كلمة الشيخ نعيم قاسم كاملة في ذكرى شهادة السيد “ذوالفقار”

قناة المنار 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ

كلمة الأمين العام لحزب الله سماحة الشيخ نعيم قاسم الأمين بمناسبة الذكرى ‏السنوية ‏التاسعة لاستشهاد القائد الجهادي السيد مصطفى بدرالدين‎ ‌‏12-05-2025:‏

بسم الله الرحمن الرحيم، والحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الخلق، مولانا وحبيبنا وقائدنا أبي القاسم ‏محمد، وعلى آل بيته الطيبين الطاهرين، وصحبه الأبرار المنتجبين، وعلى جميع الأنبياء والصالحين إلى قيام يوم ‏الدين.‏
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.‏ نحن في الذكرى السنوية التاسعة لاستشهاد القائد الجهادي الكبير السيد مصطفى بدر الدين (ذو الفقار).‏

بهذه المناسبة أُعزّي وأُبارك عائلته الشريفة، وشعب المقاومة، وكل المحبين الذين يُحيطون بهذا المجاهد وبمجاهدي ‏المقاومة الإسلامية في كل مكان.‏ كما أستفيد من الفرصة لأُعزّي بكل الشهداء في فلسطين المحتلة، وفي لبنان الأبي، وفي اليمن السعيد، وفي العراق ‏المعطاء، وفي إيران الأبية، وفي كل مكان قَدّم فيه الشهداء في سبيل المقاومة وعطاءاتها.‏
أُبارك وأُعزّي لكل الأحبة، لكل العائلات، لكل الذين يُحيطون بهؤلاء.‏

نحن اليوم سنتحدث عن السيد مصطفى بدر الدين القائد الجهادي الكبير، وكذلك عن الأوضاع السياسية العامة.‏ أبدأ بالحديث عن السيد الجهادي الكبير. ‏هو من مواليد 1961، وعندما استُشهد في سنة 2016 بلغ من العمر 55 سنة.‏

مع انتصار الثورة الإسلامية المباركة في سنة 1979، كان من الناشطين جدًّا في التظاهرات وفي المحافل التي تُحيي ‏هذا الانتصار، ولم يتجاوز عمره السبعة عشر عامًا.‏ عندما استُشهد السيد محمد باقر الصدر، المرجع الكبير رضوان الله تعالى عليه، كان من الذين قاتلوا وواجهوا البعث ‏العراقي وقتها دفاعًا وانتقامًا ومواجهة، وكان قد بلغ من العمر تسعة عشر عامًا.‏

في سنة 1982 حصل الاجتياح الإسرائيلي، وكان هو من الأوائل الذين قاتلوا في خلدة، مدخل بيروت، وجُرح وقتها، ‏وكان قد بلغ من العمر واحدًا وعشرين عامًا. أي أنه منذ الشباب الأول هو في المواقع المتقدمة يدافع ويقاوم ويجاهد عن ‏القضايا المحقة، وعلى رأسها القضية الفلسطينية ومواجهة العدو الإسرائيلي.‏ اعتُقل في الكويت بين سنة 1983 و1990 لمدة سبع سنوات، لكنه كان يُخيف سجّانيه بدل أن يُخيفوه.‏

هو قائد عسكري مباشر لحزب الله منذ سنة 1995 إلى سنة 1999، لمدة أربع سنوات.‏ استُهدف في “عناقيد الغضب” سنة 1996، قاد عملية أنصارية سنة 1997، وعاين مباشرة كل الخطوات التي قام بها ‏المجاهدون في هذه العملية، وهي العملية المشهورة.‏

كان له دور رئيس في سوريا لمدة خمس سنوات، هو مسؤول عن إدارة العمل الأمني والعسكري في سوريا.‏ ذهب إلى سوريا من أجل المقاومة، من أجل طريق المقاومة، وظهر المقاومة، ولم يكن ذهابه جزءًا من أي صراع ‏داخلي.‏ ونحن اليوم نؤكد أيضًا أننا نريد سوريا موحّدة لجميع أبنائها، يتعاونون مع بعضهم، ويُشكلون قياداتهم وحكوماتهم بما ‏يريدون، مع مشاركة الجميع، بعيدًا عن التصفية والانتقام واستهداف الأقليات العلوية والدرزية والمسيحية كما يحصل ‏من بعض الفصائل. نحن نريد لسوريا أن تكون مجتمعة موحّدة، كما نستنكر استنكارًا عظيمًا ما يحصل من عدوان ‏إسرائيلي متكرر، وكلنا أمل بهذا الشعب السوري العروبي البطولي الإسلامي الأبي، أنه سيمنع إسرائيل من أن تحقق ‏أهدافها في سوريا.‏

