حذر وزيرا المالية في إيطاليا وإسبانيا من الرد التصعيدي على الرسوم الجمركية التي فرضها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، مما يبرز الانقسامات داخل الاتحاد الأوروبي بشأن كيفية التعامل مع التدابير الأمريكية الأخيرة.
دعا وزير المالية الإيطالي جيانكارلو جيورجيتي إلى التزام الهدوء، بينما حذر نظيره الإسباني كارلوس كوربو، الذي يشرف أيضاً على التجارة في الحكومة الإسبانية، من تصعيد يؤدي إلى ما وصفه بـ”خسارة لجميع الأطراف”، في تصريحات تُبرز التباين مع سعي فرنسا وألمانيا إلى رد أكثر صرامة.
قال جورجيتي، خلال مؤتمر عُقد في سيرنوبيو، قرب بحيرة كومو: “لا ينبغي أن نضغط على زر الذعر. علينا أن نتحلى بالهدوء، ونقيم الأثر، ونتجنب الانجرار إلى سياسة الرسوم الجمركية الانتقامية التي ستضر بالجميع، وخصوصاً بنا نحن”.
تنسجم هذه الدعوات مع تصريحات أدلت بها رئيسة الوزراء الإيطالية جورجا ميلوني قبل أيام، وصفت فيها قرار ترامب بفرض رسوم جمركية على الاتحاد الأوروبي بأنه “خاطئ”، لكنها حذرت في الوقت ذاته من الرد بالمثل، مشيرة إلى أن لذلك تداعيات وخيمة على اقتصادات أوروبا.
الدعوة للحوار لا المواجهة
من جهته، قال كوربو في المؤتمر ذاته يوم السبت إن الاتحاد الأوروبي محق في سعيه لإبرام اتفاق يحافظ على ما وصفه بأنه أقوى علاقة اقتصادية وتجارية في العالم، مشيراً إلى موجة بيع الأسهم التي أعقبت إعلان البيت الأبيض يوم الأربعاء عن الرسوم الجمركية.
وأضاف الوزير الإسباني: “ما زلنا ندعو إلى حل تفاوضي. فزيادة الرسوم الجمركية وتعزيز السياسات الحمائية هو سباق خاسر لجميع الأطراف. ويكفي أن ننظر إلى رد فعل الأسواق خلال اليومين الماضيين، والذي أعتقد أنه يؤكد صحة هذا الرأي”.
جاءت تصريحات كل من كوربو وجورجيتي قبل أسبوع يُتوقع أن تهيمن فيه قضايا التجارة الدولية على جدول أعمال اجتماعات وزراء التجارة ووزراء المالية في الاتحاد الأوروبي، كل في اجتماعه المنفصل.
في المقابل، أبدى كبار المسؤولين في أكبر اقتصادين في منطقة اليورو مواقف أكثر تشدداً خلال الأيام الأخيرة.
فالرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، رغم تأكيده على ضرورة الحل التفاوضي، لا يستبعد الرد عبر استهداف قطاعات مثل التكنولوجيا والخدمات الأميركية، إذا اقتضت الضرورة، وفقاً لأشخاص مطلعين على موقفه.
أما نائب المستشار الألماني المنتهية ولايته، روبرت هابيك، فقد شبه الرسوم الجمركية التي فرضها ترمب بالحرب العدوانية على أوكرانيا، قائلاً إن “حجم الرد وصرامته يجب أن يكونا متناسبين مع حجم التهديد”.
بدوره، أشار فابريزيو باغاني، المستشار السابق لرئيس الوزراء الإيطالي ووزارة الخزانة، والذي حضر مداخلات كل من جورجيتي وكوربو، إلى أن أي حوار تجاري لا بد أن يتم انطلاقاً من قناعة أن الرد الانتقامي يجب ألا يُستبعد كلياً.
وأضاف باغاني، وهو حالياً شريك في شركة “فيتالي آند كو” (Vitale & Co): “يجب أن ندخل مفاوضات مع الولايات المتحدة بحسن نية، لكن مع امتلاك مجموعة موثوقة من التدابير المضادة الواضحة، والتي يمكن تفعيلها على سبيل المثال في القطاعات المالية والرقمية، حيث تتمتع الولايات المتحدة بفائض تجاري كبير”.
وتابع قائلاً: “ببساطة، نحتاج إلى سلاح قوي يساعدنا على التوصل إلى نتيجة جيدة”.
قواعد التجارة الدولية
حذر جيورجيتي الحضور من أن تدابير ترمب بشأن ملف التجارة ليست سوى البداية لهجوم ممتد على قواعد التجارة الدولية.
وقال إن “الإدارة الأميركية تسعى لإعادة فتح النقاش حول مسألة الضرائب على الشركات الأميركية في الدول الأخرى على أسس مختلفة. هذا ليس بالأمر الهين، وسيكون مطروحاً أمامنا خلال أسابيع قليلة”.
جاءت تصريحات جيورجيتي بعد ساعات من إعلان وكالة التصنيف الائتماني “فيتش” الإبقاء على نظرتها المستقبلية الإيجابية لإيطاليا. يُعتبر ذلك بمثابة تصويت بالثقة على أداء حكومة ميلوني وسعيها للامتثال لسقف العجز الأوروبي البالغ 3%، رغم التحديات التجارية والضغوط لزيادة الإنفاق الدفاعي.
وقال جيورجيتي إن “الدين العام ومحدودية الحيز المالي في بلدنا هي حقائق لا يمكن إنكارها وتمثل قيوداً.
وهذه القيود، الناتجة عن ديون ضخمة تراكمت في الماضي، لا يمكن التغاضي عنها، ولن يتم التغاضي عنها”.
واستشهد بتقرير “فيتش” بوصفه “شهادة على جهود الحكومة” في ضبط وتيرة الاقتراض، الذي يتجاوز حالياً 130% من الناتج المحلي الإجمالي. وأشارت الوكالة إلى أن تقييمها يميل نحو ترقية محتملة للتصنيف الحالي عند “بي بي بي” (BBB)، والذي لا يبعد سوى درجتين عن مستوى التصنيف عالى الخطورة.
0 تعليق