هل تسعى إدارة ترامب إلى ركود جديد في الاقتصاد الأمريكي؟

البورصة 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ

في الوقت الذي تتزايد فيه احتمالات حدوث ركود اقتصادي في الولايات المتحدة، إلا أن ارتفاع هذه المخاطر لا يعني بالضرورة أن البلاد على وشك الدخول في أزمة اقتصادية عميقة ومحتومة.

مع ذلك، لم تمنع هذه المؤشرات الأسواق من الاضطراب، ولا من اهتزاز ثقة المستهلكين والشركات، خاصة بعد تصريحات الرئيس دونالد ترامب التي لم يستبعد فيها احتمال حدوث ركود اقتصادي، إضافة إلى ما لمح إليه عدد من وزراء حكومته بشأن دخول البلاد في فترة “تعافي اقتصادي”، مدافعين عن سياسات إدارته الجذرية، من فرض رسوم جمركية مرتفعة، وترحيل جماعي للمهاجرين، إلى تقليص كبير في عدد العاملين والإنفاق الحكومي، باعتبارها خطوات “جديرة بالاهتمام” حتى لو أدت إلى ركود اقتصادي.

لكن الأبحاث تُظهر أن الركود يمكن أن يُخلف عواقب سلبية عميقة على الأفراد والشركات والمجتمعات، وهي ليست فقط طويلة الأمد، بل قد تكون في بعض الأحيان غير قابلة للتغيير، بحسب ما نقلته شبكة “سي إن إن” الإخبارية.

“ماذا نجني من فترات الركود؟ نعاني من بطالة، وانخفاض في الدخل، وتعثر في سداد الديون، وزيادة في تعاطي الكحول والمخدرات ومشكلات نفسية”، هكذا قال جون هارفي، أستاذ الاقتصاد في جامعة “تكساس كريستيان” في مقابلة مع شبكة “سي إن إن”.

ورغم أن كل ركود اقتصادي يختلف عن غيره، إلا أن هناك سمات مشتركة بينها، بحسب صندوق النقد الدولي، ومنها: انخفاض في الناتج الاقتصادي، وتراجع في معدلات الاستهلاك والنشاط التجاري، وزيادة معدلات البطالة، وتراجع في قيم العقارات والأسهم، واضطرابات في الأسواق المالية، وتباطؤ في معدلات التضخم نتيجة انخفاض الطلب.

الأكثر فقراً هم الأكثر تضرراً

وبحسب إليز جولد، كبيرة الاقتصاديين في “معهد السياسة الاقتصادية”، فإن تأثير الركود الاقتصادي لا يتوزع بالتساوي، إذ يعاني الأشخاص ذوو الدخل المنخفض بشكل أكبر، وتتسع الفجوات الاجتماعية القائمة.

وقالت جولد: “عادةً ما يكون العمال الأكثر تهميشاً تاريخياً هم الأكثر تضرراً في سوق العمل خلال فترات الركود، ويواجهون معدلات بطالة أعلى بكثير.. الشباب أيضاً يتأثرون بشكل كبير، فهم أول من يُوظف، وأول من يُسرح”.

قال هانز شواندت، أستاذ الاقتصاد الصحي والديموغرافيا الاقتصادية الذي أجرى دراسات معمّقة حول هذه النتائج، إنّ الآثار يمكن أن تكون مدمّرة وطويلة الأمد بشكل خاص بالنسبة للأشخاص الذين يدخلون سوق العمل خلال فترة الركود، بما في ذلك الخريجون الجدد والعاملون في منتصف العمر.

فعلى سبيل المثال، خلال ركود عامي 1981-1982، لم يواجه الداخلون إلى سوق العمل آنذاك انخفاضاً في الأجور على المدى القصير فحسب، وهو تأثير تفاقم بشكل أكبر بالنسبة للعمال غير البيض، بل عانوا أيضاً من نتائج اقتصادية واجتماعية وصحية أكثر سوءاً على مدى العقود التالية، وفقاً لأبحاث شواندت.
وأضاف: “إلى جانب انخفاض الدخل على المدى الطويل، نلاحظ أيضاً انخفاض معدلات الزواج، وارتفاع معدلات الطلاق، وزيادة في نسبة الشركاء منخفضي الدخل”، بالإضافة إلى إنجاب عدد أقل من الأطفال.

وتابع قائلاً: “ثم في منتصف الثلاثينيات إلى أواخرها، تبدأ التأثيرات الصحية في الظهور، حيث ترتفع معدلات الإعاقة، ونشهد أيضاً زيادة في معدلات الوفيات.. ويعتبر متوسط العمر المتوقع لتلك الفئة من الناس أقصر”.

رغم وجود بعض الآراء التي تقول إن تقلبات الدورة الاقتصادية وفترات الركود قد تحمل جانباً إيجابياً لبعض الأفراد أو لبعض النتائج الاقتصادية، إلا أن هذه الأحداث تأتي دائماً على حساب معاناة وآلام الآخرين، بحسب ما قاله شواندت.