هذا القائد الجهادي الكبير هو نموذج من النماذج التي عملت في هذه الساحة.‏ قال تعالى: “الذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا في سبيل الله بأموالهم وأنفسهم أعظم درجة عند الله، وأولئك هم الفائزون.”‏

هو صديق وأخ الشهيد عماد مغنية، القائد الكبير، رضوان الله تعالى عليه، وعمل مع الشهيد القائد، قائد محور المقاومة، ‏الشهيد قاسم سليماني، رضوان الله تعالى عليه. وكان تحت إدارة وقيادة سيد شهداء الأمة، السيد حسن نصر الله، رضوان ‏الله تعالى عليه.‏

الشهيد القائد كان يمتلك الوعي السياسي والاستراتيجي، نال البكالوريوس في العلوم السياسية سنة 2005، أتقن اللغة ‏الإنجليزية، له عقل عملي وعلمي، خاض مفاوضات شاقة من أجل إطلاق سراح الأسرى اللبنانيين والفلسطينيين ‏والعرب من سجون الكيان الإسرائيلي.‏ كان بارعًا في الحرب النفسية والإعلامية، وكان إداريًّا دقيقًا في تراتبيته التنظيمية.‏

عند شهادة السيد هادي، ابن سماحة الأمين العام، سيد شهداء الأمة، السيد حسن نصر الله، رضوان الله تعالى عليه، نظّم ‏تغطية مباشرة لهذه المناسبة، كانت نموذجًا من الإطلالة الإعلامية المؤثرة في ذاك الزمان.‏ هو صلبٌ، له مهامه ومهابته في آنٍ معًا، كان يهتم بالإخوة علميًّا واجتماعيًّا، وعلى المستوى الخاص، حتى أحبوه ‏وارتبطوا به.‏ ولا يخفى أنه كان قائدًا حقيقيًّا في الميدان، يمتلك البأس والجرأة والقدرة، هو أحد النماذج من قيادات المقاومة الإسلامية ‏المظفّرة.‏

أنتقل إلى الوضع السياسي العام، وهنا ضمن نقاط.‏

أولًا: ماذا نواجه؟

نحن نواجه مشروعًا إسرائيليًّا منذ سنة 1948 في المنطقة، أي لأكثر من 77 سنة، يستفيد من قوة عسكرية هائلة، ‏وتدعمه أمريكا ودول الغرب بكل الإمكانات والطاقات والقدرات، والهدف هو زرع كيان في المنطقة استعماري، يريد ‏أن يتوسع ليُغير الشرق الأوسط الجديد.‏

حاولت إسرائيل خلال السنوات الماضية كثيرًا أن تقضم فلسطين تدريجيًّا: في البداية أراضي 1948، ثم 1967أراضي ‏باقي فلسطين، وبعدها أراضٍ من الدول العربية. ولم تكن تتراجع في أي موقع من المواقع إلا بالمواجهة وبالمقاومة. ‏وفي الحقيقة، كانت تهدف إلى أن تزداد من قضم الأراضي، لتصل إلى التوسع الكامل والشامل.‏

غزة الصمود والإباء والعطاء والتضحية، استطاعت أن تخوض معركة طوفان الأقصى من خلال قيادة حماس والجهاد ‏الإسلامي والفصائل الفلسطينية والشعب الأبي المجاهد بكل أطيافه. واستطاعت أن تفضح وأن تكشف هذا الكيان ‏الغاصب الذي يعمل على الإبادة البشرية، ويعمل على قتل البشر وتدمير الحجر، وإعدام الحياة، وقتل الأطفال.‏

كل ما نسمعه اليوم عن حرب على غزة، هو في الواقع قتل للموجودين في الخيام، من الأطفال والنساء والرجال وعموم ‏الناس، وهم يُمارسون عملية تجويع منذ بداية شهر آذار حتى الآن بشكل ممنهج، وهذا أمر على مرأى العالم، وبتأييد ‏ورعاية أمريكية مباشرة. هذا يدل على أن هناك قرارًا كبيرًا من أجل قتل روح المقاومة، وإعدام قدرة أن يسترد صاحب ‏الأرض أرضه.‏

