نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي: زيارة لاريجاني إلى لبنان.. رسائل إيرانية تصطدم بجدار السيادة, اليوم الخميس 14 أغسطس 2025 07:20 صباحاً عاد الملف الإيراني إلى قلب المشهد اللبناني، لكن هذه المرة بحدة سياسية أقل وبزخم دبلوماسي محسوب. زيارة رئيس البرلمان الإيراني السابق، والمبعوث الخاص للمرشد علي لاريجاني، إلى بيروت، جاءت في توقيت حساس، إذ يتصاعد النقاش الداخلي حول حصر السلاح بيد الدولة اللبنانية، وسط ضغوط دولية وإقليمية، وتبدلات في موازين القوى بالمنطقة، لاسيما بعد تراجع النفوذ الإيراني في الساحة السورية. لكن الزيارة، التي حملت رسائل واضحة من طهران، واجهت ردًا لبنانيًا حازمًا من قمة الهرم السياسي، حيث أكد الرئيس جوزيف عون ورئيس الحكومة نواف سلام أن السيادة خط أحمر، وأن سلاح أي جهة خارج الدولة مرفوض، في خطوة بدت وكأنها محاولة لرسم قواعد جديدة للعلاقة مع إيران. رسائل إيرانية مزدوجة يرى الكاتب والباحث السياسي رضوان عقيل، في حديثه لبرنامج "التاسعة" على سكاي نيوز عربية، أن زيارة لاريجاني لم تكن بروتوكولية بحتة، بل جاءت لتسجيل رسالتين أساسيتين: إيران ما زالت لاعبًا إقليميًا رغم "خسارتها السورية" التي كانت تمثل شريانًا استراتيجيًا يصل طهران ببيروت. دعم حزب الله والطائفة الشيعية في لبنان، والتأكيد على أن طهران لن تتخلى عن حليفها الرئيسي في الساحة اللبنانية، حتى وسط اعتراضات داخلية على دور الحزب وسلاحه. وبحسب عقيل، فإن هذه الرسائل كانت معلنة حتى قبل أن تطأ قدما لاريجاني أرض بيروت، وهو ما جعل المواقف اللبنانية الرسمية أكثر وضوحًا وحدة، خاصة من الرئاسة والحكومة، التي أكدت دعمها لقرار جمع السلاح تحت سلطة الدولة. خطوط حمراء لبنانية المواجهة السياسية جاءت علنية. الرئيس جوزيف عون أبلغ لاريجاني أن اللغة التي استخدمها بعض المسؤولين الإيرانيين في تصريحاتهم عن لبنان "غير مساعدة" للتعاون بين البلدين، مؤكداً أن بيروت منفتحة على علاقات صداقة مع طهران، لكن ضمن حدود السيادة. رئيس الحكومة نواف سلام، من جانبه، شدد أمام الضيف الإيراني على أن مواقف شخصيات مثل عباس عراقجي وعلي أكبر ولايتي بشأن سلاح حزب الله "مرفوضة شكلاً ومضمونًا". حتى داخل معسكر حلفاء حزب الله، برزت أصوات ناقدة، مثل رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل الذي أعلن أن "ردعية سلاح حزب الله سقطت"، وأن أي سلاح خارج الدولة "غير شرعي" ويشكل خطرًا على أمن لبنان. زيارة مثيرة للجدل داخليًا الجدل حول زيارة لاريجاني لم يقتصر على المواقف الرسمية، بل شمل أيضًا ملاحظات حول ضعف الحضور الشعبي الذي اعتاد حزب الله حشده في استقبال المسؤولين الإيرانيين. كما أن قوى سياسية، بعضها كان حليفًا سابقًا للحزب، استبقت الزيارة بانتقادات مباشرة لسلاحه. رضوان عقيل أشار إلى أن الشق الثاني من الزيارة كان بمثابة "رسالة دعم لحزب