استهدفت ضربة نفذتها قوات الدعم السريع، الأحد، بواسطة طائرات مسيّرة، مطار بورتسودان على ساحل البحر الأحمر، في أول هجوم من نوعه منذ بداية الحرب. وتُعدّ المدينة المقر الحالي للحكومة السودانية الموالية للجيش، في ظل تصعيد متواصل تشنه “الدعم السريع” ضد مواقع الجيش في الأسابيع الأخيرة.
وأفاد متحدث باسم الدعم السريع في بيان، بأن “الضربة استهدفت هذا الصباح قاعدة عثمان دقنة الجوية، ومستودعًا للبضائع، وبعض المنشآت المدنية بمدينة بورتسودان، بعدد من الطائرات المسيّرة الانتحارية”، متسببةً بـ”أضرار محدودة” دون تسجيل إصابات.
وتزايد اعتماد “الدعم السريع” في الآونة الأخيرة على المسيّرات والمدفعية البعيدة المدى، بعدما خسرت مواقع عسكرية في الخرطوم ووسط البلاد. وأكّد المتحدث باسم الجيش السوداني إسقاط عدد من المسيّرات في سماء بورتسودان عبر المضادات الأرضية.
وفي ولاية كسلا، الواقعة على بُعد 500 كيلومتر جنوب بورتسودان، بالقرب من الحدود مع إريتريا، استهدفت مسيّرات مطار المدينة الأحد، وذلك لليوم الثاني على التوالي.
وذكرت مصادر إعلامية في بورتسودان أن دوي انفجارات سُمِع في محيط المطار صباح الأحد، من مناطق تبعد نحو 20 كيلومترًا، حيث شعر السكان باهتزازات ناجمة عن الهجوم. كما تداول شهود على وسائل التواصل الاجتماعي مقاطع مصورة تُظهر انفجارًا ضخمًا وتصاعد سحب كثيفة من الدخان.
ونقل مصدر حكومي لوكالة “فرانس برس” أن السلطات قررت تعليق الرحلات الجوية من وإلى مطار بورتسودان، وهو المنفذ الجوي الرئيسي للبلاد منذ اندلاع الحرب، حتى إشعار آخر.
يُشار إلى أن الحكومة السودانية كانت قد انتقلت إلى بورتسودان في الأيام الأولى من الحرب بعد سيطرة الدعم السريع على العاصمة الخرطوم في هجوم مباغت. ومنذ ذلك الحين، أصبحت المدينة ملاذًا لآلاف النازحين وموظفي الأمم المتحدة ووكالات الإغاثة، وبقيت بعيدة عن العمليات القتالية طوال العامين الماضيين.
ويشهد السودان، ثالث أكبر دولة إفريقية من حيث المساحة، حربًا مدمّرة منذ نيسان/أبريل 2023، نتيجة صراع على السلطة بين قائد الجيش عبد الفتاح البرهان، الحاكم الفعلي للبلاد منذ انقلاب 2021، ونائبه السابق وقائد قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو.
وقد أسفرت هذه الحرب عن مقتل عشرات الآلاف، وتشريد نحو 13 مليون شخص، بينما تواجه مناطق عدة خطر المجاعة، وسط ما تصفه الأمم المتحدة بـ”أسوأ أزمة إنسانية في العالم”.
يسيطر الجيش على شمال وشرق ووسط البلاد، فيما تسيطر “الدعم السريع” على معظم إقليم دارفور في الغرب ومناطق في الجنوب. وتفتقر الأخيرة إلى سلاح جوي نظامي، ما دفعها للاعتماد على المسيّرات، سواء بدائية الصنع أو تلك المتطورة تقنيًا.
ويرى الباحث في شؤون السودان، حامد خلف الله، أن فقدان الخرطوم كان بمثابة “خسارة استراتيجية” لـ”الدعم السريع”، ما دفعها لتغيير تكتيكاتها، والاعتماد على المسيّرات لخلق حالة من الترهيب وعدم الاستقرار في مدن مثل بورتسودان، دون أن يكون ذلك كافيًا لبسط سيطرة فعلية على الأرض، نظرًا للتفوق الجوي للجيش.
ووفقًا لتحليل بالأقمار الاصطناعية أجراه “مختبر الأبحاث الإنسانية” بجامعة ييل الأميركية، تم رصد ست مسيّرات في مطار نيالا الخاضع لسيطرة الدعم السريع في دارفور. وأشار تقرير صادر عن المعهد في نهاية نيسان/أبريل إلى أن المسيّرات الصينية الصنع “قد تكون قادرة على تنفيذ هجمات ومهام مراقبة بعيدة المدى”.
وتأتي هجمات الأحد ضمن سلسلة ضربات بعيدة المدى تنفذها قوات الدعم السريع ضد أهداف عسكرية ومدنية داخل مناطق سيطرة الجيش. وتتهم الحكومة السودانية، إلى جانب خبراء أمميين وواشنطن ومنظمات دولية، دولة الإمارات بتزويد الدعم السريع بالسلاح، وهي اتهامات تنفيها أبو ظبي.
بدورها، استنكرت المملكة العربية السعودية، التي سبق أن رعت محادثات هدنة بين الطرفين، “استهداف المرافق الحيوية والبنية التحتية”، ووصفت في بيان صادر عن وزارة خارجيتها الهجمات بأنها “تهديد للاستقرار الإقليمي والأمن الوطني العربي والأفريقي”.
وفي السياق نفسه، صرّح خبير عسكري لفرانس برس أن “استهداف مطاري بورتسودان وكسلا يهدف إلى إرسال رسالة بأن الدعم السريع قادر على ضرب أي موقع داخل البلاد، وأنه لا وجود لمنطقة آمنة”. وأوضح أن من بين أهداف الهجوم “وقف الملاحة الجوية، واستهداف مخازن السلاح في قاعدة عثمان دقنة، ما قد يؤثر على الإمدادات العسكرية للجيش”.
وكانت مسيّرة تابعة لـ”الدعم السريع” قد استهدفت، الخميس، قاعدة للجيش في مدينة كوستي جنوب البلاد، قرب الحدود مع جنوب السودان. كما استهدفت هجوم مماثل مدينة عطبرة في نهاية نيسان/أبريل، متسببًا في انقطاع طويل للكهرباء عن مدن عدة من بينها بورتسودان.
المصدر: أ ف ب
0 تعليق