في ظل تصاعد أنشطة التنظيمات الإرهابية بمنطقة الساحل والصحراء، ووسط قلق متزايد من التهديدات المحدقة بأمن واستقرار دول شمال وغرب إفريقيا، تعالت أصوات داخل الكونغرس الأمريكي تدعو الإدارة الأمريكية إلى اتخاذ خطوات عملية تُجسِّد دعم واشنطن لوحدة التراب المغربي، عبر تصنيف جبهة "البوليساريو" الانفصالية كتنظيم إرهابي. ووفق معطيات متقاطعة، فإن هذه الدعوات باتت تحظى بدينامية قوية داخل أروقة السياسة الأمريكية، خاصة بعد الكشف عن علاقات مشبوهة تربط "البوليساريو" بجماعات متطرفة تنشط في الساحل، إلى جانب تقارير استخباراتية تفيد بتنسيق عملياتي بينها وبين مليشيات مدعومة من إيران كـ"حزب الله". هذا المنحى التصعيدي تقوده شخصيات وازنة داخل الكونغرس، من أبرزها النائب الجمهوري "جو ويلسون"، عضو لجنة العلاقات الخارجية، الذي عبّر عن التزام بلاده الثابت بدعم السيادة المغربية خلال لقاء جمعه مؤخراً بوزير الخارجية المغربي ناصر بوريطة، مشدداً على أهمية تحصين الشراكة الاستراتيجية بين واشنطن والرباط في مواجهة تهديدات "البوليساريو" التي وصفها بـ"الإرهابية". من الانفصال إلى الإرهاب: التحول النوعي في الخطاب الأمريكي مراقبون يرون في هذه التصريحات تحوّلاً نوعياً في تعاطي الولايات المتحدة مع قضية الصحراء المغربية، حيث لم تعد المقاربة تنحصر في دعم الحل السياسي القائم على الحكم الذاتي، بل بدأت تُقارب خطر "البوليساريو" من زاوية أمنية بحتة، خاصة مع تورط عناصر منها في عمليات مشبوهة عبر الحدود. وفي هذا السياق، أصبح تصنيف الجبهة كتنظيم إرهابي خياراً مطروحاً بقوة داخل الإدارة الأمريكية، وإن لم يُعلن بعد رسمياً، إذ تشير المعطيات إلى أن هذا التوجه يحظى بتأييد عدد من صانعي القرار في وزارة الخارجية ومجلس الأمن القومي. المعسكر الانفصالي يهتزّ.. احتجاجات داخل مخيمات تندوف بعد مجزرة جديدة في موازاة هذه التطورات السياسية، تعرف مخيمات تندوف فوق التراب الجزائري حالة غير مسبوقة من الغليان الشعبي، بعد مقتل مدنيين صحراويين وإصابة آخرين بجروح خطيرة إثر إطلاق النار عليهم من طرف وحدة تابعة للجيش الجزائري بمنطقة "أركوب" بمخيم الداخلة. هذه الأحداث الدموية فجّرت موجة احتجاجات عارمة داخل المخيمات، وسط اتهامات مباشرة لقيادة "البوليساريو" بالتواطؤ والصمت، حيث اعتبرها السكان جسماً "تابعاً" لا يمتلك القرار ولا الإرادة في الدفاع عن من يدّعي تمثيلهم. تصاعد الأصوات المنادية بالالتحاق بالمغرب وتناقلت مصادر حقوقية صحراوية تسجيلات صوتية من داخل المخيمات تُظهر تصاعد شعارات غير مسبوقة تطالب بالعودة إلى الوطن الأم، والموافقة على مقترح الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية، كسبيل وحيد لإنهاء عقود من المعاناة والتهميش في ظل نظام أمني مغلق ومحكوم بالعسكرة. جمعيات حقوقية كـ"التحالف الصحراوي للمنظمات غير الحكومية" و"جمعية الدفاع عن حقوق الإنسان" أدانت بقوة ما وصفته بـ"الجريمة المروعة" المرتكبة من طرف الجيش الجزائري، مطالبة بتحقيق دولي مستقل تحت إشراف أممي، وبتدخل فوري لحماية المدنيين المحاصرين خلف الأسلاك. هل يقترب القرار الأمريكي الحاسم؟ ورغم أن تصنيف "البوليساريو" تنظيماً إرهابياً يحتاج إلى مسار قانوني معقد، فإن تراكم المعطيات الاستخباراتية، مقروناً بضغط سياسي وإعلامي متنامٍ داخل أمريكا، قد يُسرّع هذا المسار ويمنحه غطاءً قانونياً قوياً. قرار كهذا، إذا ما تم اتخاذه، ستكون له تداعيات عميقة على التوازنات الجيوسياسية بالمنطقة، إذ سيُجبر الجزائر، الداعم الرئيسي لـ"البوليساريو"، على مراجعة استراتيجيتها، ويُكرس المغرب كفاعل محوري في ضمان الأمن الإقليمي، ويمنح مبادرة الحكم الذاتي زخماً غير مسبوق على الساحة الدولية.