لكن هذا أمر مستحيل، يريدون إنهاء المقاومة في غزة، ومنذ السنة وسبعة أشهر يقومون بكل هذا الإجرام الموصوف ‏على المستوى العالمي والإنساني، ولم يتمكنوا من تحقيق الهدف. يريد نتنياهو أن يعدم الحياة في فلسطين المحتلة، في ‏غزة بالتحديد، من أجل إنهاء المقاومة وإنهاء المستقبل، ولم يتمكن، ولن يتمكن حتى ولو أطال أمد الحرب، لأن هذا ‏الشعب الفلسطيني شعب مقاوم، شعب صاحب حق، شعب مؤمن، شعب مضحٍ، معطاء. مستحيل أن يتمكن نتنياهو ولو ‏اجتمعت الدنيا معه، أن يسلب الفلسطينيين أرضهم وحقهم ومستقبلهم، حتى ولو استمر كذلك إلى آخر ولايته، لأن هذا ‏الشعب قدّم عشرات الآلاف من الشهداء، وعشرات الآلاف من الجرحى، وقدّم كل ما لديه من أجل أن يبقى عزيزًا ‏كريمًا. ‏

في لبنان، تعرفون أنه بعد الاجتياح الإسرائيلي في 17 أيار سنة 1983 حاولت إسرائيل أن توقّع اتفاقًا مع لبنان، وهذا ‏الاتفاق يضع شروطًا كثيرة على لبنان، اتفاق مذل، اتفاق يعدم لبنان قدرته، اتفاق يمكن إسرائيل من أن تتصرّف كما ‏تشاء في لبنان، وله تفاصيل يمكن العودة إليها. وقتها لم يكن ميزان القوى لصالح لبنان، ووقف في البرلمان نائبان: ‏النائب زاهر الخطيب والنائب نجاح واكيم اعتراضًا على اتفاقية 17 أيار، وكادت أن تمر، لكن مع ذلك الموقف الشعبي ‏المقاوم المؤثر من العلماء والناس والقوى السياسية وسوريا ولبنان وكل من كان مؤازرًا للمواجهة مع العدو الإسرائيلي، ‏تمكنوا بحمد الله تعالى من إسقاط هذا الاتفاق. يعني هناك حالة قضم كانت تريدها إسرائيل في لبنان باتفاق 17 أيار ‌‏1983، لم تتمكن. ‏

استمرت إسرائيل بالاحتلال وأنشأت جيش لبنان الجنوبي على قاعدة أن تتمكن من القضم بطريقة أخرى، لكن في سنة ‌‏2000 حصل التحرير الكامل وخرجت إسرائيل، ولم تتمكن من القضم في لبنان. ‏

أجرت المحاولة سنة 2006 وأيضًا لم تتمكن إسرائيل، فانتصر المقاومون في معادلة الجيش والشعب والمقاومة، ‏ووصلنا إلى منع إسرائيل من إمكانية القضم.‏ أسمع سؤالًا بين الحين والآخر، يقولون: ماذا قدمت المقاومة في لبنان؟ بعد أن رأوا أن التضحيات في هذه المرحلة كانت ‏كبيرة وعظيمة، وكان هناك آلاف الشهداء وتدمير المنازل وكل ما حصل، يسألون: ماذا قدمت المقاومة حتى تقولوا ‏باستمراريتها؟

المقاومة قدمت من سنة 1982 إلى ما قبل العدوان منع إسرائيل من قضم أراضٍ من لبنان، ومنع إسرائيل من عقد اتفاق ‏مذل للبنان، ومنع إسرائيل من أن تتصرف كما تريد وتضغط على لبنان، وكانت مردوعة من سنة 2006 إلى سنة ‌‏2023، 17 سنة، لم تتمكن أن تصنع شيئًا، وشهد الجنوب ولبنان ازدهارًا اقتصاديًا بسبب هذا الموقف.‏

إذًا المقاومة قدمت إنجازات في لبنان حقيقية، منعت إسرائيل، وإلا لو استطاعت إسرائيل أن تقضم تدريجيًا كل كم سنة ‏قسمًا من لبنان، أين كان لبنان اليوم؟ وكيف أصبح وضع لبنان؟ هذا ما قدمته المقاومة.‏

