يطل علينا رئيس المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني علي لاريجاني في زيارة تحمل الكثير من المعاني والدلالات. الزيارة بذاتها تأتي بشكل مكثف بعد استشهاد الامين العام السابق لحزب الله السيد حسن نصر الله، واللافت في هذا السياق ان هذه الزيارات لم تكن بهذه الكثافة حين كان على قيد الحياة، ما يعني ان القرارات الحاسمة في الحزب اصبحت بحاجة الى تدخل مباشر من ايران شكلاً ومضموناً. بداية، لا بد من الاشارة الى ان كيل الاتهامات لايران بالتدخل في الشؤون اللبنانية محق وصائب، ولكنه لا يقل شأناً عن تدخل الدول الاخرى فيه اكانت شقيقة ام صديقة ام لا تزال غير مدركة وضعيتها النهائية بعد بالنسبة الى لبنان، فالتدخل موجود من الجميع وبشكل يومي، والفارق يبقى في الاسلوب والسيناريو. وفي العودة الى زيارة لاريجاني، فهي تأتي بعد قرار الحكومة اللبنانية تنفيذ حصرية السلاح مع نهاية العام الحالي، وتفهم الضلوع الايراني المباشر بالموضوع لان غالبية هذا السلاح يعود اليها، ومن الطبيعي ان تسأل عنه وعن مصيره. ولكن، من الناحية الدبلوماسية، فإنها تمتد إلى صميم التوازنات الداخلية الهشة، خصوصاً ما يتعلق بوضع الحكومة والكلام الذي بدأ يصدر من هنا وهناك عن اقترابها من نهاية عمرها، اذ كما هو معلوم، فإن المعادلة اللبنانية القائمة على التوزيع الطائفي للسلطة تجعل أي انسحاب لطرف أساسي –كالمكوّن الشيعي– تهديداً مباشراً لاستمرار الحكومة، ونهاية حتمية لوجودها ولو ان الدستور لا ينص على ذلك. لا شك ان البعض سيعتبر زيارة المسؤول الايراني بمثابة ترجمة داخلية مباشرة، ودعماً معنوياً مهماً أو توجيهاً سياسياً لحزب الله، والقلق الرسمي يتمحور حول ما سيصرح به لاريجاني، الذي يبقى رغم كل شيء، اكثر لياقة ودبلوماسية من المبعوثة الاميركية السابقة مورغان اورتاغوس، وما سيقوله لا يتوقع ان يخرق السقف، ولكنه سيوصل الرسالة المتوخاة والمتمثلة في تمسك ايران في دعمها لحزب الله ولسلاحه ولمواقفه ولثباته ووجوده السياسي والعسكري في لبنان. وهنا، تبرز معضلة اخرى تتمثل في موقف رئيس مجلس النواب نبيه بري من هذا الوضع، فما سيخسره اذا واجه الحكومة يبقى اكبر بكثير مما سيخسره الحزب، فحضوره السياسي في مؤسسات الدولة بناه في عقود طويلة من الزمن، وسيصعب عليه كثيرا ان يراه يتلاشى، علماً انه استبق مواقف لاريجاني بالتأكيد على عدم وجود نية لانسحاب الوزراء الشيعة من الحكومة. يبقى القلق من أن تتحوّل الزيارة إلى مؤشر لبداية تصعيد سياسي يقود وزراء حزب الله إلى الانسحاب من الحكومة. عندها، ستتجه الانظار الى بري وموقفه النهائي، والى قدرة الحكومة على استبدال الوزراء المنسحبين بآخرين من الطائفة نفسها. وفيما يستبعد محلّلون امكان حصول هذا الامر، تبقى فرضية الانسحاب موجودة، وقد شهد لبنان أكثر من مرة أزمات حكومية بسبب انسحاب وزراء من مكوّنات طائفيّة محددة، ما شلّ عمل السلطة التنفيذيّة وأدخل البلاد في فراغ سياسي. وإذا تكرّر السيناريو اليوم، فإن الحكومة الحالية قد تجد نفسها أمام خيارين: إما الاستقالة والدخول في مسار تشكيل طويل ومعقد، أو الاستمرار من دون ميثاقية، بما يحمله ذلك من تداعيات على الوضع الداخلي وعلى المكونات الاخرى التي سترى في المسألة سابقة قد تلحق بها في وقت لاحق. الخطورة تكمن في أن فقدان الميثاقية لا يقتصر أثره على البنية السياسية، بل يمتد إلى الاقتصاد والأمن. حكومة غير ميثاقية ستواجه صعوبة في التفاوض مع المانحين الدوليين، وستفقد جزءاً كبيراً من شرعيتها في الداخل، ما قد يفاقم الأزمات المعيشية ويعيد الشارع إلى التوتر. البعد الإقليمي يزيد الوضع تعقيداً. فزيارة لاريجاني تأتي في توقيت يتزامن مع حراك دبلوماسي أميركي عبر المبعوث توم براك، ما يضع لبنان بين خطابيْن متناقضين: خطاب إيراني لمواجهة الضغوط الدولية والاميركية بنوع خاص، وخطاب أميركي يميل إلى فرض تنازلات على لبنان للوصول الى مرحلة اكثر استقراراً. الحكومة اليوم امام اختبار جديد، يضع وجودها على المحك. فهل هي قادرة على الحفاظ على توازناتها وسط رياح إقليمية متضاربة؟.