قبل أيام، أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، تعليق الرسوم الجمركية الشاملة 90 يوماً ، وهي الرسوم التي فرضها على جميع الشركاء التجاريين الرئيسيين للولايات المتحدة .
وساد ارتياح فوري في “وول ستريت”، بعد تراجع “ترامب” عن سياسة كانت تهدد بإرباك منظومة التجارة العالمية.
لكن في الوقت نفسه، عزز الرئيس الأمريكي، الرسوم الجمركية المفروضة على الصين، ورفعها إلى 125%، وهو ما يشير إلى مضيه قدماً في حربه التجارية مع ثاني أكبر اقتصاد في العالم.
ويُعد هذا التجميد فيما يُعرف بـ”نظام الرسوم الجمركية المتبادلة” الذي أعلنه “ترامب” هو الأحدث ضمن سلسلة من التراجعات والانقلابات التي شهدتها سياسات التجارة الأمريكية منذ تنصيبه في يناير، حسبما أوضحته صحيفة “فاينانشيال تايمز” البريطانية.
لماذا أوقف ترامب الرسوم الجمركية؟
أدت شمولية وحجم الرسوم الجمركية الأمريكية المفروضة على الشركاء التجاريين الرئيسيين، إلى موجة بيع عالمية في أسواق الأسهم، وأثارت انتقادات نادرة لترامب من نواب الحزب الجمهوري في الكابيتول هيل.
كما شن عدد من كبار الممولين هجمات لاذعة ضد الرسوم، بمن فيهم بعض من أبرز داعمي الحزب الجمهوري.
وفي شرحه لقراره الأخير، أشار “ترامب” إلى حالة الفوضى في الأسواق العالمية والتي امتدت لتشمل بيع سندات الخزانة الأمريكية، قائلاً إن “الناس بدأوا يشعرون بالقلق”.
أضاف خلال حديثه للصحفيين، أنه “يجب أن تكون هناك مرونة”.
وجاء قرار “ترامب” بينما كان كبير مفاوضيه التجاريين، جيميسون جرير، يُدلي بشهادته أمام المشرعين في “الكابيتول هيل”.
وصاح النائب الديمقراطي عن ولاية نيفادا، ستيفن هورسفورد، في وجه جرير قائلاً: “من المسؤول هنا؟”، فرد جرير: “رئيس الولايات المتحدة هو المسؤول”.
ما الرسوم الجمركية التي لا تزال قائمة؟
فرضت الولايات المتحدة حالياً رسماً جمركياً أساسياً بنسبة 10% على الواردات من جميع الدول، بما فيها دول الاتحاد الأوروبي، مع استثناءات تشمل الرقائق الإلكترونية والنحاس والأخشاب والأدوية والمعادن الثمينة والطاقة والمعادن غير الموجودة في الأراضي الأمريكية.
كما تجنبت السيارات وقطع غيارها هذه الضريبة الأساسية، لكنها لا تزال خاضعة لرسوم منفصلة بنسبة 25% كان “ترامب” فرضها الشهر الماضي.
وفي حين أن كندا والمكسيك تفاديتا الأسوأ من نظام الرسوم الجمركية المتبادلة، فقد فرضت واشنطن الشهر الماضي رسوماً بنسبة 25% على كل الواردات القادمة من الدولتين الجارتين اللتان لا تلتزمان بشروط اتفاقية التجارة الحرة الأمريكية الموقعة عام 2020.
وأكد البيت الأبيض الأربعاء الماضي، أن الرسوم البالغة 25% ستظل سارية المفعول. كما ستبقى الرسوم الجمركية المفروضة بنسبة 25% على جميع واردات الصلب والألمنيوم إلى الولايات المتحدة، وتستمر التحقيقات التي قد تؤدي إلى فرض رسوم إضافية على النحاس والأخشاب.
وقد يُقدم “ترامب” أيضاً على تنفيذ تعهداته بفرض رسوم جمركية على الرقائق والأدوية.
هل تعود الرسوم “المتبادلة” مجدداً؟
قال ترامب إن أكثر من 70 دولة تصطف الآن لعقد اتفاقيات تجارية مع واشنطن.
ولتفادي عودة هذه الرسوم خلال 90 يوماً، سيسعى البيت الأبيض إلى تسريع التوصل لاتفاقيات تتعلق بالرسوم “المتبادلة” المعلقة، خصوصاً مع دول صناعية منها اليابان وكوريا الجنوبية وفيتنام وكمبوديا.