والآن، في معركة أولي البأس، قدّمت المقاومة صمودًا أسطوريًا، للمقاومين منعت إسرائيل من أن تتقدم، وقدّم الشعب ‏اللبناني والجيش اللبناني وكل هذا التفاعل مع المقاومة العطاءات والتضحيات، والجرحى والأسرى والتحمّل، من أجل ‏منع إسرائيل أن تحقق ما تريد في لبنان.‏

نعم، هي بقيت على خمس تلال، أو هي تأخذ مكانًا معينًا محدودًا، كان يمكن أن يكون هذا المكان العاصمة بيروت، وكان ‏يمكن أن يكون العاصمة في صيدا وفي أماكن أخرى، لولا المقاومة ومواجهة المقاومة.‏

هذه الإنجازات موجودة، وهذه الإنجازات حقيقية، لذا نحن نقول إن المقاومة مطلوبة وضرورية. ‏ما هي المقاومة؟ المقاومة خيار دفاعي، المقاومة رؤية سياسية، المقاومة مرتبطة بتحرير الأرض والعزة والاستقلال ‏والصمود. هذه هي المقاومة التي ندعو إلى المحافظة عليها.‏

أما الاستجابة للتهديدات والاستسلام، فهو يمثل خيارًا آخر، هذا الخيار هو خيار الخنوع والخضوع والقبول بمنطق ‏القوة. نحن مع منطق الحق ولسنا مع منطق القوة. نحن بمنطق الحق نلتزم المقاومة ونستمر لندافع عن حقوقنا وأرضنا ‏ومستقبلنا، وعن شبابنا، وعن أمتنا، وعن أجيالنا.

أما الذين يقبلون بأن يستسلموا ويقدّموا تحت عنوان منطق القوة، هؤلاء لا خيار لهم، وهؤلاء يتحمّلون مسؤولية أنفسهم. ‏أما نحن فلا نقبل أن نكون أذلاء، سنبقى دائمًا مرفوعي الرأس، أصحاب الحق دائمًا منصورين، ودائمًا في المواقع ‏المتقدّمة.‏

نحن نقول دائمًا، ونعبر دائمًا، نحن نؤمن بالنصر أو الشهادة، على أي قاعدة؟ على قاعدة الالتزام بالحق وتحرير الأرض ‏وتحرير الإنسان. النصر نصر، والشهادة نصر أيضًا، لأنها تمنع أن يحقق العدو أهدافه، وتفتح المجال أمام الأجيال ‏القادمة لتستمر في عملية المواجهة، دون أن يتمكن العدو من تحقيق أهدافه.‏

من كان يؤمن بالنصر أو الشهادة على درب الإمام الحسين، سلام الله تعالى عليه، الذي أبى أن يسلّم، أبى أن يتراجع، ‏أبى أن يبايع يزيد، مع قلة العدد والعدة، كانت النتيجة أنه استشهد في الميدان، لكن حركته وتوجهه وقناعاته استمرت ‏عبر الزمن. وها نحن اليوم من أبناء الإمام الحسين، سلام الله تعالى عليه، في نهجه ورؤيته، وفي عزته وكرامته ‏ومكانته، والعودة إلى الله تعالى. نحن في هذا النهج قدّمنا سيد شهداء الأمة، السيد حسن نصر الله، رضوان الله تعالى ‏عليه، الذي يعبر عن هذا المنهج، وهذا المنهج هو منهج للحياة ومنهج للاستمرار، وبالتالي شهادته هي نبراس لنستمر، ‏شهادته هي من أجل أن تكون المقاومة قوية عزيزة، شهادته هي من أجل أن يجتمع الجميع على خط واحد يحافظون ‏على الأرض ويستردونها، ويحافظون على العزة والكرامة والاستقلال، وهذا ما لا يمكن أن نتراجع عنه. نحن في ‏إيماننا، المقاومة دائمًا منصورة بدماء الشهداء وبالعطاءات. ‏

أما العدو فهو دائمًا مهزوم. قال تعالى في كتابه العزيز: “قل للذين كفروا ستغلبون وتحشرون إلى جهنم وبئس المهاد.”‏ كم سيطول أمد الإسرائيلي؟ كم يستطيع أن يجري مناورات؟ كم سيكون عنده دعم؟ كم سيظل يقتل؟ كم سيبقى نتنياهو؟ ‏لن يبقى الوضع على ما هو عليه.‏

