اتفق خبراء ومتعاملون بقطاع المقاولات، على أن أزمة القطاع لاتزال تلقي بظلالها على الشركات العاملة في المجال، وسط استمرار التحديات المرتبطة بعجز الدولار وارتفاع تكاليف المواد الخام، ما أدى إلى زيادة الضغوط المالية على الشركات وتأخير تنفيذ المشروعات.
أضافوا أن القطاع لا يزال يعاني من تأخر المستحقات وارتفاع أسعار الفائدة البنكية، مما دفع بعض الشركات إلى اللجوء للاقتراض من البنوك والحفاظ على استمرارية العمل.
قال المهندس سامي سعد، رئيس مجلس إدارة الاتحاد المصري لمقاولي التشييد والبناء، إن الوضع الاقتصادي لقطاع المقاولات شهد تحسنًا كبيرًا مقارنة بالعام الماضي، بعد تجاوز تحديات رئيسية، أبرزها نقص الدولار وغياب المواد الخام اللازمة لتنفيذ المشروعات.
وأوضح سعد أن تدخل الحكومة لتمديد العقود لمدة 6 أشهر ، أسهم في تخفيف الضغوط على شركات المقاولات، مما أتاح لها فرصة لاستكمال المشروعات دون تكبد خسائر إضافية.
وأشار إلى أن السوق شهد تحسنًا ملحوظًا العام الماضي، خاصة بعد صفقة “رأس الحكمة” التي أُبرمت في مارس 2023، وأسهمت في توفير السيولة بالدولار داخل البنوك، مما خفف الضغط على السوق الموازية وقلل تقلبات أسعار الصرف.
أضاف أن بداية عام 2024 لم تكن مستقرة، إلا أن الأوضاع بدأت بالتحسن تدريجيًا خلال الربع الثاني من العام، وهو ما انعكس إيجابيًا على القطاع العقاري.
اقرأ أيضا: “اشتري وحدة والتانية هدية”.. عروض الشركات العقارية بين التضليل وتنشيط المبيعات
أوضح سعد أن الاتحاد تواصل مع الحكومة لعرض مشكلة توقف العمل بسبب نقص المواد الخام، مما دفعها إلى تمديد العقود لفترة إضافية تصل إلى 6 أشهر، كما أسهم قانون التعويضات في دعم الشركات وضمان استمرار تنفيذ المشروعات رغم التحديات الاقتصادية.
وأشار رئيس اتحاد المقاولين إلى أن القطاع يعتمد بشكل كبير على استيراد المواد الأساسية، خاصة المكونات الميكانيكية والكهروميكانيكية (الإلكترو-ميكانيك). إلا أنه لفت إلى ظهور شركات محلية بدأت في تصنيع منتجات بمواصفات دولية تضاهي الجودة المستوردة، مما ساعد جزئيًا في تقليل الاعتماد على المنتجات الأجنبية.
وتابع :” السوق سيظل في حالة استقرار، وربما يشهد تراجعًا طفيفًا، مؤكدا علي أن استمرار توفير الدولار وصرف مستحقات الشركات سيظل عنصرًا أساسيًا في استقرار القطاع ودعمه لمواجهة أي تحديات مستقبلية”.
وشدد سعد على أهمية التعاون المستمر بين الحكومة والقطاع الخاص لضمان استقرار قطاعي العقارات والمقاولات، داعيًا إلى توفير مزيد من التسهيلات المالية والإدارية لتجاوز أي أزمات محتملة.
يوسف: التوقعات المستمرة بارتفاع الدولار وتأخر صرف المستحقات .. أبرز التحديات
أكد المهندس شمس الدين يوسف رئيس مجلس إدارة شركة “الشمس للمقاولات”، أن أزمة شركات المقاولات التي بدأت منذ منتصف عام 2023 لا تزال قائمة، نتيجة ارتفاع سعر الدولار وتأثيره المباشر على استيراد المواد الخام.
وأوضح أن سوق المقاولات يعاني من حالة عدم استقرار، نتيجة التوقعات المستمرة بزيادة سعر الدولار، مما أدى إلى ارتفاع تكاليف المواد الخام واستمرار موجة الغلاء دون أي انخفاض يُذكر.
أضاف أن الموردين أصبحوا أكثر تحفظًا في بيع بضائعهم، مفضلين تخزينها انتظارًا لتحسن الأوضاع الاقتصادية وارتفاع الأرباح المستقبلية، وهو ما زاد من الضغوط على الشركات العاملة في القطاع.