وقالت المسؤولة السابقة في وزارة التجارة البريطانية، آلي رينيسون، وتعمل حالياً في شركة الاستشارات “سي إي سي نيوجيت”، إن إدارة هذا العدد من المفاوضات المتزامنة يُعد تحدياً كبيراً، مرجحة أن تتجه الإدارة الأمريكية إلى تعديل المسار من فرض رسوم شاملة إلى رسوم قطاعية محددة واستثناءات على منتجات بعينها.
وأضافت أن “ترامب قد يتحول من فرض رسوم شاملة حسب كل دولة إلى نظام رسوم محددة حسب نوع المنتج، وهو ما سيكون أكثر قابلية للإدارة من جانب المصنعين، كما يمكن أن يستهدف الحواجز التجارية غير العادلة لمنتجات معينة”.
لماذا لم يُخفّض ترامب الرسوم على الصين؟
رغم تخفيضه الرسوم على دول أخرى، رفع “ترامب”، الرسوم على الصين من 104% إلى 125%. وجاء هذا التصعيد بعد أن فرضت بكين رسوماً جمركية انتقامية على الولايات المتحدة في وقت سابق من اليوم نفسه، رداً على زيادة أمريكية سابقة.
وقال وزير الخزانة الأمريكي، سكوت بيسنت، إن الصين تتحمل مسؤولية هذه الإجراءات الانتقامية، مضيفاً: “كما قلت قبل أسبوع في هذا المكان تحديداً: لا تردّوا، وستتم مكافأتكم”.
وفي حين توجهت دول عدة إلى البيت الأبيض لإجراء محادثات تجارية، لم تُجرِ الصين والولايات المتحدة أي مفاوضات حتى الآن.
وأشار ترامب، إلى أنه لا يتوقع زيادات إضافية في الرسوم المفروضة على الصين، معرباً عن اعتقاده بإمكانية التوصل إلى اتفاق في وقت لاحق.
لكن بكين أبلغت إدارة ترامب بأنها تعتبر هذه الرسوم أسلوب “تنمر” ولن ترضخ لها.
ورغم تلميح ترامب، إلى أن الرئيس الصيني شي جين بينج قد يوافق على التحدث معه في مرحلة ما، فإنه من غير المرجح أن يوافق شي على إجراء مكالمة، فضلاً عن لقاء، قبل أن يتفق المسؤولون على خطوط عامة لاتفاق يجعل المفاوضات أكثر قابلية للتنفيذ سياسياً بالنسبة للرئيس الصيني في الداخل.
هل انتهت الحرب التجارية العالمية؟
يحذر اقتصاديون من أن الاضطراب الناتج عن النهج العدائي الذي يتبعه ترامب في ملف الرسوم الجمركية قد يتسبب في آثار سلبية طويلة المدى، نتيجة عدم اليقين وانعدام الثقة الذي يخيم على العلاقات التجارية الأمريكية.
وقال نيكولو تامبيري، من مركز سياسات التجارة الشاملة في جامعة ساسكس البريطانية، إن الغموض يدفع الشركات لتأجيل قرارات الاستثمار، إذ تعتمد على سياسة “الانتظار والترقب” قبل تعديل سلاسل الإمداد.
وأضاف: “تشير الدراسات إلى أن تأثيرات عدم اليقين قد تكون سيئة بقدر تأثير الرسوم الجمركية نفسها، ولدينا هنا قدر هائل من الغموض.. لذا، حتى وإن أبرم ترامب صفقات لتفادي آثار الرسوم اليوم، فقد يغيّر رأيه غداً”.
وقد يعتمد المستثمرون في الأسواق المالية أيضاً نهج الانتظار قبل الاعتقاد بأن العاصفة قد مرت.
وحذر رئيس استراتيجية الاستثمار لدى “سانتاندر يو إس كابيتال ماركتس”، ستيفن أبراهامز، من أنه في غياب وضوح أكبر، قد يفضل المستثمرون التريث خلال الـ90 يوماً المقبلة بدلاً من العودة إلى السوق.
وقال: “شهدنا بالفعل ما يمكن تسميته بيوم التحرير الأول. ولكن من دون وضوح، قد يغامر البعض بالاستثمار، رغم احتمال حدوث يوم تحرير ثانٍ، لكن كثيرين لن يفعلوا”.
0 تعليق