نحن لا نستطيع أن نحدد التوقيت صحيح، لكن في النهاية هؤلاء سيخسرون عندما نبقى واقفين، عندما نبقى صامدين، لا ‏يمكن أن نعطيهم وهم في حالة الفشل وحالة التراجع. ‏سنبقى واقفين على أقدامنا وسييأس العدو من وقفتنا ومن تضحياتنا، وهذا الذي يقوم به العدو يزيدنا تشبثًا بمواقفنا ‏والمحافظة على قوتنا، لأننا نرى أننا كلما كنا أقوياء كلما استطعنا أن نُحقّق مدى أكبر من العزة والكرامة والاستقلال، ‏بدليل ما حصل في 44 سنة السابقة. أما عندما يكون هناك تخاذل، فهذا يعني أن يذهب كل شيء، وهذا لن يكون معنا.‏

الأمر الآخر، حصل اتفاق لوقف إطلاق النار في 27 تشرين الثاني سنة 2024، بين الدولة اللبنانية والكيان الإسرائيلي ‏بشكل غير مباشر، برعاية دولية مع أمريكا وفرنسا وقوات الأمم المتحدة، قوات الطوارئ الدولية.‏

هذا الاتفاق ينص على وقف إطلاق النار، وفيه التزامات على لبنان والتزامات على الكيان الإسرائيلي. لبنان قام بكل ‏التزاماته، والمقاومة الإسلامية وكل المقاومين الشرفاء التزموا بوقف إطلاق النار في جنوب نهر الليطاني، وتمكين ‏الجيش اللبناني من نشر قواته ليكون هو القوة الوحيدة الموجودة في المنطقة، مسلحة وتحفظ الأمن، وهذا ما طبقه لبنان ‏وطبقته المقاومة بالكامل، بشهادة العالم من دون استثناء. ‏

بينما إسرائيل لم تنسحب، إسرائيل لم توقف عدوانها، إسرائيل اخترقت أكثر من ثلاثة آلاف مرة، وهذا كله موجود أمام ‏العالم ويصرحون به، حتى قائد قوات الطوارئ الدولية صرح بهذا، وبيّن أن الجانب اللبناني يلتزم، وأن الجانب ‏الإسرائيلي لا يلتزم.‏

عندما حصل وقف إطلاق النار، كان ذلك لأن العدو الإسرائيلي وصل إلى طريق مسدود، أي أن الاستمرار لا فائدة منه، ‏وأيضًا نحن مقتنعون ألا يكون هناك حرب، وبالتالي أيضًا وافقنا مع الدولة اللبنانية على وقف إطلاق النار.‏

لكن ما هو الهدف الذي يعمل عليه العدو الآن؟

هو يريد أن ينهي المقاومة، يعني الذي جعله يقوم بالحرب أولًا، وخضنا معركة البأس للمواجهة، هو مشروع قائم على ‏إنهاء المقاومة. لم يستطع إنهاء المقاومة، وحصل اتفاق وقف إطلاق النار. الآن يعتبر أن استمرار ضغوطاته واستمرار ‏العدوان يمكن أن يؤدي إلى إنهاء المقاومة بالسياسة، من خلال الضغط على الدولة اللبنانية لتضغط على حزب الله في ‏كل لبنان، وتجرّده من إمكاناته وقدراته.‏

هذا أمر لم يحصل، إذا لم تحققوا في الحرب إنهاء المقاومة، هل تتوقعون أن تحققوا بعد الاتفاق هذا الإنهاء بالضغط ‏والخروقات؟ هذا لا يمكن.‏ العدوان الذي قامت به إسرائيل منذ أيام على منطقة النبطية وإقليم التفاح كان عدوانًا صاخبًا، هذا لعب بالنار، وهذا لن ‏يجعل إسرائيل تأخذ أو تحقق ما تريد، وهذا برسم الدولة اللبنانية لتتحرك بفعالية أكثر، وبرسم الرعاة، أمريكا وفرنسا ‏ومن معهم.‏