الله" بأنه "غير متروك"، وأن طهران لا تزال تعتبره ركيزة أساسية في استراتيجيتها الإقليمية. لكن اللقاء الأبرز كان مع رئيس مجلس النواب نبيه بري، الذي بحث مع لاريجاني ملفات إقليمية ولبنانية، وسط تباين في الموقف حول السلاح، حيث يرفض بري القرار الحكومي الأخير بصيغته النهائية، رغم إعلانه المبدئي بضرورة أن يكون السلاح تحت مظلة الدولة. ظل الضغوط الأميركية الملف لم يخلُ من البعد الخارجي، إذ تداولت الأوساط السياسية أن قرار جمع السلاح جاء في سياق "أمر عمليات" أميركي، وهو ما لمح إليه لاريجاني نفسه في لقاءاته المغلقة، معتبرًا أن طهران لم تقدم شيئًا في هذا الشأن، وأن على اللبنانيين التوصل إلى توافق داخلي. هذا الطرح يعكس التداخل المعقد بين العامل الداخلي والخارجي في إدارة الملف، حيث تُتهم واشنطن بفرض إيقاع سياسي على بيروت، فيما تعتبر قوى لبنانية أن القرار وطني بامتياز. مخاطر الصدام وتفكيك القنبلة القرار الحكومي يقضي بأن يقدم الجيش اللبناني خطته لجمع السلاح في الأول من سبتمبر المقبل، لكن السؤال المطروح: كيف يمكن تنفيذ ذلك في ظل رفض حزب الله؟ عقيل يحذر من أن يتحول الأمر إلى مواجهة مباشرة بين الجيش والحزب، وهو ما تتجنبه المؤسسة العسكرية وقيادة الحزب على حد سواء. "هناك قنبلة على طاولة مجلس الوزراء يجب تفكيكها بالحوار وليس بالصدام"، يقول عقيل، مشيرًا إلى أن تطبيق القرار في بيئة سياسية منقسمة قد يفتح الباب أمام أزمة أكبر. إيران بين الدولة والحزب تأتي الزيارة في وقت تحاول فيه طهران إعادة صياغة خطابها تجاه لبنان. فهي تؤكد رغبتها في علاقة رسمية مع الدولة اللبنانية، لكنها في الوقت نفسه ترفض التخلي عن ارتباطها العضوي بحزب الله. هذا التوازن الدقيق يضع إيران في موقع اللاعب المزدوج: طرف في المعادلة السياسية الرسمية، وراعٍ لفصيل مسلح يرفض تسليم سلاحه. استحالة القطيعة الكاملة رغم الدعوات من بعض القوى اللبنانية لقطع العلاقات أو طرد السفير الإيراني، يعتبر عقيل أن هذا السيناريو مستبعد، نظرًا للتوازنات الداخلية وردود الفعل المحتملة من الطائفة الشيعية. "الحكمة"، كما وصفها، كانت في طريقة تعامل الرئيس عون مع الضيف الإيراني، إذ جمع بين توجيه رسالة سيادية واضحة والحفاظ على قناة تواصل مفتوحة. زيارة لاريجاني إلى بيروت كانت أكثر من مجاملة دبلوماسية، وأقل من مواجهة سياسية شاملة. الرسائل الإيرانية وصلت، وكذلك الموقف اللبناني الصارم بشأن السلاح والسيادة. لكن النتيجة المباشرة تبدو أقرب إلى تثبيت الاصطفافات القائمة بدل تغييرها: من يعارض تدخل إيران سيظل على موقفه، ومن يؤيد حزب الله سيواصل دعمه. في النهاية، يظل ملف السلاح خارج الدولة محور التجاذب الأكبر، تتقاطع فيه حسابات الداخل والخارج، وتبقى طريقة تطبيق القرار الحكومي في سبتمبر المقبل الاختبار الحقيقي لقدرة لبنان على إدارة خلافاته دون الانزلاق إلى صدام يهدد استقراره الهش.