وأشار رئيس “الشمس للمقاولات” إلى أن أحد أبرز التحديات التي تواجه القطاع هو تأخر صرف مستحقات المقاولين، إذ قد يستغرق الحصول على المستحقات أكثر من عام، وهو ما يتزامن مع ارتفاع الفوائد البنكية التي تصل إلى 30%، ما يؤدي إلى تآكل رؤوس أموال الشركات.
والعديد من المقاولين اضطروا لبيع أصولهم الثابتة التي تم بناؤها على مدار السنوات، بهدف سداد الديون والوفاء بالالتزامات المالية تجاه البنوك.
اقرأ أضا: قاطرة المقاولات تصطدم بالتحديات الضريبية
وأشار إلى أن “الوضع لم يزدد سوءًا مقارنة بالسنة الماضية، لكنه لا يزال ثابتًا، وما زلنا نحاول إنهاء العقود المبرمة من خلال بيع الأصول لسداد الديون”.
وفيما يتعلق بأسعار المواد الخام، أكد شمس الدين أن أي زيادة طفيفة في سعر الدولار تؤدي مباشرة إلى ارتفاع أسعار كافة السلع والخدمات، موضحا أن هناك شركات محلية بدأت في تصنيع المصاعد والتكييف المركزي، إلا أن جودتها لا تزال أقل من نظيرتها المستوردة.
تابع: “كي نرى تأثيرًا فعليًا للمنتجات المحلية في السوق، نحتاج إلى وقت طويل لتحسين الجودة والمنافسة مع المستورد، وأتمنى أن تصل مصر يومًا ما إلى إنتاج محلي بنفس جودة المنتجات الأجنبية”. وشدد على أن الأزمة ليست في نقص المنتجات أو المواد الخام، بل في ارتفاع أسعارها بشكل مبالغ فيه.
وتوقع شمس الدين استمرار الأزمة في ظل غياب حلول واضحة للسيطرة على السوق، مع استمرار حالة الترقب وعدم الثقة في تحسن الوضع الاقتصادي.
لقمة: 90% من الخامات المستوردة متوافرة والوضع الحالي أفضل من 2024
أكد المهندس محمد لقمة، رئيس مجلس إدارة شركة “ديتيلز للمقاولات”، أن قطاع المقاولات شهد تحسنًا كبيرًا خلال الفترة الأخيرة، خاصة فيما يتعلق بتوافر الخامات والمكونات الأساسية التي كانت تعاني من نقص حاد في الفترة الماضية، مشيرًا إلى أن أزمة الدولار شهدت استقرارًا انعكس إيجابيًا على السوق.
وأوضح لقمة أن الأزمة التي مرت بها شركات المقاولات سابقًا كانت خارجة عن سيطرة أي جهة، حيث واجه السوق نقصًا حادًا في المواد الخام، ما أدى إلى توقف شبه كامل في عمليات الاستيراد وتوريد المستلزمات الأساسية.
أضاف أن الشركات اضطرت آنذاك إلى شراء المواد المتاحة بأسعار مرتفعة بشكل غير مسبوق، لمجرد استكمال المشروعات الجارية، مما شكل ضغطًا ماليًا كبيرًا على الشركات.
وأشار إلى أن أكثر المواد تأثرًا بالأزمة كانت مكونات الإلكترو-ميكانيك، بالإضافة إلى مادة البيتومين المستخدمة في أعمال العزل ورصف الطرق.
أضاف أن العام الحالي شهد تحسنًا كبيرًا، حيث أصبحت 90% من الخامات متوفرة في السوق، فيما لا يزال هناك نقص في بعض المواد المتخصصة التي تحتاج إلى فترة أطول للاستيراد.
اقرأ أيضا: توقعات بانتعاش قطاع المقاولات مع بدء تطوير “رأس الحكمة”
ولفت لقمة إلى أن الوضع الحالي أفضل كثيرا مقارنة بالعام الماضي، الذي شهد اختفاء شبه كامل للخامات، بالإضافة إلى انفلات حاد في الأسعار، إذ كانت التغيرات السعرية تحدث خلال دقائق.
وأوضح أن بعض المنتجات، مثل لوحات الكهرباء، لا تزال تواجه تأخيرات في التوريد، حيث تستغرق ما بين شهر إلى شهرين للوصول إلى السوق المصري.