نحن نعتبر أن هذه المرحلة بعد وقف إطلاق النار هي مرحلة مسؤولية الدولة اللبنانية، التي أخذت على عاتقها أن تطبق ‏وقف إطلاق النار، وأن تلتزم بالقسم المرتبط بالجانب اللبناني، ونحن ساعدنا الدولة على هذا الالتزام. عليها أن تضغط ‏أكثر، عليها أن تتحرك أكثر. ‏وليعلموا بشكل واضح، فليعلم الإسرائيلي ومن وراء الإسرائيلي، أننا لن نخضع للتهديدات والضغوطات، لو اجتمع ‏العالم ليسلبنا حقنا وأرضنا، لن نستسلم، سنواجه بكل أشكال المواجهة المتاحة، وبحسب المرحلة، ولكن لا استسلام. ‏احذفوا الاستسلام من قاموسكم، هذا أمر لن يحصل مع وجود المقاومة إن شاء الله تعالى.‏

هنا ألفت نظركم إلى نقطة هامة، إذا ظنّ البعض أننا نُستفرد الآن في لبنان، وأن الكل ينقض علينا ليضغط بأساليب ‏مختلفة من أجل أن نتراجع ونتخلى عن قوتنا ومقاومتنا، من دون التنسيق التفصيلي مع الدولة اللبنانية فيما يتعلق بحماية ‏لبنان وقوة لبنان، فهو واهم. هذا أمر لن يحصل، مهما كانت الضغوطات. وإذا كان يعتقد البعض أنهم بهذه الضغوطات ‏يخرجوننا من المعادلة، فهم واهمون.‏

أنا أريد أن ألفت نظركم لأمر، اليوم لبنان يتجه نحو الاستقرار، من يعيق الاستقرار في لبنان إسرائيل وعدوان إسرائيل. ‏وأيضًا، إذا ازداد أو إذا تجاوب بعضهم في لبنان مع العدو الإسرائيلي، فهذا يعني أنهم يضعون الاستقرار السياسي ‏والاقتصادي والمجتمعي على طريق الهاوية. لبنان لا يمكن أن يكون مستقرًا بعزل مكون، أو بمحاولة الاستفراد، أو ‏بالضغط على المقاومة من أجل أن تقدم ما لا يصح أن يُقدّم بعد كل ما قدمته ولم تلتزم إسرائيل على الإطلاق. اذهبوا يا ‏أخي، أولًا فلتلتزم إسرائيل بما عليها، ولتُنهي الأمور التي هي جزء من الاتفاق، ونحن نتفاهم على المستوى الداخلي ‏على كل التفاصيل، لا يوجد مشكلة بيننا وبين رئيس الجمهورية، ولا بيننا وبين المكونات في الداخل اللبناني.‏

أما أن يفكر أحد أن الدولة تسير ويسير الاستقرار ونحن نبقى معزولون جانبًا، والضغوطات علينا، ضغوطات من ‏الخارج وضغوطات من الداخل، وأن الأمور عادية؟ لا، ليست عادية، لا يمكن أن يحصل الاستقرار. هذا البلد يستقر ‏عندما نكون جميعنا متعاونين، عندما نكون جميعنا مستقرين، عندما نعيش جميعنا حياتنا بشكل طبيعي.‏

هنا أريد أن أوجه رسالة لجمهور المقاومة:‏

أمامكم أولي البأس الذي خضناه معكم بكل عنفوان وقوة وشرف وعزة وتضحية وجهاد وعطاءات، وأمامكم تجربة وقف ‏إطلاق النار بالصمود وحضور الأهالي في القرى والعمل بشكل متماسك.‏
أثبتت التجربة في أولي البأس وما بعد وقف إطلاق النار أننا أقوياء في الميدان، وأننا يمكن أن نمنع هذه الأخطار عنا، ‏وألا نُحقّق أهداف العدو.‏

أنتم من يهزم الأعداء و”شراشره”. أنتم من يستعيد الأرض بثباتكم. أنتم مستقبل لبنان الواعد، مع مقاومته وجيشه وشعبه ‏التواق إلى الاستقلال والحرية. لا أحد يلعب بيننا، ولا أحد يعتقد أنه يستطيع أن يُثبّط من عزائمنا.‏

أما هؤلاء، وهم قلة في لبنان، الذين يخدمون إسرائيل بمواقفهم، فنقول لهم: لا تكونوا خُدّامًا لإسرائيل. أنتم بهذه الطريقة ‏تعيقون وتعطلون البلد، وتسيئون إلى البلد. أنتم بهذه الطريقة تمنعون المشاركة الحقيقية والتفاعل الحقيقي.‏

على فكرة، خُدّام إسرائيل ليسوا إضافة لإسرائيل، لأنهم هم يعملون توترًا، وهذا التوتر ينعكس سلبًا، وبالتالي ضغوطات ‏على الكيان الإسرائيلي، ليس علينا نحن.‏ لا تبرروا لإسرائيل ما تفعل. معقول أن يقال إن قصف النبطية ليس له علاقة بلبنان؟ لأن هذا قصف على ناس ليس لهم ‏علاقة بالتركيبة اللبنانية أو بالواقع اللبناني؟ من هذا الذي لديه عقل ويقول هذا الكلام ويقف في هذا الموقف؟ ‏

على كل حال، خُدّام إسرائيل معروفون بالنسبة إلينا، تاريخهم مظلم، فتنتهم دمّرت لبنان، دائماً يعملون بطريقة تسيء ‏إلى مجتمعهم، وإلى جماعتهم، وإلى من يوالونهم. ارحموا أنفسكم وارحموا البلد، هؤلاء يوتّرون البلد من لا شيء. على ‏علمك، البلد يسير بالتنمية الاقتصادية، يسير بالترتيب الإداري، يسير بالانتخابات البلدية، يسير بترتيبات لينقل لبنان ‏إلى مرحلة أخرى. في نفس الوقت، في مواجهة العدوان الإسرائيلي، هناك مطالبات لوقف العدوان الإسرائيلي، ثم ‏يخرجون ليقولوا: لا، أنتم أولاً يجب أن تقوموا بما عليكم، وإسرائيل معها حق، وبالتالي يوتّرون البلد في وقت يجب أن ‏تتوجه الأنظار إلى إسرائيل من ناحية لمنعها، وإلى بناء البلد من ناحية ثانية. ‏خُدّام إسرائيل يخطئون كثيراً، نقول لهم: عودوا إلى وطنيتكم، عودوا إلى لبنانيتكم، عودوا إلى أن نتعاون ونكون ‏شركاء.‏

الأمر الآخر، اليوم نحن أمام عهد جديد برئاسة فخامة الرئيس العماد عون، وهذا العهد الجديد فيه آمال كبيرة، لا يعتقد ‏أحد أن هذا العهد الجديد يُلغي كل الآخرين، أو أنه يقوم بشيء لا يقوم به الآخرون. لا، هذا العهد الجديد نحن شركاء فيه، ‏ونحن جزء منه، نحن كحزب الله وحركة أمل قدّمنا المساهمة الكبرى يوم انتخاب فخامة الرئيس جوزيف عون، وأثبتنا ‏للجميع أننا في إطار بناء البلد وانطلاقته. إذًا، ما يحصل في لبنان هو عبارة عن مرحلة جديدة فيها بناء، فيها عهد جديد، ‏نحن جزء لا يتجزأ من هذا العهد الجديد، كل خيرات العهد الجديد نحن شركاء فيه ونحن نساهم فيه. عندما يكون هناك ‏انفتاح على بعض الدول العربية والأجنبية والعلاقات التي تعود إلى سابق عهدها أو تتحسن، هذا لأننا جزء من هذه ‏القناعة. نحن نريد للدول العربية أن تعود إلى لبنان، نحن نريد لدول العالم أن تتعاون مع لبنان، نحن نريد لمن اتخذ ‏مواقف سابقة لأسباب مختلفة أن يعود إلى لبنان، لأننا نعتبر أن فيه مصالح مشتركة، لماذا لا تكون هذه المصالح ‏للجميع؟ وبالتالي ما يحصل من خيرات نحن شركاء فيه.‏

لكن أنا أقول لهذه الدول: لا تفرضوا خياراتكم المضرة بلبنان، ولا تغلّبوا فريقًا على آخر بغير وجه حق. إنما لكم مصالح ‏في لبنان، صحتين على قلبكم، خذوا مصالحكم وأعطونا مصالحنا في لبنان كلبنانيين، وبالتالي نتعامل كدولة لدولة، كند ‏لند. هذا أمر يجب أن يكون واضحًا للجميع. ‏

على فكرة، نحن لم نبدأ مع العهد الجديد‎ ‎نتصرف بإيجابية حقيقة من أجل لبنان، بل منذ حكومة الرئيس ميقاتي، في 27 ‏تشرين الثاني 2024، تم عقد الاتفاق بين الدولة اللبنانية والكيان الإسرائيلي بشكل غير مباشر، اتفاق وقف إطلاق ‏النار، ونحن التزمنا به وساعدنا الدولة. يعني قبل شهر ونصف من انتخاب الرئيس الجديد، شهر ونصف والتزام كامل. ‏هذا يعني أننا مقبلون على دعم الدولة وكيان الدولة، وأن نكون جزءًا لا يتجزأ منها، وأن يكون هناك تقدم في كل ‏المجالات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، وبعد ذلك تابعنا في هذا المجال.‏

أكرر حتى لا ينسى المسؤولون، هناك أولويات ثلاثة يجب السير بها معًا: ‏

أولوية وقف العدوان الإسرائيلي والانتهاكات الجوية المتكررة والاحتلال والإفراج عن الأسرى، هذا أمر أساس يجب أن ‏يحصل، والدولة اللبنانية معنية بأن تضغط بكل إمكاناتها. ‏

الأولوية الثانية إعادة الإعمار، وهو واجب على الحكومة، ويجب أن يبدأ موضوع إعادة الإعمار. أطالب الحكومة ‏اللبنانية أن تضع هذه النقطة على أول جلسة من جلسات أعمالها، لأنه لا يصح أن يتأخر هذا الموضوع، لا يوجد مبرر، ‏على الأقل ضعوا الإطار العام، الخطوات العامة، تشكيل اللجنة أو اللجان المعنية، لأنه نحن يتصل بنا عدد من الدول ‏العربية وغير العربية أيضاً، ويقولون نحن حاضرون للدعم، لكن قولوا لنا أولاً أنتم كيف ستبدؤون، وضعوا لنا الإطار ‏الذي ستبدؤون به لبنانياً. مسؤوليتنا أن نضع الإطار كدولة لبنانية، كحكومة لبنانية. أنا أدعو إلى إعطاء هذا الأمر أهمية ‏كبرى، هذا من أول الأولويات الموجودة.‏

والأولوية الثالثة التي تحدّثنا عنها هي موضوع بناء الدولة اقتصادياً واجتماعياً، وإعادة أموال المودعين، وكل هذه ‏الأمور التي يحتاجها لبنان. ‏

أهنئ اللبنانيين بالانتخابات البلدية والاختيارية التي حصلت في جبل لبنان، وحصلت في منطقة الشمال وطرابلس، ‏وبالتالي هذه الانتخابات دلّت بطريقتها وبأدائها على حماسة اللبنانيين لبناء الدولة. ونحن كنا من أول المشجعين، ومن ‏المؤكدين على إجرائها في موعدها. وأيضاً هناك نجاحات حققناها بالتعاون بين حزب الله وحركة أمل في بلدات كثيرة، ‏خاصة في منطقة جبل لبنان، عندما عملنا على التوافق، وأعطينا نموذجاً رائداً في المحافظة على صيغة العيش المشترك ‏والتعاون من خلال تجربة حارة حريك. يعني في حارة حريك، الرئيس مسيحي، والأعضاء بحسب العدد مثلناهم بشكل ‏طبيعي بالاتفاق بين حركة أمل وحزب الله مع القوى الموجودة. أيضاً نحن مقتنعون أن بيروت أيضاً يجب أن تُراعى ‏فيها هذه الخصوصية، حتى يكون التمثيل تمثيلاً متوازناً، يأخذ بعين الاعتبار كل المذاهب والطوائف من دون لحاظ ‏العدد ومن دون لحاظ الحسابات السياسية. نحن نشجع، ونحن جزء من هذا، وأعطينا تجربة رائدة في هذا الموضوع.‏
أختم بالتهنئة لليمن بانتصاره على أمريكا، وبقائه شعلة للنور ودعماً لفلسطين. هذا اليمن العظيم بشعبه وقيادته ‏وتضحياته وشهدائه وجرحاه وعطاءاته، الذي استطاع أن يُرغم أمريكا على أن توقف عدوانها، أرغمها غصباً عنها، ‏واستمر في رؤيته وقناعته بضرب الكيان الإسرائيلي دفاعاً عن غزة. كل التحية لهؤلاء الشرفاء. ‏

والتحية أيضاً للجمهورية الإسلامية الإيرانية المباركة، التي ترفع علم الحرية، والتي تعمل دائماً من أجل نصرة قضايانا ‏في منطقتنا. لنا الفخر بالعلاقة معها، بقيادة الإمام الخامنئي دام ظله، على نهج الإمام الخميني قدس سره.‏ والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.‏

المصدر: العلاقات الاعلامية

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق