كيف يستمر الدولار العالمى؟

البورصة 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ

قد تكون أوروبا البديل الأوضح.. لكنها تعاني من سوق رأسمالي أكثر تفككاً

بينما يرى الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، أن أمريكا للأمريكيين فقط، فإن الدولار الأمريكي، على النقيض من ذلك، متاح للجميع.

فقد هدد ترامب عبر تغريدة على منصة “إكس” بأن مجموعة “بريكس” للاقتصادات الناشئة، إذا أنشأت عملة جديدة أو دعمت أية عملة أخرى لتحل محل الدولار الأمريكي القوي، فستواجه تعريفات جمركية بنسبة 100%.

لكن رئيس مجلس المستشارين الاقتصاديين لترامب، ستيفن ميران، يختلف مع هذا الرأي.

ففي كلمة ألقاها ميران، في معهد هدسون مطلع أبريل الماضي، قال إن الاستخدام العالمي للدولار “تسبب في تشوهات دائمة بأسعار العملات وأسهم، إلى جانب الحواجز التجارية غير العادلة التي تفرضها دول أخرى، في عجز تجاري غير مستدام”.

وميران ليس الاقتصادي الوحيد الذي يتبنى هذا الرأي من الفريق الداعم لشعار “لنجعل أمريكا عظيمة مجدداً” .

فقد كتب مايكل بيتس، الذي لا يعمل ضمن الإدارة لكنه مؤثر فيها، مقالاً في صحيفة “فاينانشيال تايمز” تحت عنوان: “الولايات المتحدة ستكون أفضل حالاً دون الدولار العالمي”.

فعادةً ما يؤدي الطلب العالمي على الدولار إلى رفع قيمته، حسب ما نقله موقع “بروجكت سنديكيت”.

ويعتقد ترامب، أن هذا أمر جيد، لأن الدول القوية يجب أن تملك عملات قوية. لكنه في المقابل، يحيط نفسه بمستشارين يرون أن قوة الدولار تضر بالصناعة الأمريكية وتدفع بالوظائف إلى الخارج. فمن المحق بين الطرفين؟

حين يستخدم الفلبينيون والماليزيون والسعوديون والنيجيريون والكولومبيون، والجميع بشكل عام ، الدولار في الادخار والاستثمار، فإنهم يعززون ما وصفه فاليري جيسكار ديستان، حين كان وزيراً للمالية في حكومة شارل ديجول، بـ”الامتياز الباهظ” للولايات المتحدة، وليس التكلفة الباهظة كما يرى ميران وبيتشس.

تقريباً كل حكومة تصدر عملتها الخاصة لتمويل نفقاتها، ويقبل السكان المحليون تبادل الأوراق النقدية مقابل السلع والخدمات. ويسمي الاقتصاديون هذا النظام الهش بـ”السك السيادي للعملة”.

لكن حين يفقد الناس ثقتهم في العملة المحلية ويحاولون التخلص منها، كما حصل في دول مثل الأرجنتين وفنزويلا والسودان وزيمبابوي، فإن أسعار السلع ترتفع بشكل جنوني.

تتميز الولايات المتحدة بكونها البلد الوحيد الذي يرغب الجميع في اقتناء عملته، ما يجعلها تجني عوائد “السك السيادي للعملة” من العالم أجمع.

ويقدر مجلس الاحتياطي الفيدرالي أن الأجانب يحتفظون بأكثر من تريليون دولار، أو ما يعادل 45% من إجمالي العملة المتداولة، ويُعد هذا مصدراً منخفض التكلفة لتمويل أمريكا.

تخيل أمريكياً في الخارج يدفع مقابل إقامة فندقية بالدولار، وبعد عام يستخدم صاحب الفندق الأجنبي تلك الدولارات لتمويل زيارته إلى أمريكا.

وإذا ارتفعت الأسعار الأمريكية خلال تلك الفترة، فهذا يعادل حصول الأمريكيين على قرض بفائدة سالبة من بقية العالم.

ليس هذا هو الطريق الوحيد الذي تحصل من خلاله الولايات المتحدة على تمويل رخيص. فالسندات الأمريكية، وخصوصا أذون الخزانة التي تصدرها الحكومة الأمريكية، تُستخدم كضمان في المعاملات المالية حول العالم.

ونتيجة لهذه الميزة، يقبل الأجانب شراء أذون الخزانة الأمريكية حتى وإن كان عائدها أقل من السندات الحكومية الأخرى ذات المخاطر والمُدد المماثلة، وهي الفجوة التي يصفها الاقتصاديون بـ”عوائد الراحة”.

وبحلول نهاية عام 2024، كان الأجانب يمتلكون نحو 8.6 تريليون دولار من الدين الفيدرالي الأمريكي.

وإذا كان استخدام أذون الخزانة كضمان يخفض سعر الفائدة عليها بنحو 0.5% مقارنة بما كانت ستبلغه في ظروف أخرى، فإن الأمريكيين يوفرون بذلك 43 مليار دولار سنوياً.

وأكثر من ذلك، إذا تسببت عوائد الراحة في خفض الفائدة على تلك الأذون دون معدل النمو الاقتصادي، فإن الولايات المتحدة تستفيد من ميزة مجانية، إذ يمكنها إصدار ديون حكومية دون الحاجة إلى سدادها بالكامل مستقبلاً.

وفي خطابه بمعهد هدسون، أقر ميران بأن “الطلب على الدولار ساعد في إبقاء معدلات الاقتراض منخفضة”، لكنه تجاهل هذه الحقيقة المحورية في باقي حديثه.

كما أنه لم يتطرق إلى ميزة أخرى للدولار العالمي، فعندما تواجه الولايات المتحدة أزمات، مثلما حدث بعد حرب فيتنام، أو في الأسابيع المضطربة بعد إعلان ترامب في 2 أبريل عن حرب جمركية، فإن قيمة الدولار تنخفض، وكذلك عبء الديون الدولارية المستحقة على الولايات المتحدة تجاه بقية العالم.

بينما الدول الأخرى التي تقترض بعملاتها المحلية، تضطر لدفع فائدة تغطي مخاطر انخفاض قيمة تلك العملات.

أما الولايات المتحدة، فلا تواجه هذا القيد.

فهل تُعد مكاسب أمريكا خسارة لبقية دول العالم؟

ليس تماماً، إذ يستفيد سكان العالم من وجود أصول آمنة مقومة بالدولار للاستخدام في الادخار والاستثمار، وليس هناك اقتصاد آخر حالياً يمكنه تقديم هذه الخدمة بنفس الكفاءة.

وقد تكون أوروبا البديل الأوضح، لكنها تعاني من سوق رأسمالي أكثر تفككاً مقارنة بالولايات المتحدة، خصوصاً أن الاتحاد الأوروبي (على عكس الدول الأعضاء فرادى) لم يبدأ بإصدار أدوات دين موحدة إلا مؤخراً.

أما الصين، ورغم ضخامتها الاقتصادية، فإن نظامها السياسي السلطوي والقيود الواسعة على حركة رؤوس الأموال، يمنعان العالم من التهافت على الأصول المقومة بالرنمينبي.

ويُعد الدولار عملة عالمية لأن السياسات الأمريكية ومؤسساتها، تاريخياً، كانت أكثر موثوقية من نظيراتها في أغلب دول العالم.

وإذا كان الاقتصاديون المؤيدون لشعار “لنجعل أمريكا عظيمة مجدداً” يرون في ذلك مشكلة، فإن زعيمهم لديه الحل الجاهز، عبر فرض تعريفات جمركية تنتهك المعاهدات الدولية، والتلميح باجتياح دول حليفة مثل كندا والدنمارك (من أجل السيطرة على جرينلاند)، وتجاهل أحكام القضاء، وتهديده بالسعي لولاية ثالثة محظورة دستورياً، فإن ترامب يحول الولايات المتحدة إلى نسخة من الدول الضعيفة ذات العملات المتدهورة والتضخم المرتفع.

وكان رد فعل الأسواق العالمية على تعريفات ترامب التي أطلقها في “يوم التحرير” واضحاً، إذ تراجع الدولار بنسبة تقارب 7% مقابل اليورو، فيما ارتفع العائد على سندات الخزانة لأجل 10 سنوات بنحو نصف نقطة مئوية.

كما تراجعت عملات الدول الناشئة والنامية، لأن ارتفاع الرسوم الجمركية وتباطؤ الاقتصاد العالمي يضعفان آفاق نموها.

ليس من السهل وضع سياسة تضر بالجميع تقريبًا، لكن خبراء الاقتصاد المؤيدين لشعار “لنجعل أمريكا عظيمة مجددًا” نجحوا في هذا الإنجاز.

إذا انهار الدولار العالمي نتيجةً لذلك، فسيكون له كثير من المعزين حول العالم.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق