تشهد الأسواق العالمية تقلبات حادة نتيجة تصاعد التوترات التجارية بين الولايات المتحدة والصين، وهو ما ينعكس بشكل غير مباشر على الاقتصاد المصري، لا سيما فيما يتعلق بعقود الصفقات والاستثمارات الأجنبية. وفي ظل تزايد حدة الحرب التجارية، تترقب المؤسسات المصرية آثار هذه النزاعات على سلاسل الإمداد، وكلفة الاستيراد، وخريطة الصادرات، وسط جهود حكومية لتعظيم الاستفادة من الفراغات المحتملة في الأسواق العالمية. وقرر الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، بداية أبريل المنصرم، فرض رسوم جمركية على 185 دولة، وطالت كلاً من مصر والسعودية والإمارات والمغرب بنسبة 10%، بينما بلغت 145% ضد الصين، ما اعتبره البعض إرهاصات لحرب تجارية بين الكيانين الأكبر اقتصادًا في العالم. وأثارت تلك الرسوم ارتدادات واسعة النطاق على الأسواق المالية العالمية، ومن بينها مصر، وسط تنامي الخوف من حرب تجارية واسعة مع الصين وارتفاع حالة عدم اليقين بسبب المخاوف من حصول ركود اقتصادي عالمي. ووسط هذه الصورة المشوهة، تبرز تساؤلات عدة حول انعكاس الرسوم على الاستثمارات الأجنبية المباشرة وعقد الصفقات، في الوقت الذي لوحظ فيه اضطرار بعض الشركات لإعادة تقييم استراتيجياتها ومراكزها المالية. كل تلك العناصر مجتمعة تضع صُنّاع الصفقات أمام عدد من التحديات، كما أنها تؤثر بصورة مباشرة على تقييمات الشركات محل الصفقات. فهل تتأثر الصفقات في السوق المصرية بتداعيات الحرب التجارية الأمريكية؟ إعادة تقييم من جانبه، يرى سيف عوني، العضو المنتدب لشركة إيليت للاستشارات المالية، أن سوق الصفقات سيواصل نشاطه خلال الفترة المقبلة، وإن كانت الوتيرة مرجّحًا أن تكون أبطأ من التوقعات نتيجة التذبذبات العالمية، إلا أن شهية المستثمرين ستظل قائمة. وأضاف أن الظروف الحالية ستدفع المستثمرين، بمختلف فئاتهم، إلى إعادة تقييم مراكزهم المالية، ومراجعة توجهاتهم الاستثمارية في ضوء المتغيرات العالمية. اقرأ أيضا: بى دبليو سى: مصر تسجل أعلى نمو في صفقات الدمج والاستحواذ بالشرق الأوسط خلال 2024 وأوضح «عوني» أن الطروحات الحكومية – طرح بعض الشركات في البورصة – لن تتوقف، لكن السوق سيكون أكثر انتقائية، ولن يكتب النجاح إلا للطروحات الواعدة التي تحظى بترويج جيد، وتقدم فرصًا استثمارية مغرية وتسعيرًا جذابًا. وأشار إلى أن أداء صناديق الاستثمار المباشر سيعتمد بشكل كبير على جودة السياسة الاستثمارية، وكفاءة الفريق القائم على إدارتها، وقدرته على اقتناص الفرص وتحقيق أعلى عائد للمستثمرين. نشاط بسوق الاستحواذ يرى ياسر عمارة، الرئيس التنفيذي لشركة إيجل للاستشارات المالية، أن مؤشرات سوق الصفقات في مصر مرشحة للتحسن خلال الفترة المقبلة، خاصةً في ظل عدم توازن المعايير التي فرضت بموجب الرسوم الجمركية الأمريكية. وأشار إلى أنه في حال استمرار التعريفات الجمركية لفترة طويلة، فإن ذلك سيدفع العديد من الشركات – بل وحتى الدول – إلى البحث عن مواقع بديلة لتصنيع منتجاتها خارج حدودها لتجنب الرسوم المرتفعة. وأكد أن هذا التوجه يُعزز من نشاط سوق صفقات الاستحواذ والاندماج في منطقة الشرق الأوسط، لا سيما في مصر، لما تتمتع به من بنية تحتية حديثة، وشبكة طرق متطورة تمتد في جميع أنحاء الجمهورية. كما أن المناطق الاقتصادية والصناعية التي أنشأتها الدولة خلال السنوات الخمس الماضية، وساهمت في تأهيلها للاستثمار، تعزز من فرص الاستحواذ والاستثمار المباشر في العديد من القطاعات المتنوعة التي يتميز بها الاقتصاد المصري. واستبعد «عمارة» تأخير تنفيذ برنامج الطروحات الحكومية، لافتًا إلى أن خطط الطرح – سواء من جانب الشركات الحكومية أو الخاصة – ستسهم في تسهيل وتسريع عمليات الاستحواذ من قِبل المستثمرين الأجانب والعرب. ويترقب السوق المصري تنفيذ عدد من الصفقات الحكومية، إلى جانب تنفيذ طروحات لعدد 10 شركات حكومية، من بينها 5 شركات تابعة لجهاز مشروعات الخدمة الوطنية، وهي: سايلو فودز، وصافي، ووطنية، وشيل أوت، بالإضافة إلى الوطنية للطرق. وضمت قائمة الطروحات أيضًا: بنك الإسكندرية، وبنك القاهرة، ومحطة رياح جبل الزيت، والأمل الشريف للبلاستيك، ومصر للصناعات الدوائية، وسيد للأدوية. وأكد الرئيس التنفيذي لشركة إيجل، أن الشركات المُرشّحة للطرح تمر بمرحلة إعداد دقيقة تشمل عروضًا تقديمية احترافية، وخطط عمل مستقبلية، ومستويات عالية من الشفافية، وهو ما توفره عملية القيد والطرح في البورصة. وتوقع أن تحقق صناديق الاستثمار المباشر أداءً قويًا خلال العام الجاري، مما يزيد من زخم صفقات الدمج والاستحواذ، نظرًا لتوافر العديد من الفرص الاستثمارية الواعدة. فرصة لمصر من جانبها، ترى مينوش عبدالمجيد، الرئيس التنفيذي لشركة ميزان للاستثمارات المالية، أن الحرب التجارية بين الولايات المتحدة والصين تسببت في ضغوط على الأسواق المالية العالمية، وأثرت على أداء البورصات، ودَفعت جزءًا من الاستثمارات الأجنبية إلى الخروج، إلا أنها تمثل في الوقت نفسه فرصة يمكن لمصر استغلالها. وأوضحت أن مصر تتمتع بمقومات تؤهلها لتكون مركزًا إقليميًا للأنشطة الإنتاجية، بفضل موقعها الجغرافي القريب من أوروبا، واتفاقياتها التجارية المتعددة، والعلاقات القوية مع الدول الأفريقية. وأضافت أن الطروحات في البورصة تتأثر بالتذبذبات العامة في الأسواق، لكن القرار النهائي لتوقيت الطرح يرجع إلى القائمين عليه، إذ تختلف ظروف كل حالة بحسب طبيعة الشركة والقطاع الذي تنتمي إليه. وفيما يخص صناديق الاستثمار المباشر، أشارت عبدالمجيد إلى أن تأثير التوترات الاقتصادية قد لا يكون بنفس الحدة التي شهدها عام 2024، خاصة بعد تحسن استقرار سعر الصرف، وتحسن النظرة المستقبلية للاقتصاد المصري بشكل عام. وعلى الرغم من إعلان الحكومة المصرية عن خطة طموح لطرح عدد من الشركات المملوكة للدولة في البورصة، إلا أن عام 2024 شهد نشاطًا محدودًا في مجال الطروحات الأولية، وهو ما أرجعته الرئيس التنفيذي لشركة ميزان للاستثمارات المالية، إلى عدة عوامل، منها التذبذبات في الأسواق المالية العالمية، وتحديات محلية تتعلق بالسياسات الاقتصادية وسعر الصرف. ومع ذلك، ترى أن الفترة الحالية فرصة لمراجعة الاستراتيجيات وتعزيز البيئة الاستثمارية، خاصة مع اهتمام المستثمرين بالأسواق الناشئة التي تقدم فرصًا واعدة للنمو والتوسع.