وفيما يتعلق بالمنتج المحلي، أكد لقمة أن السوق المصري شهد ظهور شركات بدأت في تصنيع بعض المواد الخام، إلا أن جودة منتجاتها لا تزال بحاجة إلى تطوير لمنافسة البدائل المستوردة. وأشار إلى ضرورة دعم هذه الشركات وتحفيزها لتحسين جودة الإنتاج بما يواكب المعايير العالمية.
أضاف أن تسعير المنتجات في السوق المصري يعتمد على التوافر والمنافسة، بدلاً من الاعتماد على احتياجات السوق الفعلية، وهو ما يؤثر على قدرة المنتجات المحلية على المنافسة في الأسواق الدولية. وأوضح أن إعادة النظر في آليات التسعير ستسهم في تحقيق توازن أفضل في السوق.
وحول الدعم الحكومي، أشار لقمة إلى أن الحكومة لا تقدم تسهيلات كبيرة لشركات المقاولات، باستثناء السماح باستيراد المواد الخام وتوفير الدولار.
وأكد أن مكونات الإلكترو-ميكانيك، مثل معدات الكهرباء والتكييفات وأنظمة مكافحة الحريق، تعتمد بشكل أساسي على الاستيراد، مشددًا على ضرورة السماح المباشر لشركات المقاولات بالاستيراد دون قيود لتعزيز الاستقرار في السوق.
وتوقع أن يشهد القطاع تحسنًا كبيرًا خلال الفترة المقبلة، في حال تمكنت الدولة من السيطرة على الأوضاع السياسية وتعزيز النمو الاقتصادي.
وأشار إلى أن الضغوط السياسية والاقتصادية الحالية تمثل أحد العوامل الرئيسية التي تعرقل التعافي السريع، مؤكدًا أن تجاوز هذه التحديات سيؤدي إلى طفرة في قطاع المقاولات والاقتصاد المصري بشكل عام.
المرشدي: المشكلة ليست في توافر المنتجات بل في ارتفاع أسعارها
وأكد المهندس ممدوح المرشدي، رئيس مجلس إدارة شركة “مودرن بايونيرز” للمقاولات، أن أزمة قطاع المقاولات لا تزال قائمة.
وأوضح أن السبب الرئيسي وراء استمرار الأزمة هو العجز في الدولار، مما أدى إلى صعوبة توفير المكونات الأساسية لتنفيذ المشروعات.
أضاف أن العديد من مدخلات القطاع، بما في ذلك المنتجات الزراعية والمكونات الصناعية، تعتمد على الاستيراد، وهو ما أدى إلى تفاقم الفجوة بين الواردات والصادرات، حيث سجل العجز التجاري 22 مليار دولار هذا العام.
وهذا العجز أسهم في ارتفاع معدلات التضخم، مما أثر بشكل كبير على شركات المقاولات، التي تواجه تحديات متعددة نتيجة زيادة التكاليف، مشيرا إلى أن عقود المقاولات تعتمد على بندين رئيسيين، هما المصنعية والمواد الخام، في حين لا توفر التعويضات الحالية غطاءً كافيًا لارتفاع تكلفة العمالة، مما يزيد من أعباء الشركات.
كما أشار إلى الضغوط المالية التي تواجهها الشركات نتيجة تأخر تسليم المشروعات وصرف المستحقات، وهو ما يؤدي إلى تأخير تسليم خطابات الضمان وتراكم الديون، في ظل ارتفاع أسعار الفائدة البنكية التي تتراوح بين 30% و32%.
ولفت المرشدي إلى أن الأزمة المالية أجبرت العديد من الشركات على اللجوء إلى القروض البنكية أو الائتمان لتجنب توقف المشروعات، إذ إن توقف العمل يترتب عليه غرامات تأخير تزيد من الأعباء المالية.
وفيما يتعلق بالاستيراد، أكد أن معظم المكونات الأساسية لقطاع المقاولات، مثل أنظمة إطفاء الحرائق، والمصاعد، والمكونات الكهروميكانيكية، يتم استيرادها بالكامل.
كما أن المشكلة ليست في توافر المنتجات، بل في ارتفاع أسعارها بسبب الدولار، مما يجعل شراءها أكثر صعوبة.
كما أوضح أن ارتفاع الأسعار مرتبط بتوسُّع الدولة في تنفيذ عدد كبير من المشروعات في وقت واحد، مشيرًا إلى أن النهج الأمثل كان يقتضي استكمال كل مشروع قبل بدء غيره.
0 تعليق