وأضاف أنه “عندما ننظر إلى كلفة هذه التقلبات المؤقتة، نلاحظ أن بعض الفئات تتعرض لتأثيرات دائمة وأكثر عمقاً بكثير”.

“لم أمتلك يوماً مدخرات تُذكر”

أثبتت الدراسات أن فترات الركود الاقتصادي تُعيق قدرة العمال على الكسب لأعوام، بحسب جولد.

وقالت: “لنفترض أنك تخرجت خلال فترة ركود، ولم تتمكن من الحصول على وظيفة في المجال الذي درستَه، بينما تراكمت عليك ديون جامعية ضخمة.. يمكن أن يكون لذلك تأثير مدمر على قدرتك على الانطلاق في المسار المهني الصحيح وبناء مسيرتك الوظيفية”.

هذا تماماً ما حدث مع لورا ناتالي. فقد تخرجت من جامعة بورتلاند في مايو 2008 وهي مثقلة بعدد كبير من القروض الدراسية الحكومية والخاصة، ودخلت إلى سوق عمل كان يعاني من انخفاض غير مسبوق في معدلات التوظيف.

تقول ناتالي: “حصلت على وظيفة في مركز اتصال، وكان راتبي 13 دولاراً في الساعة. وبعد ستة أشهر من التخرج، بدأت القروض تُستحق، وكان مطلوباً مني دفع 1300 دولار شهرياً. تعثّرت في السداد”.

ومع تفاقم الركود وارتفاع معدلات البطالة بشكل حاد، بدأت الفوائد والغرامات المترتبة على قروض ناتالي تتراكم بوتيرة أسرع بكثير من قدرتها على التقدم في السلم الوظيفي نحو وظائف ذات رواتب أعلى.

وأضافت: “كنت أعمل بأقصى طاقتي، وأعود إلى المنزل لأدفع جميع الفواتير، وكان يتبقى لي 100 أو ربما 200 دولار لبقية الشهر، لتغطية نفقات الطعام والبنزين وكل شيء آخر. لم أمتلك يوماً مدخرات تُذكر. كنت أوفر فقط لأدفع الإيجار، وكانت حياتي تعتمد كلياً على الراتب الشهري”.

واليوم، وبعد مرور نحو 17 عاماً، باتت ناتالي تملك وظيفة جيدة وتستمتع بتوازن بين حياتها العملية والشخصية، لكن عبء ديون القروض الدراسية لا يزال يثقل كاهلها، كما أن آثار “الركود الكبير” لا تزال حاضرة في حياتها.

وقالت: “لو لم يكن هناك ركود، أعتقد أن الخيارات كانت ستكون أوسع بكثير. استغرق الأمر أعوام طويلة حتى أتمكن من إضافة شيء إلى سيرتي الذاتية يؤهلني للحصول على وظيفة براتب 30 ألف دولار سنوياً”.

 

فقدان شبكات الأمان
كان “الركود الكبير” عميقاً للغاية، والأزمة المالية التي رافقته بالغة التأثير إلى درجة أن الاقتصاد استغرق سنوات طويلة حتى يتعافى بشكل كامل.

وقالت جولد إن العودة إلى المسار الطبيعي كانت صعبة للغاية على الناس، مضيفة “أعتقد أننا أدركنا أن سياسة التقشف هي ما أعاق التعافي فعلياً.. في تعافي ما بعد الجائحة، لم يتم اتباع هذا النهج، ولهذا شهدنا انتعاشاً سريعاً”.

وحذرت جولد من أن موجة التخفيضات التي تُنفذ أو يتم اقتراحها على المستوى الفيدرالي قد تُضعف في النهاية البرامج الأساسية التي وُضعت لمساعدة الناس في أوقات الحاجة.

وقالت إن “الكثير من المواطنين يعيشون من راتب إلى راتب، وهذه الإدارة تدرس كل أنواع التخفيضات التي تطال شبكات الأمان، وهذا أمر مقلق للغاية”.

وأضافت: “إذا كنت مطالباً بالحصول على وظيفة كشرط للحصول على المساعدات، ولا يمكنك العثور على عمل مهما حاولت، وإذا ارتفع معدل البطالة فجأة دون أي خطأ منك، فإن الحصول على وظيفة لتأمين تلك المساعدات يصبح أمراً مستحيلاً”.

وفي السياق ذاته، قال جون هارفي، أستاذ الاقتصاد في جامعة “تكساس كريستيان”، إن نهج التقشف الذي تتبعه إدارة ترامب حالياً قد يُشكل خطراً على صحة الاقتصاد الحالية، وكذلك على قدرة البلاد على التعافي في حال ساءت الأوضاع.

وأضاف أن “الجميع يركز على التجارة والرسوم الجمركية؛ لكن ما يُرعبني أكثر هو هذا التقليص الهائل في الإنفاق الحكومي.. الأمر يشبه نوعاً من الطب في العصور الوسطى، وكأننا بحاجة إلى المعاناة لكي نصل إلى نتيجة إيجابية”.

وختم حديثه قائلاً: “وهذا ببساطة غير صحيح: المعاناة لا تنتج إلا مزيداً من المعاناة”.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق