في سياق إقليمي يتسم بتغير موازين القوى وتنامي الدينامية التنموية في الأقاليم الجنوبية للمملكة، كشفت فرنسا عن خطوة جديدة تعزز من حضورها الإداري والاقتصادي بالصحراء المغربية، وذلك بافتتاح مركز جديد لتلقي طلبات التأشيرات بمدينة العيون، في مبادرة تحمل أكثر من دلالة سيادية وسياسية. ويأتي القرار الفرنسي، الذي تمثل في افتتاح مركز "TLS Contact"، تتويجا لمسار من المواقف التصاعدية التي تبنتها باريس تجاه ملف الصحراء، حيث لم يعد الأمر مقتصرا على دعم مبطن أو لغوي لمخطط الحكم الذاتي، بل بات يأخذ طابعا عمليا ملموسا يعكس اعترافا ضمنيا بمغربية الصحراء، وبالواقع السياسي والمؤسساتي الذي ترسخه المملكة في هذه الربوع. وتندرج هذه الخطوة ضمن سياق سياسي واضح، أكدته الرسالة الرسمية التي بعث بها الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى الملك محمد السادس في 30 يوليوز 2024، والتي قال فيها بصريح العبارة إن "حاضر ومستقبل الصحراء الغربية يندرجان في إطار السيادة المغربية"، وهو تصريح غير مسبوق من رئيس فرنسي، شكل تحولا بارزا في الخطاب الرسمي لباريس، وأعاد تموقع فرنسا إلى جانب الدول التي اتخذت مواقف واضحة في دعم مبادرة الحكم الذاتي كحل وحيد واقعي وذي مصداقية للنزاع الإقليمي المفتعل حول الصحراء. ولا يمكن فصل افتتاح مركز التأشيرات بمدينة العيون عن هذا السياق، حيث أنه يعكس إرادة فرنسية لمواكبة التحول الكبير الذي تعرفه الصحراء المغربية على المستوى التنموي والاستثماري، كما يعبر عن قناعة باريس باستقرار الأوضاع في المنطقة، وملاءمتها لاحتضان مشاريع إدارية واقتصادية ذات بعد استراتيجي. ويترجم اختيار فرنسا، بثقلها الدبلوماسي والاقتصادي، أن تضع قدما إدارية في عمق الصحراء، على أنها لم تعد تتعامل مع هذه المنطقة من منطق الترقب أو التحفظ، بل من منطلق الشراكة والانخراط في الدينامية التي تقودها المملكة بقيادة الملك محمد السادس. وينظر إلى هذه المبادرة كذلك باعتبارها جزءا من مقاربة جديدة تعتمدها باريس لإعادة تموقعها في شمال إفريقيا ومنطقة الساحل، في ظل ما يشهده المحيط الإقليمي من تحولات وتحديات أمنية واقتصادية، كما أنها تعكس استعداد فرنسا للمضي قدما في دعم جهود الأمم المتحدة من داخل منظور واقعي يأخذ بعين الاعتبار التغيرات الجيوسياسية، ويبتعد عن الطروحات البالية التي لم تعد تجد لها صدى على المستوى الدولي، والتي تتبنها أطراف معادية للمملكة. وتعتبر هذه الخطوة الفرنسية رسالة ذات بعد سياسي واستراتيجي، تعزز الموقف المغربي وتمنحه دعما صريحا من أحد أبرز شركائه التقليديين، وهي أيضا تعبير عن إيمان باريس بأن مستقبل المنطقة يرتبط ارتباطا وثيقا بالمبادرات المغربية الجادة، وعلى رأسها مخطط الحكم الذاتي، الذي أثبت الزمن صدقيته وواقعيته ووجاهته كحل نهائي لهذا النزاع المفتعل.