أفريقيا تتصدر جهود إصلاح النظام المالى العالمى

البورصة 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ

أزمة الديون تكشف الحاجة إلى نظام دولي أكثر استجابة وعدالة في التعامل مع التمويل والتنمية

أظهرت اجتماعات ربيع 2025 بين صندوق النقد الدولي والبنك الدولي، بوضوح، أن النظام المالي العالمي، الذي أثقلته الأزمات المتكررة، لم يعد مناسباً للواقع الحالي.

ففي ظل تباطؤ النمو، وارتفاع تقلبات المناخ، وتفاقم أزمات الديون، ما زالت الأدوات والسياسات المتاحة تعانى التعقيد والتشتت وانخفاض الكفاءة.

لطالما كانت أفريقيا من أكثر المتضررين من هذه الإخفاقات.. لكن الحكومات الأفريقية لم تكتف بالمطالبة بالإصلاح، بل باتت تتقدم بطرح حلول ملموسة، وتبني مؤسسات جديدة، وتقدم ابتكارات تسهم في صياغة نظام مالي دولي أكثر كفاءة في تخصيص رأس المال، وقادر على التعامل مع الصدمات المتصاعدة وتزايد الفجوات في العدالة الاقتصادية.

ورغم أن المطالب بالإصلاح غالباً ما تُعرض من زاوية العدالة، فإن القضية الأكثر إلحاحاً اليوم تتعلق بالكفاءة.

فالنظام المالي العالمي يعجز عن توفير السيولة الكافية أثناء الأزمات، ولا يستثمر بما يكفي في التكيف المناخي، ولا يوجه رأس المال نحو الفرص الخضراء ذات العوائد العالية التي تعاني نقص التمويل، كما يفشل في حل نزاعات ديون الدول السيادية بالسرعة الكافية للحفاظ على مكاسب التنمية.

وبهذا الشكل، فإن النظام الحالي لا يعمل بفعالية ويشكل في النهاية عامل زعزعة اقتصاديا، بحسب ما نقله موقع “بروجكت سنديكيت”.

لهذا السبب، دعمت الدول الأفريقية على مدى السنوات الأخيرة إصلاحات دولية في مجال الديون وتمويل العملات المحلية، مطالبة البنوك التنموية المتعددة الأطراف بلعب دور أكثر فاعلية.

وتعكس هذه المقترحات وعياً متزايداً بأن الإخفاقات الهيكلية ترفع من تكلفة المخاطر، وتعيق تدفقات الاستثمار، وتترك الاقتصادات الوطنية مكشوفة أكثر أمام الصدمات الخارجية.

وتُعد أزمة الديون التهديد الأكثر إلحاحاً وانتشاراً لمسار التنمية العالمية.

فاليوم، تنفق أكثر من 30 دولة أفريقية على خدمة ديونها الخارجية أكثر مما تنفقه على قطاعي الصحة والتعليم مجتمعين.

ورغم أن دليل عمل مائدة مستديرة الديون السيادية العالمية التابعة لصندوق النقد الدولي يشجع الدائنين والمدينين على الجلوس إلى طاولة المفاوضات في وقت أبكر ويؤكد أهمية الشفافية، فإن فعاليته تبقى محدودة بسبب غياب أدوات الإلزام والتنفيذ.

في هذا السياق، دعت الحكومات الأفريقية إلى وضع إطار لحل أزمات الديون يكون قابلاً للتنبؤ، قائماً على قواعد واضحة، ويستجيب لحاجات التنمية.

فالنظام الحالي يعاني بطء الإجراءات، وارتفاع أقساط المخاطر، وضعف تنسيق الدائنين، ما يجعله غير قادر على تحفيز الاستثمار الخاص أو احتواء التداعيات السلبية أو خلق حوافز فعالة.

تُعد رئاسة جنوب أفريقيا لمجموعة العشرين فرصة فريدة للقارة الأفريقية للدفع نحو إصلاحات جريئة، تعيد تعريف الدين لا كعبء، بل كمحفز للنمو.

ومن أبرز المبادرات الأفريقية في هذا المجال، الاقتراح بإعادة توظيف حقوق السحب الخاصة التابعة لصندوق النقد الدولي كرأس مال هجين داخل البنوك التنموية المتعددة الأطراف.

وقد تقدم بهذا المقترح كل من بنك التنمية الأفريقي ومجموعة الـ24، ويهدف إلى الاستفادة من حقوق السحب الخاصة دون المساس بوضعها كاحتياطي نقدي، بما يتيح مساحة أوسع للإقراض الميسر.

وبدأت عدة مؤسسات تمويل دولية في دراسة هذا الاقتراح كوسيلة لتعزيز ميزانياتها وزيادة قدرتها الإقراضية.

كذلك، تواصل مؤسسات إقليمية مثل بنك التجارة والتنمية والبنك العربي للتنمية الاقتصادية في أفريقيا الدفع نحو آليات تمويل جماعي، ومنصات تمويل جنوب-جنوب، وآليات تمويل مناخي مخصصة للبيئات الهشة.

ولا تُعد هذه مجرد ابتكارات، بل نماذج قابلة للتنفيذ على نطاق أوسع، ويجب على صناع القرار الدوليين الاستفادة منها وتوسيع نطاق استخدامها.

رغم ذلك، فإن التمويل العام وحده غير قادر على تعبئة الحجم المطلوب من الاستثمارات اللازمة لدفع النمو، وبناء القدرة على الصمود، وتسريع التحول المناخي.

فالاستثمارات الخاصة لا تزال تتجنب العديد من الاقتصادات الأفريقية، بسبب التصورات المرتبطة بالمخاطر العالية، وارتفاع تكاليف الاقتراض، وقلة الأدوات المالية، وضعف تدفقات المشاريع.

ويمكن لأدوات مثل ضمانات الائتمان، والتمويل المختلط، ورأس المال المعرض للخسارة أن تسهم في إعادة التوازن بين المخاطر والعوائد، وجذب رأس المال الخاص.

لكن لتكون هذه الأدوات فعالة، يجب تنفيذها على نطاق واسع، وليس فقط في مشروعات تجريبية.

كما أن الإصلاحات الأساسية في المراحل المبكرة ضرورية لتعزيز الأطر القانونية وبناء القدرات المؤسسية، من أجل تطوير حزمة مشاريع قابلة للاستثمار.

تؤكد التجربة الأفريقية أن البنوك التنموية متعددة الأطراف يجب أن تدعم الاستثمار في مراحله المختلفة، سواء في مرحلة الفكرة أو مرحلة التنفيذ.

ثمة فجوة واضحة تتمثل في غياب الترويج لتمويل العملات المحلية وتطوير أسواق المال الداخلية. فالاعتماد المفرط على الاقتراض بالعملات الأجنبية يعرض الدول الأفريقية لتقلبات السوق ويزيد من تكلفة خدمة الدين.

ورغم ذلك، لا تزال أدوات التمويل بالعملة المحلية تُعامل من قِبل البنوك التنموية وشركاء التنمية كخيارات هامشية أو تجريبية.
وهذا أمر يجب تغييره.

فبرامج “تيسورو ريندا بلس” و”إيديوكا بلس” في البرازيل تمثل نموذجاً يُحتذى، إذ تظهر هذه الأدوات، التي تتيح للمواطنين شراء أدوات ادخارية مرنة مرتبطة بالتضخم من خلال تطبيقات الهواتف الذكية أو بطاقات الهدايا بدءاً من دولار واحد فقط، كيف يمكن تحفيز رأس المال المحلي طويل الأجل وتعزيز الشمول المالي.

كذلك، فإن نظام الدفع والتسوية الإفريقي الموحد، الذي يعمل الآن في عدد من البنوك المركزية، يوفر بنية تحتية للتجارة البينية بالعملات المحلية، ويسهم في حل الاحتكاكات السوقية، ويشكل نموذجاً لبناء نظام مالي أكثر مرونة.
وللتمكن من مواجهة الصدمات المناخية، تحتاج أفريقيا إلى مجموعة أدوات شاملة تشمل مبادلات الدين مقابل المناخ، والسندات الخضراء، وآليات تمويل ميسر قادرة على جذب استثمارات خاصة في مجالات التكيف المناخي.

ورغم أن صندوق الاستدامة والمرونة التابع لصندوق النقد الدولي يُعد خطوة إيجابية في هذا الاتجاه، إلا أنه بحاجة إلى توسيع نطاقه بشكل كبير.

والأهم من ذلك، أن هذا الصندوق يجب أن يُفعل أدوات التمويل المناخي والاستثمار الخاص بشكل أقوى.

والتحدي لا يكمن فقط في ابتكار أدوات جديدة، بل في تحسين تنفيذها.

فعلى البنوك التنموية والممولين الدوليين تبسيط الوصول إلى هذه الأدوات، وتحسين التنسيق، ودمج مفهوم المرونة المناخية ضمن الاستراتيجيات الوطنية للاستثمار.

إن أولويات أفريقيا، من حل أزمات الديون في وقت مناسب، إلى تعزيز الجاهزية للاستثمار في مراحله المبكرة، وتمويل العملات المحلية، وتوفير تمويل مناخي واسع النطاق، لا تُمثل مجرد مطالب إقليمية، بل هي حلول منهجية من شأنها أن تجعل النظام المالي العالمي أكثر مرونة واستجابة، وأكثر قدرة على مواجهة الأزمات المستقبلية.

وفي عالم تتزايد فيه الأزمات المركبة وندرة رأس المال، تقدم الحكومات الأفريقية حلولاً عملية واستشرافية لمعالجة أبرز مكامن الخلل في النظام المالي الدولي.

وتُعد رئاسة جنوب أفريقيا لمجموعة العشرين منصة استراتيجية لرفع هذا الطرح، ورسالة واضحة مفادها أن أفريقيا لا تطلب الانضمام إلى النقاش العالمي فحسب، بل تسهم بفعالية في صياغته.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق