إن المقالات المنشورة في خانة "مقالات وآراء" في "النشرة" تعبّر عن رأي كاتبها، وقد نشرت بناء على طلبه.
إعتاد العدو الإسرائيلي مهاجمة لبنان في الجنوب والبقاع والضاحية وبعض المناطق الأخرى احياناً منذ سريان مفعول وقف اطلاق النار في 27 تشرين الثاني 2024 حتى يومنا هذا، ودائماً تكون الحجة في اغتيال احد أعضاء حزب الله بتهمة تحرك مشبوه بالنسبة لهم او استهداف مراكز معينة بحجة تخزين أسلحة للمقاومة.
في كلا الحالتين هناك خرق لاتفاق وقف اطلاق النار سواء كان الهدف جنوب الليطاني ام شماله تبعاً لوجود لجنة مراقبة دولية اقرالاتفاق العودة لها عبر شكوى من أي طرف في حال رصد احدهما تحركاً معادياً.
ولكن بعدما تجاوز عدد الخروقات الإسرائيلية الثلاثة الاف خرقاً منذ الاتفاق وكان لبنان يقدم الشكاوى للجنة المراقبة ولم يجد استجابة فعلية لوقف الخروقات، في وقت لم يقم لبنان باي خرق من جهته باستثناء الجهة المشبوهة التي اطلقت الصواريخ ذات المنصات الخشبية، اصبح لبنان عرضة لاتفاق من طرف واحد و حرب من طرف واحدة وخسائر روحية ومادية ايضاً من طرف واحد، ليتحول الاتفاق و القرار 1701 في الوقت الراهن على الأقل الى انفراد إسرائيلي بالحركة العسكرية قد تشبه في مكان ما مرحلة صيغتها تكون بين الاستسلام وعودة الحرب.
ولكن في هذه المرحلة الدقيقة والحساسة تكوَّن خطاب رسمي لبناني مضمونه الاعتماد على العمل الدبلوماسي، حيث توجه اكثر من مرة رئيسا الجمهورية والحكومة اللبنانية بالخطاب في هذا المسار الدبلوماسي لحماية لبنان واستعادة كافة أراضيه واسراه.
رغم ان هجمات العدو الإسرائيلي المباغتة قد تضعف هذا الموقف اللبناني وخطاب الدبلوماسية، مع عدم نكران مسالة الوقت الذي تحتاجه الدبلوماسية حتى تحقق نتائجها، وخاصة ان السلطة في لبنان حديثة العهد، ولكن في نفس الوقت ما يفعله الإسرائيلي من خروقات يصب في خانة اضعاف هذه الدبلوماسية ودور لجنة المراقبة.
فاذا كانت الغارات المفاجئة والاغتيالات التي لا تعلم بها السلطة اللبنانية مسبقاً تضعف المسارالدبلوماسي، يأتي السؤال : ماذا اذاً عن غارات الضاحية ذات الإنذارات المسبقة؟.
ان الإنذاران اللذان اعطيا لسكان الجاموس- الحدث في الضاحية الجنوبية لبيروت في شهر نيسان الماضي، شكلا مأزقاً معقداً اشبه باغتيال مباشر لمسار العملية الدبلوماسية، ففي مرحلة العمليات الفجائية قد يأتي دور للدبلوماسية ولو كان ضعيفاً الا انه يتسلح بعدم العلم المسبق بالضربة، و لكن الضربة في الضاحية مع إنذار مسبق يعني انه بعلم الجهة الرسمية اللبنانية ولو عبر الاعلام، ما يعني ان هناك متسعاً من الوقت قرابة 90 دقيقة بين الإنذار والضربة ليقوم رئيسي الجمهورية والحكومة بالجهود الدبلوماسية التي يعتمدان عليها من اتصالات خارجية وتحركات مكوكية داخلية وخارجية لمنع تنفيذ الضربة، في وقت يتعمد العدو بتمديد الوقت وفترة الإنذار بحجة إعطاء فرصة لاجلاء السكان من المنطقة، ولكنه في هذا الوقت يستنزف الجهود الدبلوماسية للسلطة اللبنانية عبر احراجها بعلمها اولاً واخذها متسع من الوقت ثانياً، ثم ليعلن بعد ساعة ونصف اغتيالاً لمسار هذه الطاقة الدبلوماسية اللبنانية تجاه العدوالإسرائيلي حين تنفيذه للضربة بطائراته الحربية التي تدخل الأجواء اللبنانية على الهواء مباشرة وتنفذ ما توعدت به.
اذاً، إسرائيل بحربها الشعواء على لبنان وبغاراتها الفجائية المستمرة تريد اغتيال العنصر العسكري في لبنان، ولكن بانذاراتها المسبقة للضاحية وتنفيذها ارادت اغتيال العنصر الدبلوماسي اللبناني، فماذا تريد ان تقول إسرائيل بهذا الاغتيال؟.
الجواب على هذا السؤال يحتاج الى مبحث طويل ولكن بالايجاز ان العدو الإسرائيلي يدمر كل شيء يعتبره لبنان مصدراً لقوته ولحمايته حتى ولو كانت كلمة دبلوماسية فكما ان ليس من مصلحة إسرائيل وجود قوة عسكرية تردع العدو فأيضا ليس من مصلحة إسرائيل وجود قوة دبلوماسية تحمي لبنان، وليس من مصلحة إسرائيل ان يبني لبنان علاقات دولية قوية مع الأوروبي والأميركي ظناً منه انه يستطيع القفزعلى إسرائيل بالتواصل مع الدول الكبرى، وهذا ما قد يدفع بالسياسي اللبناني الى خيارات أخرى قد لا تحمد عقباها.
0 تعليق