشنطن في مجالات التكنولوجيا والدفاع.
  • إعادة تموضع أوسع نحو الشرق إذا توسعت الرسوم الأميركية واشتدت الشروط السياسية، مما قد يدفع الهند لزيادة اعتمادها على الصين وآسيا.
  • تسوية أميركية–هندية تعيد خفض الرسوم مقابل تنازلات اقتصادية أو سياسية من نيودلهي.

ويختتم القمزي: "في كل الأحوال، الرسوم الأميركية الأخيرة كانت مسرّعاً، لكنها لم تغيّر طبيعة التوازنات الكبرى. الهند ستظل تلعب على تعدد الشركاء، والصين ستظل منافساً وشريكاً في آن واحد، والولايات المتحدة ستبقى ركيزة أساسية في طموح الهند الصناعي والتكنولوجي".

موقف ترامب المتشدد من الرسوم الجمركية يدفع الدول للبحث عن بدائل

بدوره، قال الخبير الاقتصادي الدكتور عبد الله الشناوي "لا تزال الخلافات قائمة بين الصين والهند، ولكنهما يسعيان حالياً إلى حماية اقتصاديهما من حرب الرسوم الجمركية غير المتوقعة التي يفرضها ترامب في عالم متقلب، تعتقد كل من الصين والهند أن من الأفضل العمل معاً. والدليل هو استئناف نيودلهي تأشيرات السياحة للمواطنين الصينيين.  وقد بدأ التحسن في العلاقات الهندية الصينية بعد اتفاقية الحدود المبرمة في أكتوبر 2024والتي حُلّت فيها آخر نقطة خلاف بشأن دوريات الحدود. لكن هذا التحسن في العلاقات لا يعني أن كل شيء على ما يرام. فكلا الجانبين يشككان في الآخر. ولا تزال الخلافات قائمة حول النزاع الحدودي، وصداقة الصين الراسخة مع باكستان، وشكوك الصين في تقارب الهند المتزايد مع خصمها اللدود أميركا".

وأوضح أن موقف ترامب المتشدد من الرسوم الجمركية دفع الدول إلى البحث عن بدائل.  وهذا أحد أسباب سعي الهند والصين إلى استقرار العلاقات الاقتصادية، فالصين بحاجة إلى السوق الهندية الضخمة، بينما تعتمد الهند على الصين، كما تعتمد معظم دول العالم، لتوفير مدخلات قطاعها الصناعي حيث يعتمد قطاع الأدوية الهندي بشكل كبير على الصين، وكذلك وحدات إنتاج السيارات الكهربائية المتنامية، حيث تعتمد بنسبة 93 بالمئة تقريباً على الموارد النادرة الصينية، وهي ضرورية للمحركات والبطاريات. وكذلك المنتجات الأخرى بما في ذلك الألواح الشمسية للتصدير، والتي تتطلب مدخلات من الصين".

أما عن الأنشطة التجارية بين الهند والصين على مدار العام والتي يستشف منها أن جبل الجليد في العلاقات الاقتصادية والسياسية آخذ في الذوبان فعرضها الدكتور الشناوي كما يلي:

  • أُغلقت نقاط التبادل التجاري بين الهند والصين خلال جائحة كوفيد-19، بالتزامن مع تدهور حاد في العلاقات الثنائية عقب اشتباكات عنيفة في جبال الهيمالايا. يميل فائض الميزان التجاري بشكل كبير لصالح الصين، حيث اتسع العجز من 44.03 مليار دولار في السنة المالية 2020-2021 إلى 99.20 مليار دولار في السنة المالية 2024-2025.
  • انخفضت صادرات الهند إلى الصين لعامين متتاليين، بنسبة 14.45بالمئة في السنة المالية 2024-2025 لتصل إلى 14.25 مليار دولار. وشهدت فئات التصدير الرئيسية، مثل خامات الحديد ومركزاته، والألمنيوم الخام، والجرانيت، انخفاضات حادة.
  • من حيث الواردات، ارتفعت واردات الهند من الصين بنسبة 11.52بالمئة في السنة المالية 2024-2025 إلى 113.46 مليار دولار، مدفوعة بالنمو القوي في أعمدة النقل ومضخات الهواء وأجهزة معالجة البيانات الأوتوماتيكية.
  • كما تجد الإشارة الى أن السلع المصنعة عالية القيمة ومكونات التكنولوجيا تظل هي التي تهيمن على واردات الهند من الصين، في حين تتركز الصادرات على المواد الخام والمنتجات الزراعية والسلع الصناعية المختارة. كما تعتمد طموحات الهند الصناعية على سلاسل التوريد الصينية لمكونات أساسية مثل المركبات الكهربائية والألواح الشمسية ومدخلات الصناعات الدوائية. ويعتقد أن هذا الاعتماد قد يزداد على المدى القريب.
  • في المقابل، تسعى الصين إلى تنويع أسواق صادراتها في ظل خطر تراجع فرص الوصول إلى المستهلكين الأميركيين، حيث تُمثل السوق المحلية الهندية الواسعة بديلاً جذاباً.
  • كما قد خففت الصين من قيود تصدير اليوريا الى الهند كأكبر مستورد للأسمدة في العالم مما يعني اتجاه الدولتين الى التقارب الذي تفرضه ظروف جيواقتصادية . حيث يرتكز مفهوم القوة الجيواقتصادية على تطوير قطاعات استراتيجية تُشكل نقاط اختناق عالمية أو ثنائية، ثم التهديد بوقف إمداداتها أو القيام بذلك فعليًا لتحقيق أهداف استراتيجية.

ويرى الخبير الاقتصادي الشناوي أن "الهند بحاجة الى تدعيم علاقتها مع الصين بسبب فشل الهند في الظهور كقوةٍ صناعيةٍ جادةٍ في القرن الحادي والعشرين. علاوةً على ذلك، من غير المرجح أن تُطوّر الهند قاعدةً صناعيةً جادةً في المستقبل دون بناء علاقةٍ تجاريةٍ واستثماريةٍ وطيدةٍ مع الصين خصمها الرئيسي. وفي الوقت نفسه لا تملك الولايات المتحدة القدرة التنموية ولا الدبلوماسية الكافية لمساعدة الهند في هذا الصدد. وهنا تكمن المعضلة الجيواقتصادية الجوهرية للهند لذلك لا بد من استراتيجية متماسكة لإخراج الهند من هذا المأزق".

واختتم بقوله: "مع أن الهند بدأت عملية تقارب دبلوماسي مع الصين، إلا أنها تُعدّ شرطًا ضروريًا، وإن كان غير كافٍ، لبناء علاقات تجارية واستثمارية وطيدة مع الشركات الصينية، وهو شرطٌ أساسيٌّ لازدهار الصناعة الهندية. ولكي تتدفق الاستثمارات الصينية إلى الهند، سيتعين على نيودلهي تهيئة ظروف اقتصادية تُصعّب على بكين تجاوز هذه السوق. بعبارة أخرى سيتعين على الهند أولًا إثبات نجاحات تصنيعية ملموسة، ثم السعي وراء الاستثمارات الصينية".

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق